أقلام حرة

إعلام (الرقص حرقاً)..!

اسماء شلاشلم يعد الموت بالرصاص فقط هو قدرك لو خرجت ثائراً أو متظاهراً على الأنظمة، ليس لأن ذخيرة المستبدين نفذت بل لأن الموت تعدد، فموت بالحرق وموت بالحوادث والاغتيال وموت بافتعال الأزمات وموت بالسفارات وموت بالقطارات.. بل حتى الطبيعة لم تعد منصفة للشعوب.. هربت شعوب بأكملها من أوطانها لاجئة، وتم اقتلاعها من جذورها وتاريخها لتجد البرد والجوع والقهر والعواصف في مخيمات الذل والشتات..

لا شيء أنصفنا ولا حتى نظرية أثر الفراشة، ولا حتى النظرية النسبية.. ظلوا يعدون فلسطين بالعودة أكثر من سبعين عاماً ولم يعد الفلسطينيون ولاعادت فلسطين، وصارت كل خيمة فلسطينية بيتاً ثم حياً ثم مدينة ولازالوا يقولون المخيم (الفلاني) لللاجئين الفلسطينيين، فلا هم أعادوا لهم وطنهم ولا كفوا عن مصطلح (التخييم) الذي ظل تهمة لمن لم يكن إلا ضحية.. لكن الفلسطيني أثبت نفسه كإنسان مبدع وتفوق على نظرية التخييم وكابر على جراحه، وكلما قرأت أدب غسان كنفاني وقصائد محمود درويش أقول في نفسي: شعب ينتمي إليه هؤلاء كيف اقتلعوه وكيف لم يعد؟ لكن مفاتيح العودة ملكتها الأنظمة فخانت أيما خيانة.. والسوريون على الطريقة الفلسطينية ينتظرون، وكل مرة يأتيهم (خازوق) من عمق الثقب الأسود إلى عمق ثورة يقولون عنها حرباً وأزمة وأن الثوار هم أداة التدمير، وكأن المستبد كان يرمينا بالورد..

فتح لنا الأتراك أبوابهم وأغلقها في وجهنا العرب، فقالوا-العرب وسواهم- الأتراك يتاجرون بنا، فلا هم يرحمون-العرب- ولا يتركون رحمة الله تنزل..

ثوب راقصة أو مطربة أو ممثلة يشغل بلداً بحجم مصر، ولا تشغلها أو تحركها دماء مفتعلة ولا حتى مصاصو الدماء من سياسيين ومطبلين لهم من مستثقفين وإعلاميين. وهؤلاء -يعني الإعلاميين- حتى اللحظة هم براءة اختراع، اختراع يأتي باختراع آخر، من عمرو أديب وحكايته وزعيقه الذي يرتفع في كل مرة مروراً بأعداد لا حصر لها من إعلاميين أكثر شهادة ممكن أن تعطيها لهم شهادة (بواب كاباريه)، وهذا الأخير-عمرو أديب- لم يعد يعرف كيف يبوح بكل مخزون النفاق لديه عندما وجد مساحة شاسعة في (إم بي سي)، فهو ساعة يحاور الراقصات ويجعل منهن طاهرات المجتمع وأمهات ونساء مثاليات يجب أن يكن القدوة، وفرضهن على وعي المشاهد وفق أسلوب(العقل اللاوعي) رغماً عن المنطق، وساعة يتحدث بالسياسة ويكثر وينتقل انتقالاً مباشراً دون فاصل من مدح فيفي عبدو وهيفاء وهبي إلى شتم تركيا وقطر والأخوان.

فقط في مصر الرقص والسياسة متلازمتان لا فاصل بينهما سوى بندقية العسكر. ويجوز للراقصة أن تصنع قراراً سياسياً وتتحدث بالسياسة وتفتي بالدين لكن لا يحق للشعب والثوار والمعارضين والمثقفين والوطنيين أن يتحدثوا فهو حق محفوظ للراقصة فقط، فهي راقصة وما ذنبها أنها راقصة..!

وبحسب تقارير إعلامهم الرسمي أن الراقصات كلهن يحملن شهادات عليا فلا تظن عزيزي القارئ أنها رقصت لمجرد قلة الأدب فهي تملك شهادات عليا، هذا تحليل على طريقة الاعلام الوطني..!

في سورية الأمر ليس مختلفاً فالإعلام دائماً يسبح في مجرة لم يتم اكتشافها ثم يجند ممثلي الدراما الموالية للترويج والتطبيل لعل المنطق يخرج من باب الحارة أو ليالي الحلمية ويبقى زمن فيفي عبده التي يحاورها عمرو أديب وكأنها سيدة الوطن العربي الأولى وقدوة الجيل.. وبعد أن اعتزلت شريهان ونال الزمن منها يحاول السعوديون إقناعها بالعودة إلى الفن وكأن العدد الحالي من الفنانات لا يفي بالغرض..! حتى ((arabs got talent لجنة تحكيمه مطربة وممثل..!

كل رجال الدين في مصر انشغلوا ب(حلا شيحا)، ومن هي حلا شيحا أصلاً؟ وماذا أضافت للفكر الإنساني؟ فلماذا يجعلون من التافهين عظماء بالاهتمام ويقتلون كل إبداع؟ ممثلة تضع الحجاب أو تخلعه تشغل الرأي العام أكثر مما تشغله التعديلات الدستورية. وفي الأقبية السرية يقولون: لنشغل الشعوب بالتوافه حتى لا يفكرون بالمهم ..

تاريخ العسكر الأسود وحكم الدكتاتوريات تجعل من خصر راقصة أهم من معتقل، أهم من قضية سياسية أو فكرية.. ثم ما دخل الراقصة بالسياسة؟ اتركوها بحجمها الطبيعي، لماذا تعطون الراقصة حجما أكبر من حجمها؟! ماهذا القرف الذي وصل إليه الوعي العربي وما هذا التخبط، وهل ينقص الشعوب راقصات، وأنتم ترون أنهم (من دون دف يرقصون) ؟!

رحم الله محمد بن عزيزي، ربما لو عرف ماذا يحدث بثورته ومآلات ربيعه لكان ندم وعاد للحياة، فالحياة تليق به، والموت يليق بهؤلاء الذين سرقوا ثوب بوعزيزي وثورته ولم يعد يحمل لواءها أحد. وعاد الجوع والموت والخراب يعصف بنا أكثر مما كان، وعادت الأوطان مرة أخرى الى أحضان المستبدين (وكأنك يا زيد ما غزيت)...

ولم ينحسر شيء.. وحدها أحلامنا هي التي انحسرت، وخسرنا أرواحاً وأوطاناً وبقيت البطانات الفاسدة تحكمنا.. وعادت الراقصات إلى دورهن التاريخي بإلهاء الشعوب وترفيه السياسيين، وعادت الأوطان بما فيها من شعوب إلى حظيرة المستبدين، وصارت العاهرة تقدم برنامجاً دينياً وتحاضر بالشرف كالعادة.. وصار الموت في كل حين..

وصار الحاكم يحكمنا جالساً وواقفاً، وحتى وهو على كرسي متحرك ومصاب بالزهايمر..

 

أسماء شلاش

 

 

 

في المثقف اليوم