أقلام حرة

كيف زرع المتأسلمون بذور الإرهاب في سيناء أرض الفيروز (2)

محمود محمد علينعود للجزء الثاني من مقالنا عن دور دعاة الإسلام السياسي في نشر الإرهاب في سيناء فنقول : خلال سنة من حكم الإخوان المسلمين في عام 2012 استشرى الإرهاب وانتشرت خلاياه، وقويت شوكته، واهتزت مؤسسات الدولة وارتبك أداؤها، وتراجع اقتصادها، وفقدت بعض من أمنها وأمانها بفعل فاعل، ودُمرت ليبيا، واستأسدت أثيوبيا، وتراخت السودان، وغدرت حماس، وانفرجت أسارير إيران، ورقصت إسرائيل طربا، وصفقت إدارة أوباما، وتأهبت تركيا وقطر لدور قادم على أنقاض مصر، وفي التفاصيل الكثير الكثير من صور التآمر والخذلان، ولأن مصر عصية على الانكسار انتفضت في وجه قوى الشر، وأعاد جيشها البوصلة إلى حيث يجب أن تكون، وكسر المؤامرة التي لم تكن تستهدف مصر وحسب، وإنما المنطقة العربية بكاملها بعد انتصار الشعب والجيش في دحر الإخوان عن حكم مصر وضرب مشروعهم الإخواني الكبير في الصميم.

ولقد كانت ردة فعل الجماعات السلفية كلها التي كانت تعمل تحت مسميات مختلفة في سيناء؛ حيث قد كشفت ولاءها الحقيقي بينما أعلنت مجتمعة بعد ساعات من عزل مرسي تشكيل مجلس حرب لإعادته إلي الحكم، وذلك في "الشيخ زويل" في سيناء في الثالث من يونيو 2013 . وبعد أيام من الثامن يوليو صرح القيادي الإخواني "محمد البلتاجي" من ميدان التحرير أن ما يحدث في سيناء سيتوقف في اللحظة التي يعلن فيها عبد الفتاح السيسي تراجعه، وليأتي في النهاية تصريح الإخواني "أحمد المغير" اليد اليمني لنائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين "خيرت الشاطر" الذي تبرأ منه الإخوان لشدة فضحه لسياستهم وفكر قادتهم الحقيقي بعد هروبه إلي السودان وتصريح "المغير" كشف المرجعية الفكرية الإخوانية لكل الجماعات السلفية التي ظهرت في الفترة الأخيرة في مصر وتمركزت في سيناء، وذلك في إحدى رسائله الذي دعا فيها الإخوان المسلمون للعودة إلي فكرهم الأول، وهو القتال ثم عرض في نهاية تصريحه لصور مؤسس الإخوان "حسن البنا" ومناصره الجهادي "سيد قطب" والقيادي الإخواني الذي تحول إلي أهم منظر لتنظيم القاعدة وهو "عبد الله عزام" .

وفي عام 2014 بايع "أنصار بيت المقدس" تنظيم داعش بالرغم من إشادة "أيمن الظواهري" به وقد قبل هذه البيعة "أبو بكر البغدادي" بإصدار صوتي وغير التنظيم اسمه إلي "ولاية سيناء"، ومنذ ذاك سيطر داعش علي المشهد وكثف عملياته التي كان أشهرها هجوم "كرم القواديس" الذي راح ضحيته أكثر من 30 جنديا وضابطا مصريا في هجوم علي نقطة تفتيش تابعة للجيش بمدينة "الشيخ زويد" في شمال سيناء في أكتوبر 2014 . ومن آخر عمليات داعش إسقاط طائرة روسية فوق ولاية سيناء تقل علي متنها ما يزيد علي 220 روسيا، وذلك في أكتوبر 2015 .

ولا شك في أن ظهور داعش استفذ بالطبع القاعدة والتي كانت تعمل قبله في سيناء، وظهر نوع من التنافس بين داعش متمثلا في ولاية سيناء،  والقاعدة متمثلا في نسختها الجديدة في "تنظيم أجناد مصر"، الذي كان قد أعلن عن نفسه في يناير 2014، وأصدر فيديو بعنوان "بالقصاص حياة" لإثبات صلته بتنظيم القاعدة عبر مؤسسة الكنانة الإعلامية، لكنه لم يصمد طويلا، إذ ضعف وتعرض للتشتت عقب مقتل زعيمه ومؤسسه "مجدي الدين المصري" لتظهر بعده جماعة تسمي "المرابطون"، وهي نسخة أخري للقاعدة أعلنت عن نفسها من خلال شريط مصور بعنوان " ويومئذ يفرح المؤمنون " في يوليو 2015، وظهور هذا التنظيم أضاع هذا التداخل القوي بين هذه التنظيمات كون مؤسس المرابطون هو "أبو عمر المهاجر" المنشق عن تنظيم داعش أساساً، وبذلك تتحول سيناء فعلا علي ما خطط له كتاب "إدارة التوحش" الذي وضعه بالمناسبة "خليل الحكايمة"، أي الشخص نفسه الذي أرسله الظواهري للعام 2006 إلي مصر لإقامة فرع للقاعدة هناك، وهذا الكتاب اُعُتبر دستور القاعدة حينها، ويعتبره تنظيم داعش دستوره أيضا، وهو الكتاب الذي ينظر إلي استراتيجية التوحش في تغيير الدول والأنظمة، من خلال تدمير جيوشها ومقوماتها، والبدء من المناطق النائية والضعيفة أمنيا، وشن الهجمات الكثيفة لإجبار القوي الأمنية فيها علي إخلائها، لكي تحكمها بعدها الجماعات الإرهابية،  ولتنطلق منها للسيطرة علي مناطق أخري.

وبالمناسبة أيضا فإن كتاب "إدارة التوحش" الذي تطبق استراتيجيته اليوم في سيناء اعتمد في تنظميه الجهادي وبالدرجة الأولي علي اقتباسات من "حسن البنا"، و"سيد قطب"، و"عبد الله عزام". هكذا زرع الإخوان المسلمون في سيناء بذور الإرهاب وهكذا يرونها بدماء المصريون.

ولكن بفضل الله وتوفيقه فقد فشلت المؤامرة على مصر؛ نعم فشلت ؛ ولكن، لم يتوقف التآمر ولم يتوقف الطامحين من دول الإقليم وغيرهم عن محاولات بعث الحياة من جديد في مشروع الإخوان المسلمين، فكان الإرهاب هو الأداة المجربة في سوريا والعراق وليبيا، والأكثر فعالية في ضرب استقرار مصر وأمنها وإدخالها في حالة من الفوضى، فسقطت ورقة التوت التي كانت تستر إرهاب الإخوان المسلمين، بعد أن أعلنوا الحرب على الدولة المصرية في تحالف شيطاني مع الجماعات الإرهابية، فقتلوا واغتالوا ونفذوا المجازر بحق الشرطة والجيش، واستهدفوا الأقباط والكنائس، وحاولوا فصل سيناء كإمارة لهم وملاذ آمن ونقطة ارتكاز في خاصرة مصر، وكانت النتيجة الفشل.

وبالتدريج نجحت الدولة المصرية في احتواء موجة الإرهاب العاتية، وبدأت تستعيد عافيتهـا ودورها الإقليمي والدولي، بالتزامن مع تغيرات دولية وإقليمية فرضت معادلات جديدة في السياسة الدولية كانت في معظمها لصالح مصر، وكانت أهم نتائجها انحسار وخسارة الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا والعراق، والتغير الذي بدأ يطرأ على مواقف العديد من الدول الأوروبية تجاه جماعة الإخوان. إلا أن خطر الإرهاب لم يتوقف، فامتدت أذرع الدولة المصرية لتجفيف منابعه ومحاصرته في أكثر من بقعة فضربت معاقلهم في ليبيا، ووجهت ضربات قوية لخطوط الإمداد القادمة من وراء الحدود،

وفرضت معادلات جديدة على حدودها الشرقية، فتراجعت قدرة الجماعات الإرهابية على تنفيذ العمليات في عمق المدن الرئيسية، وانتقلت إلى الأطراف في سيناء والواحات، وفي فترات زمنية متباعدة قياسا بالأعوام السابقة تحديدا في 2014،2015  العمليتين الإرهابيتين اللتان حدثتا في منطقة الواحات على حدود القاهرة والتي تحمل بصمات القاعدة والإخوان، ومجزرة "مسجد الروضة" في سيناء والتي تحمل بصمات داعش (تقاسم وظيفي بين أذرع الإرهاب)، لا يمكن فهمه في سياق عمل إرهابي محض، نفذته مجموعات  إرهابية انسجاما مع أفكارها المتطرفة، وإنما بوصفهما استكمال لفصول المؤامرة على مصر، للقول أن مصر غير آمنة، وأن الإرهاب ما زال حاضرا وفاعلا، وأن الجيش المصري ضعيف أمام الإرهاب، وأن الدولة المصرية فاشلة، هكذا أرادوا.

ولكن، خاب ظنهم، فالأولى تم تصفية المجموعة التي كان من المفترض أن تستكمل نشاطها الإرهابي في القاهرة وضواحيها، كما تم إلقاء القبض علي رأس المجموعة "هشام عشماوي" "مايسترو الإرهاب بين القاعدة والإخوان والدول الراعية"، الأمر الذي أثبت أن الإرهاب في سيناء علي وشك أن ينتهي بهزيمته واجتثاثه بعد أن ثبت أن كل مقومات النصر باتت متوفرة بعد أن غضبت الدولة المصرية وقررت خوض المعركة الفاصلة مع الإرهاب دون هوادة، والتفت القبائل السينوية مجتمعة حولها، بعد أن استقوى العنصر الأجنبي على أبنائها وشيوخها ومساجدها وحرماتها.

إن تمدد أذرع الإرهاب لا يطال مصر وحدها، وإنما يطال الوطن العربي كله، حيث سيكون للجيش المصري ومعه المؤسسة الأمنية بكل أذرعها كلمة الفصل، فسيناء ستكون المعركة الفاصلة والحاسمة في الحرب على الجماعات الإرهابية ومموليها وداعميها، وذلك لكونها هي الملاذ الأخير جغرافيا للجماعات الإرهابية في المنطقة، بعد أن فقدت مواقعها في أماكن أخرى نتيجة تغير المعادلات السياسية والتطورات الميدانية على الأرض، والتحول نحو سيناء ليس عبثا فقد تم بفعل فاعل، وبقصد وتخطيط مسبق من قوى لا تريد بمصر خيرا، فمصر القوية المعافاة ستحول دون تحقيق طموحاتهم ومشاريعهم بأي نفوذ أو دور لهم في المنطقة بدءا بإسرائيل ومرورا بإيران وتركيا وانتهاء بقطر.

وبقي أن نقول: كما أوقفت مصر زحف المغول قبل مئات السنين، وكما اخترق جنود مصر خط بارليف المنيع قبل عشرات السنين، وكما انتصرت الدولة المصرية على موجات الإرهاب المتتالية، وكما أنقذ جيش مصر المنطقة من مشروع الإخوان التدميري، فان مصر الدولة والجيش والشعب ستنتصر في المعركة الفاصلة مع الإرهاب وجماعاته في سيناء وفي كل ربوع مصر.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل- جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم