أقلام حرة

التأويلات المختلفة لتفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م (3)

محمود محمد علينعود لحديثنا في المقال الثالث عن التأويلات المختلفة لتفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث نناقش هنا الفرضية الثانية وهي التي تؤكد : أن تنظيم القاعدة هو من يقف وراء هجوم 11 سبتمبر 2001م، وفي هذا نقو : تؤكد الولايات المتحدة إدانة تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، والذي يأويه نظام طالبان باعتباره، هو التنظيم المتهم بالقيام بهجمات سبتمبر، وأن هدف هذا التنظيم هو قتل اليهود والمسيحيين، وبذلك فالخطاب الأمريكي يرسى أساساً للصراع الديني ما بين تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الإسلامية المشابهة من ناحية، واليهود والمسيحيين من ناحية أخري باعتبارهما يقفان في جانب واحد ويشكلان فريقاً واحداً مجنياً عليه، وإن كان هناك حرض على تأكيد أن هذه الجماعات هي جماعات مرفوضة من جانب الكثير من المسلمين ورجال الدين، وهنا يقول الرئيس بوش الابن في خطابه عقب هذا الحادث :" إن تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، هو تنظيم إرهابي يمثل أحد فروع التطرف الإسلامي التي يرفضها الدارسون المسلمون وأغلبية رجال الدين الإسلامي، إنها حركة فرعية ترفض التعاليم السلمية للإسلام، ويأمر قائدها الإرهابيين بقتل المسيحيين واليهود، وقتل كل الأمريكيين بما في ذلك الأطفال والنساء، وإن هذه الجماعة وقائدها ترتبط بالعديد من المنظمات الأخرى في دول مختلفة، بما في ذلك تنظيم الجهاد الإسلامي المصري والحركة الإسلامية في أوزباكستان، وإن هناك الآلاف من هؤلاء الإرهابيين في أكثر من 6 دول، وقد تم إرسالهم لمعسكرات في أماكن مثل أفغانستان؛ حيث يتم تدريبهم على القيام بعمليات إرهابية، ويتم إرسالهم بعد ذلك إلى دولهم، أو إلى دول أخري للتخفي فيها من أجل تخطيط وتدبير الشر والدمار، إن أسامة بن لادن له نفوذ كبير في أفغانستان، ويدعم نظام طالبان في السيطرة على معظم هذه الدولة .

حسب هذه الفرضية قام عناصر من تنظيم القاعدة في 11 سبتمبر 2001م بعمليات منسقة، واختطفوا عدداً من الطائرات المدنية، ومن بين هذه العناصر طيارون ماهرون قادوا هذه الطائرات – دون مواجهة أية مشكلة – نحو برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك ووزارة الدفاع والبيت الأبيض في واشنطن، وتمكن الطيارون من تحقيق أهدافهم في نيويورك بالاصطدام ببرجي مركز التجارة العالمي. واصطدم أحدهم بالبنتاجون، وطائرة أخري أسقطت قبل اصطدامها بالبيت الأبيض .

وقد كتبت الصحف الأمريكية في 13 سبتمبر 2001م، أن اثنين من الطلاب من ذوي الأصول العربية اسمهما :"(محمد عطا) و(الشيخي) كانا المتسبيبن الأصليين في الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي، فهما كانا قد أنهيا في شهر أكتوبر عام 2000م، دراستهما في إحدي مؤسسات التدريب على الطيران وقيادة الطائرات في ولاية فلوريدا الأمريكية. بينما أعلن والد محمد عطا في حديث له مع إذاعة طهران العربية أنه تحدث مع ابنه في 15 سبتمبر 2001م عبر الهاتف، وأخبره أنه حي ولم يقتل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م .

وحسب الرواية الرسمية للحكومة الأمريكية، يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 نفذ 19 شخصاً على صلة بـتنظيم القاعدة هجمات باستعمال طائرات مدنية مختطفة. وانقسم منفذو العملية إلى أربعة مجاميع ضمت كل مجموعة شخصاً تلقى دروساً في معاهد الملاحة الجوية الأمريكية. وكان الهجوم عن طريق اختطاف طائرات نقل مدني تجارية، ومن ثم توجيهها لتصطدم بأهداف محددة. وكانت الهجمة الأولى حوالي الساعة 8:46 صباحاً بتوقيت نيويورك، حيث اصطدمت إحدى الطائرات المخطوفة بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي . وبعدها بربع ساعة في حوالي الساعة 9:03، اصطدمت طائرة أخرى بمبنى البرج الجنوبي، وبعد ما يزيد على نصف الساعة، اصطدمت طائرة ثالثة بمبنى البنتاغون. بينما كان من المفترض أن تصطدم الطائرة الرابعة بهدف رابع، لكنها تحطمت قبل وصولها للهدف .

وترجع جذور عمليات الحادي عشر من سبتمبر 2001م إلى الأحداث التي شهدتها السنوات السابقة لهذا التاريخ؛ حيث كان أسامة بن لادن قد أصبح أحد أهم الممولين لنشاطات المجموعات الإسلامية، وبهذا الشأن أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في أغسطس عام 1996 م تقريراً أوضحت فيه أن بن لادن يمول المعسكرات الإرهابية في كل من : الصومال، ومصر، والسودان، واليمن، وأفغانستان. وفي ذلك الوقت وقع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، قانوناً ضد الإرهاب يسمح لأمريكا بتجفيف المصادر المالية للمنظمات الإرهابية، وقد استفيد من هذا القانون في منع "بن لادن" من الوصول إلى أمواله التي تربو على 250 مليون دولار .

وبعد عدة أشهر أعلن جهاز الأمن المصري أن بن لادن يدرب 1000 مقاتل من الجيل الثاني للأفغان العرب للقيام بثورات إسلامية في البلدان العربية، وفي نيسان 1997 م أعلنت وكالة الاستخبارات الأمريكية (C.I.A) أنها شكلت مجموعة خاصة للذهاب إلى مدينة بيشاور الباكستانية لإخراج بن لادن من باكستان، وأن الأمريكيين طلبوا مساعدة الأفغان والباكستانيين في إنجاز هذه المهمة، ولكن الأمريكيين أوقفوا العمل بهذه المهمة، ولم يصدروا توضيحات مقنعة عن سبب توقف (C.I.A) عن هذه المهمة .

وخلال عدة أشهر أصدرت المجموعات المتحالفة مع القاعدة بياناً أعلنت فيه دعم الجبهة الإسلامية العالمية للجهاد ضد اليهود والمسيحيين؛ ففي 23 فبراير1998م صدر بيان عن اجتماع عقد في المقر الأصلي في مدينة خوست الأفغانية، جاء فيه :" تحتل الولايات المتحدة منذ أكثر من سبع سنين الأراضي الإسلامية، وبالأخص الأماكن المقدسة في الجزيرة العربية، وتستنزف ثرواتها، وتتآمر على حكامها، وتذل رجالها وتحتقرهم، وتخيف جيرانها، فيما تحولت قواعدها العسكرية إلى رأس حربة تحارب بها المسلمون في البلدان المجاورة . كما تضمن هذا البيان فوتي بهذا المضمون تقول:" إن حكم قتل الأمريكيين وحلفائهم من العسكريين أو غير العسكريين واجب شخصي على كل مسلم في أية دولة يستطيع بهذا العمل " .

وفي عام 1992م قامت الولايات المتحدة بإنزال في الصومال الواقعة، تحت انتداب منظمة الأمم المتحدة، وراح بعض القدماء الذين حاربوا في أفغانستان يطلقون النار في وجه G I S (نظم المعلومات الجغرافية)، وشاركوا في عملية لاقى ثمانية عشر جندياً أمريكياً مصرعهم خلالها.، وأعُلن أسامة بن لادن مسؤولاً عن الاشتباكات الدائرة، وانتزعت الجنسية السعودية من أسامة بن لادن، فاستقر في السودان، بعد أن نال حصته من الميراث وتقدر بثلاثمائة (مليون) دولار، فاستثمر هذا المبلغ في تأسيس عدة مصارف وشركات محلية غذائية وزراعية للتوزيع ولكنه طرد من السودان عام 1996 .

في يونيو 1996 لاقى تسعة عشر جندياً أمريكياً مصرعهم في هجوم شُن على القاعدة العسكرية في منطقة (الخبر السعودية) فاتهمت أمريكا "بن لادن" بذلك، وفي رد له على هذا الاتهام، دعا "بن لادن" إلى الجهاد ضد أمريكا وإسرائيل .

وفي أبريل 1998م فجرت السفارات الأمريكية في كل من : كينيا، وتنزانيا، وقتل 230 شخصاً، واتهمت أمريكا حينها "بن لادن"، بأنه وراء هذه التفجيرات، وقام الجيش الأمريكي بعد 13 يوماً من تفجير السفارات بقصف مقرات "بن لادن" الواقعة في أطراف (خوست وجلال آباد) بــ "70" صاروخاً من نوع كروز مستهدفة "مواقع البدر" و"خالد بن الوليد" و"معاوية" تحديداً . وقتل في هذا القصف "17" شخصاً من العرب و"7" من الباكستانيين و"2" من الأفغان، أي أن عدد القتلى بلغ نصف عدد الصورايخ التى أطلقت على تلك المواقع .

في 12 أكتوبر2000، وقع انفجار استهدف المدفع المتفجر مما أدى إلى تضرر المدمرة الأمريكية يو. إس. إس. كول (U S S Cole) في ميناء عدن، وإلى مقتل سبعة عشر بحاراً وجرح تسعة وثلاثين آخرين.. اتهمت الولايات المتحدة أسامة بن لادن بأنه من أمر بتنفيذه .

وفي ذلك الوقت كانت الحكومة الأمريكية قد جعلت من "بن لادن" غولاً تنسب إليه كل ما يستهدف أمريكا من أعمال، في حين توجد لدي بعض أوساط الخبراء الأمريكيين شكوك كثيرة جداً بشأن هذا الأمر، أي وقوف (بن لادن) وراء أكثر العمليات التي تستهدف المصالح الأمريكية، فمثلاً نجد في الشكوى التى أقيمت على (بن لادن) بقتل "18" جندياً أمريكياً في مقديشيو عاصمة الصومال عام 1993م، وموت خمسة عمال بتفجيرهم بقنبلة في الرياض عام 1995م، وموت "19" عسكرياً أمريكياً آخر، وخطة قتل الرئيس كلينتون في الفلبين، وخطة لتفجير عدة طائرات مدنية في عام 1995م .

ومن ناحية أخري نجد أن أحد أعضاء القاعدة، كان قد تحدث قائلاً :" إنه في أوائل عام 2001م، أصدر قائد تنظيم القاعدة أمراً بإعداد قائمة من الأفراد الذين لديهم استعداد للقيام بعمليات انتحارية، وقد أبدي "122" شخصاً من : قندهار، وكابول، وشرق أفغانستان استعدادهم للقيام بهذا العمل، وكان أعضاء القاعدة يصرحون في كل محفل ومناسبة قبل عدة أشهر من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، بأن هناك عمليات كبري ستحصل ضد أمريكا، حتى تسربت معلومات عن هؤلاء قولهم : إننا نقلنا ثلاثة آلاف كيلوجرام من المتفجرات من مكان آخر لتوجيه ضربة قاصمة للعدو غير قابلة للجيران، ولهذا السبب اتهمت القاعدة في اللحظات الأولى من الهجوم على نيويورك وواشنطن، بأنها المسؤول الأول عن هذه الحملات .

وقد بدأ الطرف الأمريكي تشكيل العلاقات الدولية الجديدة بعد 11 سبتمبر منطلقاً من العثور على حالة اشتباه، فخاطفو الطائرات الثلاث التي اقتحمت مركز التجارة ومبنى البنتاجون ماتوا جميعاً في الحادث، لكن الاشتباه ومنذ اللحظة الأولى أنهم ينتمون للتنظيم أطلقوا عليه اسم " القاعدة"، ولم يكن الاسم كذلك في البداية، لكن التسمية جاءت كناية عن أنه التنظيم الأم والقاعدة التي تنطلق منها تنظيمات عنف كثيرة في العالم ذات هوية إسلامية .

كان الأمر كله "اشتباها" فلم تجرِ محاكمة واحدة كبري تظهر لنا- وقد تم القبض على كثيرين بعد ذلك - أن هذه هي خيوط المؤامرة وأدلتها، ولم يحدث شئ من ذلك، لكن واشنطن مضت في تحليلها : الخاطفون من القاعدة، والقاعدة مع طالبان، وطالبان في أفغانستان ... إذن ليتم الإجهاز على كل هذه السلسلة .

ووفق الاعترافات الواردة في الشريط المصور لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فإن التنظيم متورط في أعمال الإرهاب الدولي، والهدف من الهجوم على مركز التجارة العالمي والبنتاجون واللذين يمثلان مركز القوة في الولايات المتحدة، هو الضغط على الولايات المتحدة، وإرغامها على الخروج من الأراضي المقدسة والخليج، كذلك لمعاقبتها على سياستها المدمرة في الشرق الأوسط؛ فاختطاف طائرات ركاب، واستخدامها كأسلحة متفجرة ضد أهداف مدنية وقتل وجرح الآلاف وترويع الملايين بهدف التأثير على الحكومة الأمريكية، لهو عمل مناف للقوانين والأعراف الدولية .

ولم تقدم الولايات المتحدة أي دليل يثبت مسئولية تنظم القاعدة عن هذه الهجمات، سوي شريط فيديو يعرض أسامة بن لادن يدلي باعتراف القاعدة بمسئوليتها عن هذه الأحداث، وقد ظهر هذا الشريط بعد حوالى عام من الأحداث، فكان موضع شك لكثير من الجهات ؛ خاصة وأن الأمور سارت في اتجاه إعداد العدة لمهاجمة أفغانستان ومعاقبة تنظيم القاعدة وطالبان .

واتهمت الإدارة الأمريكية معظم المستثمرين العرب والمسلمين بتوظيف أموالهم في خدمة العمل الإرهابي، فطال أموالهم العقاب بالحجز والمصادرة، كما زعمت واشنطن أن تنظيم القاعدة يدير حركة مالية معقدة حول العالم، لهذا أوقفت العديد من الأموال المشتبه فيها، فهذا التنظيم يمارس نشاطاً اقتصادياً ممنوعاً، ولديه حسابات مصرفية في بريطانيا، والنمسا، وسويسرا، والولايات المتحدة. هذا التنظيم يتلقى دعماً من جماعات خيرية، ومن أثرياء خليجين، لذلك لم تتردد الولايات المتحدة من الاستيلاء على ودائع مصرفية لمائة (ملياردير) من الخليج تقدر بحوالي 600 مليار دولار، وتعتقد الولايات المتحدة أن هذه الأموال تستخدم لدعم المنظمات الإرهابية؛ حيث تقدر ثروة "بن لادن" وحده بمليار دولار وتعتبر المصدر الرئيسي لتمويل القاعدة ... وللحديث بقية !

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم