أقلام حرة

التأويلات المختلفة لتفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 م (6)

محمود محمد علينعود في هذا المقال السادس ونكمل حديثنا عن التأويلات المختلفة لتفسير أحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث نناقش هنا تلك الفرضية الرابعة القائلة بدور المحافظين الجدد في تشكيل استراتيجية حروب الجيل الثالث عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وذلك علي النحو التالي : كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م، تمثل إعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، وذلك من خلال انتقالها من البرجماتية إلى إيديولوجية التغيير من خلال الجمع بين المدرستين الجاكسونية نسبة إلى الرئيس "أندرو جاكسون" Andrew Jackson، وشعارها قول ماك آرثر MacArthur: " ... البديل الوحيد للنصر هو النصر "، والمدرسة الولسونية نسبة إلى الرئيس " وودرو ويلسون" - Woodrow Wilson، وتمثل هذه المدرسة تقليداً أمريكياً، وهو نشر القيم الأمريكية في العالم، فانحاز الرئيس بوش الابن لمبادئ المدرسة الولسونية، فاقترب من فكر المحافظين الجدد الذين يدورون في فلك تلك المدرسة، فمن هم المحافظون الجدد؟

من خلال هذا التساؤل يمكن القول بأن هذا التيار تأسس على يد المفكر اليهودي الألماني ليو شتراوس" Leo Strauss، وأسس ما عرف بالشتراوسية الليبرالية، والمحافظون الجدد هو الاسم الأمريكي لمجموعة من الناس، كانوا معروفين في مطلع السبعينيات، ودخلوا الإدارة الأمريكية المتعاقبة وزادوا نفوذهم مع إدارة بوش (الابن).

ويمكن القول أن المحافظين الجدد تولدوا من جيلين كاملين، فالجيل الأول الذي كان في حقبة السبعينيات من القرن العشرين، وهم أقل تدخلاً في شؤون العالم ذات النزعة الانعزالية، وهؤلاء يؤمنون بأن الشر هو ظاهرة واقعية، لا يمكن إنكارها وأن صعود هذه الظاهرة مرهون بتواني أعدائها عن مقاومتها، وبهذا فهم يرجعون السبب الرئيسي لصعود النازية، وتفشي شرورها إلى عزلة أمريكا وانغلاقها على نفسها، ويؤكدون على دور القوة العسكرية كأداة أساسية لمواجهة الشر.

ويرفض المحافظون الجدد فكرة عزلة أمريكا، أو تراجع دورها الدولي، بحيث يرون بأن لأمريكا دوراً تاريخياً، كقائدة للعالم الحر وكناشرة للديمقراطية والحرية عبر العالم ويجب على الأمريكيين القبول بهذا الدور وتحمل تكلفته. ولهذا نجد المحافظين الجدد في بحث دائم عن مشاريع وأهداف خارجية كبيرة لأمريكا، كما يؤمن المحافظون الجدد بدور القيادة السياسية وسعيهم الدائم، للعثور على قيادة سياسية قادرة على صناعة التاريخ، فنجدهم يكرهون الرئيس جيمي كارتر، الذي ركز على دعاوي السلام والحد من الحروب . وبالنسبة لـ " إيرفينغ كريستول " Irving Kristol، (الملقب بالأب الروحي للمحافظين الجدد)، فإن المصلحة القومية لدولة عظمي لا تتحدد بالمعايير الجغرافية .

وفيما يخص الجيل الثاني من المحافظين الجدد فقد ظهر بصفة جلية في النقاشات العامة سنة 1996 منذ نشر مقال لــ "روبرت كريستول " Robert Kristol، وروبرت كاغان بعنوان " Robert Kagan نحو سياسة خارجية جديدة ريجانية جديدة Toward a New-Reaganite foreign policy، ويعد كل من كريستول كاغان وريتشار بيرل Richard Perle وبول وولفويتز Paul Wolfowitz وجون بولتن John Bolton وفوكوياما Fukuyama، من أهم رواد هذا الجيل وترجع إعادة دفع فكر المحافظين الجدد إلى عاملين أساسيين، الأول : يتعلق بفكرة رئيسية لفوكاياما وهي أن انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي، هو بمثابة إعلان واعتراف بانتصار الفكر الرأسمالي والليبرالي، وكان لهما الأثر الكبير في تعزيز تيار المحافظين الجدد وإحياء الثقة في أفكاره، بحيث تولد الاعتقاد بأن الحكومات المستبدة قابلة للسقوط بسهولة وبدون آثار سلبية، وأنه بمجرد سقوط النظام فإن الديمقراطية ستكون تحصيل حاصل .

وقد ترتب على هذا الاعتقاد اعتماد سياسة التدخل المباشر باستخدام القوة لإسقاط نظام حكم صدام حسين في العراق 2003م، فاعتبرت الحرب في العراق أكثر من أي شئ آخر، هي التي أعادت عنوان المحافظين الجدد إلي التداول . والعامل الثاني: ويتعلق بالثورة التكنولوجية وظهور الأسلحة الذكية التي كان لها أكبر الأثر في دحر عقدة فيتنام والخوف من التورط في حروب إقليمية تعرض الجيش الأمريكي لخسائر في الأرواح وتستنزف معنويات المجتمع الأمريكي ككل .

وينطلق الجيل الثاني من المحافظين الجدد من فكرة رئيسة مفادها، أن العالم يبحث عن قائد وأن أمريكا هي حتما هذا القائد، فسيطرة أمريكا وسيادتها المطلقة على العالم هي مصدر استقرار النظام الدولي، وأن فشلها في استغلال فرصة كونها الدولة العظمي والقوية بعد نهاية الحرب الباردة وعجزها عن قيادة العالم، سوف يؤدي إلى انهيار النظام العالمي الراهن، وتصبح الفوضى هي البديل المحتمل لهذا الفشل . ومن أجل صناعة هذا النظام العالمي القائم على السيطرة يستوجب على الولايات المتحدة استخدام قوتها العسكرية لتحافظ على مكانتها وتنجح في مهمتها كقائد للعالم ومحافظ على السلام العالمي .

إن جيل المحافظين الجدد الذي ينتمي إليه بوش ورامسفيلد وكولن باول، كان له دور هام في إطار تنفيذ استراتيجية جديدة عرفت " بمشروع القرن الأمريكي الجديد "، للحفاظ علي مراكزهم بوصفهم القوة الوحيدة العظمي في العالم، وهي أقرب إلي الواقعية من حيث المبادئ ذات طابع عدواني، والسير وراء الستار الأخلاقي في إقناع البيت الأمريكي. وكان هدفهم في بلورة مشروع القرن الأمريكي من خلال التعاون مع الشركات متعددة الجنسيات والجيش وكبار الساسة البارزين من خلال التخطيط لشن حربة استباقية، لمواجهة العدو الجديد وهو" الإرهاب " الذي أصبح يمثل خطراً علي الأمن القومي الأمريكي، وكانت تمزج في تيارها الفكري بين الواقعية والليبرالية، أي استخدام القوة من أجل مواجهة العدو ونشر قيم الديمقراطية .

ولكن ما الغرض من مشروع القرن الأمريكي الجديد ؟ يبقي الهدف الحقيقي وراء هذا المشروع هو تحقيق اللعبة الكبرى، أي التحكم في منابع الطاقة الذي يعد أحد أهم الأولويات الكبرى لهذا المشروع من خلال حربها علي أفغانستان كمرحلة أولى، ثم حربها علي العراق كمرحلة ثانية، وذلك للسيطرة علي قلب العالم أوراسيا، وذلك علي الرغم من الاختلاف بين المحافظية الجديدة وتيار الواقعية الجديدة حول ترتيب الحروب، فالأول يقر باستخدام كل الوسائل لإعادة رسم خارطة جيوسياسية للعالم بأية وسيلة كانت، بينما الواقعيون الجدد يرون في أولويات الأمن القومي الأمريكي والخوف من الضربات الغير محسوب لها كما حدث في أحداث 11 سبتمبر 2001م، لكن تبقي الغاية واحدة وهو زحزحة الأعداء القريبين أو البعيدين، خاصة إيران في الشرق الأوسط، وروسيا والصين في فلك العدو الأقرب للمصالح الكونية الأمريكية .

وأمام تلك المتغيرات الجديدة وُضِعت إدارة الرئيس بوش الابن أمام خيارين استراتيجيين، فكان أولهما هو تعزير حمايتها من خلال تطوير منظومة الدفاع العسكري الاستراتيجي، وثانيهما الأخذ بعين الاعتبار مصالح الأمور الأخرى عند صياغة القرارات ذات البعد الدولي، مما يمكن أن يفتح جبهة جديدة لتموقع حلف الناتو في جمهوريات آسيا الوسطي، خاصة بعد أن تقلصت مهام حلف الناتو إثر تفكك الاتحاد السوفيتي، وانتفاء الحجة للدفاع وحماية أراضيها من أى حرب مستقبلية، حتى أصبح له هدف أكبر، وهو الحماية الكونية لجميع بقاع العالم .

وبهذا نري أن المفهوم الأيديولوجي بدأ يأخذ منحى أكبر من مجرد الدفاع عن الحلف، متحولا من انتهاجه للعقيدة الدفاعية إلى عقيدة عسكرية هجومية بما يخدم الاستراتيجية السياسية والعسكرية الأمريكية، ويبقي الهدف الأسمى هو السيطرة على ثروات العالم بأي وسيلة كانت، "فعمدت أمريكا إلى توسيع مهام حلف الناتو خارج الدائرة الأوربية نحو حربها في أفغانستان تحت مظلة قوة المساعدة الأممية الدولية، وما زاد من توغل حلف الناتو في المنطقة، هو السماح من طرف جمهوريات آسيا الوسطي لوضع قواعد عسكرية على أراضيها" .

وعلى الرغم من النفوذ الكبير، والقوة العسكرية، والاقتصادية، التي تتمتع بها الولايات المتحدة، خاصة بعد نهاية الحرب الباردة، بوصفها القطب الأوحد على الشؤون الدولية، إلا أن هذا المشروع الإمبراطوري للولايات المتحدة انتهكت رموز سلطته وهيبته في عقر داره في 11 سبتمبر 2001م، وأثارت الحرب عليه شعارات متطرفة (من ليس معنا فهو ضدنا )، وأعلنت أساليبها المثيرة للجدل من حروب وقائية وضربات استباقية أو إجهاضية، وكانت الحرب الأمريكية على العراق عام 2003م آخر الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة في القرن الجديد، غير أنها بالتأكيد ليست الحرب الوحيدة، فقد سبقتها حرب دولية بقيادة الولايات المتحدة على أراضِ إسلامية، كأفغانستان بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001م، كما أن للولايات المتحدة سجلاً طويلاً من التدخلات والحروب في القرن الماضي على الأراضي العربية، كحرب الخليج الثانية في العراق، وشنت كل حروب واشنطن تحت ذرائع ومبررات مختلفة بلغة (الديمقراطية، وحماية البيئة، والحرية، ومبادئ حقوق الإنسان).

أما بعد أحداث 11 سبتمبر – فقد طرحت هذه المبادئ جانباً، لاستخدامها وقت الضرورة، وتم استبدالها بمبرات ولغة جديدة تدور حول مبررات وذرائع أمنية، القضاء على الإرهاب هو أحد أهدافها، وهناك أهداف سياسية واقتصادية تسعي الولايات إلى تحقيقها، الغاية منها إعادة صياغة العالم والتحكم به. ومن الواضح أن هذه الأهداف والمخططات الاستراتيجية الأمريكية التي رسمت – بعد الحرب الباردة – تتركز في مناطق جغرافية مختارة بعناية من العالم الإسلامي الذي أصبح يشار إليه وبشكل مباشر من قبل الولايات المتحدة بأنه (الهدف والعدو الجديد)، من خلال الألفاظ والتعابير الخطابية الدالة على ذلك المعنى مثل، (الإسلام السياسي، التطرف الإسلامي، حرب صليبية، والفاشية الإسلامية) وغيرها من المفردات السياسية الأمريكية، وعملياً من خلال التحركات العسكرية الحربية لتطويق أراض ودول عربية وإسلامية، وشن الحروب في العراق وأفغانستان، ولكن تحت مبررات الحرب على الإرهاب .

يعتقد الكثير من الباحثين بأن الولايات المتحدة كانت لديها النية المسبقة لغزو أفغانستان والعراق بحجة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وذلك لتحقيق أهداف معلنة، وأهداف غير معلنة، وتتركز أهداف الولايات المتحدة المعلنة بعد أحداث 11 سبتمبر كما يلى:

أ-الانتقام من حركة طالبان والإطاحة بنظام حكمها في أفغانستان، واستبداله بنظام موال، لاستعادة الهيبة الأمريكية التي انتزعت في عهد الرئيس بوش الابن إثر أحداث 11 سبتمبر 2001م.

ب- نشر قوات أمريكية في مناطق مختلفة من العالم، لدعم الحرب على أفغانستان، والتي تهدف إلى ملاحقة قواعد القاعدة الإرهابيين أينما كانوا، وحرمانهم من أي ملاذ آمن، والقضاء على تنظيم القاعدة، والقبض على أسامة بن لادن زعيم القاعدة.

جـ - حرية التحرك في كل مكان في العالم للقضاء على الإرهاب، والبدء بالمعركة تحت مسمي " الحرب الدائمة "، واستيعاب باكستان في حلف مع أمريكا، حيث صرح وزير الدفاع الأمريكي "رونالد رامسفيلد"، بأن الحرب على الإرهاب، هي حرب مفتوحة لا يحدها زمن أو مكان بقوله": حرب لن تنتهى باحتلال منقطة ما، ولا بانهزام قوة عسكرية، وإنما تتطلب عملية ضبط سياسي، أمنى، استخباراتي على المدي الطويل، والمطلوب من هذه الحرب أن تؤدي إلى إكمال الضبط السياسي – الأمني وإلي تحقيق الشفافية التامة .

وإذا كانت الأهداف المعلنة من الحرب الأمريكية على أفغانستان، تتواري خلف شرعية الدفاع عن النفس وردع الإرهاب، فإن الأهداف غير المعلنة يمكن استقراؤها من هذه الحرب، في كونها شنت من أجل السيطرة على موارد النفط الغاز والمعادن المتوفرة في المناطق المجاورة لأفغانستان، حيث تمثل أفغانستان منصة العبور والقفز في آن معاً، وذلك بعد أن تأكدت المعلومات حول توفر كميات هائلة من البترول في بحر قزوين والجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي بعد انهياره، فسال اللعاب الأمريكي، وفتحت شهيته للتحكم بها والسيطرة عليها، في معرض التنافس مع قوي النفوذ والسيطرة القديمة (روسيا،الصين، وإيران)، كرديف مهم لنفط الخليج، في إطار الصراع الاستراتيجي المستقبل الذي يتحدد على أساسه وفق الهيمنة والتوسع والتحكم بالقرار على مختلف المستويات .

وكذلك التواجد العسكري الأمريكي في أماكن استراتيجية، فمن مصلحة الولايات المتحدة عدم انتظار، حتى يهدد أو يسيطر على هذه المناطق الحيوية، وإنما على الولايات المتحدة الوصول إلى هذه المناطق قبل غيرها وقبل الدخول في حالة من التنافس أو الصراع مع العدو المحتمل والذي سيشكل خطراً وتهديداً لأمريكا ومصالحها في مختلف المناطق الهامة في العالم. ولذلك تقوم واشنطن بحرب استباقية للسيطرة على هذه المناطق والمواقع الهامة، بهده الصورة، ومن أجل السيطرة على المناطق الحيوية الجيوستراتيجية في العالم، يمكن القول أن الولايات المتحدة قد وصلت لمسعاها وأصبحت اليوم أكثر قرباً من خطوط الأنابيب المفترض عبر أفغانستان، والتي تحسب من غنائم هذه الحرب، فواشنطن قد بدأت فعلاً في تعزيز موقعها الاستراتيجي في تلك المنطقة ببناء قواعد عسكرية في كازاخستان، وتمد سككا حديدية وجسور ومستودعات ومراكز اتصالات، كما أن نقل قواعدها العسكرية من مكان إلى آخر، هو جزء من إعادة صياغة الاستراتيجية لما بعد غزو أفغانستان.

لقد بات واضحاً أن هدف الإدارة الأمريكية التي صيغت قبل 11 سبتمبر ويتم تطبيقها بعدها في الحرب الجارية على الإرهاب يتجاوز ذلك بكثير الأهداف المعلنة مثل، القبض على أسامة بن لادن، أو القضاء على حركة طالبان، أو الحرب على الإرهاب، فالغاز، والنفط، والمصالح الاستراتيجية، في بحر قزوين وثروات دول آسيا الوسطي الواعدة، هي أيضاً من الأهداف الأمريكية، لأن كل ما يحدث على أرض الواقع في أفغانستان والعراق، إنما هي خطط رسمت منذ زمن، تهدف إلى تحقيق المصالح الأمريكية تحت إدارة دينية يملك أفرادها مصالح وشركات عالمية، ومن بينهم نائب الرئيس "ديك تشيني"، فقد هدد قبل الغزو الأمريكي للعراق قائلاً :" إن حرب أفغانستان والغزو المقترح للعراق، هما مجرد الطلقات الأولى في صراع مفتوح سيستمر سنوات ضد نوع جديد من الأعداء، وسوف تكون تلك الحملات أكثر قوة وحيوية في المستقبل، فهناك عالم إرهابي خفى ينتشر في أكثر من ستين دولة ستكون هدفاً مشروعاً للتدخل الأمريكي .

وعلى هذا الأساس فإن المحافظين الجدد كانوا قد خططوا لمهاجمة أفغانستان قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001م، حيث ذكر "جان بيكلر " أحد الصحفيين الأمريكيين الذي كان يكتب في صحيفة morror ونشره new statsman أعلن في مقابلة معه يوم 7 نوفمبر أن رئيس الوزراء الباكستانى السابق في أكتوبر بهجوم عسكري على أفغانستان .

ولذا فإن غزو افغانستان الذي انتهت منه الإدارة الأمريكية الحالية، هو الامتداد الطبيعي والمنطقي جداً للاستراتيجية الامريكية المتحركة منذ عقدين نحو الاهداف التالية:

- السيطرة على بترول جنوب آسيا والشرق الأوسط.

- احتواء واستعمار الاتحاد السوفيتي السابق.

- ضمان أمن إسرائيل.

ويمكن القول إن مجموعة المحافظين الجدد سعوا بالتأكيد إلي شن هذه الحرب لتوحيد الشعب الأمريكي، ويجعله يشعر بأن ثقافته ومجتمعه معرضان للخطر وانطلاقاً من هذا عمدت الإدارة الامريكية في التعامل مع الإرهاب علي استراتيجية ذات أبعاد ثلاثية، وذلك علي النحو التالي :

أ- مجابهة المنظمات والجماعات الاسلامية العنيفة، ويأتي علي رأس تلك الجماعات تنظيم القاعدة بزعامة بن لادن والذي تعتبره الإدارة الأمريكية عدوها الأول.

ب- استهداف الدول التي ترعي المنظمات الإرهابية بأي صورة من الصور.

ج- مطالبة معظم الدول العربية بإدخال اصلاحات شاملة انطلاقاً من رؤية أساسية، مفادها أن الثقافة السياسية للدول العربية، هي المسئولة بالدرجة الأولي عن إنتاج الأصولية الإسلامية المتطرفة، لاسيما في ظل غياب الحريات العامة، والمشاركة السياسية، وتداول السلطة، وتنطلق السياسة الأمريكية من أن الثقافة السياسية السائدة في دول المنطقة هي المسئولة عن الإرهاب .

وبذا فقد مثل الإرهاب مفتاح التدخل الأول الذي وضعته الأقدار في يد المحافظين الجدد، لتدشين آليتهم الجديدة في المواجهة، وإثبات المكانة والدور، ألا وهى آلية مكافحة الإرهاب بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهى أحداث لفها الغموض، وسيظل فاعلها مجهولاً إلى وقت بعيد، فهى أحداث خدمت الاستراتيجية الأمريكية بصرف النظر عن من سيسند إليه الفعل .

والجدير بالذكر أن الغموض الذي يلف مصطلح (الإرهاب) هو غموض مقصود يمهد لانتشار ثقافة قبول التدخل، وربما لهذا السبب فإن الإدارة الأمريكية تقاوم كل المساعي العالمية لتحديد ماهية الإرهاب ووسائل وآليات مقاومته، إذ رفضت كل الجهود والأفكار لتحتفظ لنفسها حق تكييف أي عمل من حيث دخوله في دائرة الإرهاب من عدمه، في ظل بيئة دولية جديدة.

في ضوء العقيدة العسكرية الجديدة بعد أحداث 11 سبتمبر، أضحى السلوك العسكري المتخم بالحروب هو خير دليل لانتهاج استراتيجية جديدة للتعامل مع تلك المستجدات، بل واستثمار الحرب على الإرهاب لخدمة الأهداف الاستراتيجية الأمريكية، لذا أفرز التوجه الأمريكي لمحاربة العدو الجديد (الإرهاب) وعن طريق الاستخدام المفرط للقوة نزوعاً نحو الهيمنة وبات شعار (مكافحة الإرهاب) بعد 11 سبتمبر 2001م، هو البديل العلمي والفعلي لشعار (مكافحة الشيوعية) الذي كان سائداً خلال مرحلة اشتداد الحرب الباردة، وقبل اتجاه العلاقة بين الطرفين إلى الوفاق ... وللحديث بقية!

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

 

في المثقف اليوم