أقلام حرة

كومبارس یهز عرش مصر

محمد سعد عبداللطيفبطل من ورق فی خریف الغضب۔۔

فجأة نستیقظ علی صرخة واقعیة أو صفعة قاسیة علی وجه أحلامنا، فنتوقف عن الأحلام وعن الخیال، ویصبح حجم الدهشة باتساع الأرض، ویصبح الخوف باتساع الدهشة، ویتحطم الخوف بعد 6 سنوات فی المیادین والطرق الخلفیة والتجمعات العفویة.. أخرجهم الوجع والغلاء والبطالة بفعل عوامل كثيرة. 

نحن لا نصنع الأحداث لکننا نستثمر الأخطاء من صراع الأفاعي.. المسرح ینهار والنار  تشتعل من جانبی المسرح ومازال الکومبارس یتربع علی خشبة المسرح.. کومبارس یتحول علی خشبة المسرح إلى بطل.. البطل مقاول وفنان عمل مع دواٸر السلطة 15عاما یقرر أن ینتقم ویفضح خصومه الجدد وشرکاءه.. أسلحته بضع فیدیوهات شعبویة ومستندات علی أرض الواقع من قصور وفیلات وفنادق أسند إليه تنفيذها بالأمر المباشر.

قال المقاول.. وأقر السیسي.. فی بلد ثلثی شعبه تحت خط الفقر.. یبدو السؤال: من هو محمد علی؟!، ومن وراء هذا الرجل.. ولماذا لم یتحدث فی عهد کامل الوزیر.. لماذا تحدث فی عهد رٸیس هیٸة جدیدة للهندسة العسکریة التی تستحوذ علی معظم مشاریع الدولة.. وهل هناك أیاد بالفعل داخل المٶسسة العسکریة تساند هذا المقاول، وأن مصالحها قد توقفت فی عهد رٸیس جدید للهیٸة، ومن أخرجه من مصر بأمواله.. ألیس هذا فسادا لتهريب أموال بالملایین؟َ!

بعد سقوط حکم الإخوان ودعوات بالخروج لم یستجب لها الشعب.. لماذا الآن استجاب.. من وراء کل هذا حتی ولو خرج بعض المٸات.. وماذا بعد أن تحول ربیع الشعوب إلى خریف ونحن فی ذکرى شهر أيلول الأسود من مذابح واعتقالات واغتیالات وقعت فی هذا الشهر للأمة العربیة؟!

هل من المبکر الحکم علی ربیع آخر فی السودان والجزاٸر ومصر قد یتحول فی وقت قصیر إلی شتاء مثقل بالغیوم تمکنت منه النظم السلطویة المستبدة من إعادة الأمور إلی المربع صفر بعد أن أدرکت أن هذه الثورات لم تفعل شیٸا فی تغيیر الجهاز الحکومی ومنظومة الفساد المتجزر، ولم تصل إلی جسد الجیوش العربية.. هل سیعود الرٸیس المصري من أمریکا یستمع إلی صوت العقل والشارع المصری وعقلاء الأمة وإلی المعارضة المصریة التی وقفت معه فی 30 من یونیه، ویبنی جسور الثقة وفتح المجال العام من حریة النقد والرأی الآخر بدیلا عن تکمیم الأفواه لتعیش البلاد سنوات من القهر الصامت.

المعارضة لیست رجسا من عمل الشیطان، لقد وقفت المعارضة فی ترکیا ضد الانقلاب قبل عامین مع رجب طيب أردوغان وفشل الانقلاب، ووقف حزب الشعب المعارض العلمانی بجوار الإسلام السیاسي فی ترکیا، أم سیفعل کما فعل مبارك، فی إحدی اللقاءات مع کتاب ومثقفی الأمة وعلی الملأ طُرح سؤال على مبارك.. "تستطیع أن تدخل التاریخ إذا فعلت کذا وکذا.. هل ستفعل؟"، وقبل أن یُکمل السائل عبارته صده مبارك قائلا: "أنا لا عایز أدخل التاریخ ولا الجغرافیا"، لکنه دخل التاریخ بحکم محکمة من باب اللصوص والقتلة، وظهر فی وضع مهین جلبا للتعاطف أمام شاشات التلفزة وفق قاعدة "اعمل  میت"، ویظل ساعات طریح الفراش یرفع رأسه لیرى ما یدور حوله، وعندما یشاهد الکامیرا یرجع بسرعة إلی الوسادة ویخفی وجهه بذراعه.. إنه ممثل بارع استطاع أن یقبل الهوان مع أنه من العیب أن یکون أی رٸیس مصری کذلك.

لقد لعب الإعلام وحاشیة کل سلطان دورا فى تصنيع فرعون جدید نعمل له ألف حساب، ففی عام 1981 وفی نفس شهر سبتمبر قال السادات عقب حملة الاعتقالات "سوف أفرم"، وقال حسنی مبارك فی سبتمبر عام 2010 عقب انتخابات مجلس الشعب "خلیهم یتسلوا"، والآن یتردد نفس الکلام.. الفرم والبطش.. وسوف نلاحق من خرج عن طریق الکامیرات التى فی المیادین.. أیعقل هذا من إعلام.. رغم أن أول مواجهة جادة فی عام 2011 مع نظام مبارك كشفت ما به من هشاشة وضعف ورأيناه کرماد اشتد به الریح فی یوم عاصف، ورأينا رجاله وکأنهم أعجاز نخل خاویة، لیس کل ما یتمناه المرء یدرکه..

لا نرید من أي عاقل وطنی أن یهدم أي مٶسسة، خاصة مٶسسة القوات المسلحة وأن یقحمها فی خلاف سیاسي وصراع علی السلطة.. الحفاظ علی المٶسسات الوطنية واجب علی کل مصری مهما تكن انتماءاته وحزبه.. لا أبالی إن کنت فی جانب والجمیع فی جانب آخر.. ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم وإعلام السلطة وحاشیة کل سلطان ولمعت سیوفهم.. ولا أجزع إن خذلنی من لا یٶمن بما أقول، لکن یٶرقني أشد الأرق ألا تصل هذه الرسالة  إلى ما قصدت.

أخاطب کل وطنی عربی یعیش علی بقعة ممتدة من المحیط إلی الخلیج.. أخاطب أنصار المبدأ  لا محترفی المزايدة وقُصادى الحق.. لا طالب سلطان.. أخاطب أنصار الحکمة لا محبی الحکم.. حافظوا علی ما تبقی من الأمة، فی هذا الشهر عام 1970 أطلق علیه أيلول الأسود من مذابح بین الفلسطنیین والأردنيين، وعقد مٶتمر طارئ لجامعة الدول العربية کان من نتاٸج هذا المؤتمر وفاة عبدالناصر، وفی هذا الشهر تم ذبح الفلسطينیین فی بیروت فی صبرا وشتیلا، ومازال الدم العربی ینزف حتى کتابة هذه السطور، ویتم حالیا إعادة نفس سیناریو أحداث 25 ینایر بخروج  یوم الجمعة القادم بین مٶید ومعارض لسیاسات الرٸیس المصري، والخوف من استغلال هذا الموقف وحدوث اشتباکات الخاسر فیها نسیج هذا المجتمع، ومزید من سیاسات البطش والعنف. 

یبدو من المبکر التكهنات بما أنتجته الهبة الشعبیة بعد مباراة نادی الأهلي والزمالك یوم الجمعة الماضية فی المیادین المصریة والتجمعات العفویة لشباب أخرجهم الوجع والبطالة والغلاء.. لكن النتيجة الحتمية والمؤكدة أنه بعد 6 سنوات ارتفع الصوت مرة أخری ليکسر جدار الخوف.

 

محمد سعد عبد اللطیف

کاتب وباحث فی الجغرافیا السیاسیة رٸیس القسم السیاسي نیوز العربیة

 

في المثقف اليوم