أقلام حرة

هل من المعقول ان نحتفل بعيد الجيش في هذا اليوم

وبدافع قوي نابع من ايمانه يالوطن واستجابة منه لمشاعره الخاصة تجاه الموقع الذي يعيش فيه وينتمي اليه بكل ما في كينونته من عقلية وشعور واحساس، وهذا ما نتلمسه بنسبة كبيرة في البلدان المتقدمة التي تتوفر فيها ما يحق للمواطن توفيره من كافة النواحي وبالاخص فيما يخص به ويجب ان يتوفر وهو من الاولويات، من الحرية والديموقراطية وتوفير الخدمات العامة الضرورية.

 اما الدول النامية او المتاخرة والمتخلفة التي تتميز بما موجود فيها من العوائق التي تمنع ان تتميز بالعوامل التي تفرض وتزرع الحس الوطني والشعور بالانتماء للوطن، فان المناسبات تكون مجرد عطل رسمية مفروضة من قبل السلطة ولن يتم فيها اية عملية تهم المواطن التي يمكن ان تربطه بالمناسبة اية شعور او احساس ذاتي، ويتفرغ الفرد لاداء واجباته الخاصة دون اي تامل او شعور بخصوص المناسبة والتفكير في التعبير عما يجب ا يعمله او من المفروض ان يبدي من المواقف والعمل فيما يشعربه ويعبر عنه في كل مناسبة.

تاسس الجيش العراقي في 6/1/1921  بامر  وتنفيذ الحاكم البريطاني برسي كوكس وبفوج واحد سمي موسى الكاظم وحل وتفتت هذا الجيش بعد سقوط الدكتاتور وبشكل رسمي على يد الحاكم الامريكي بول بريمر في 24/5/2003 وكان جيشا جرارا قبل السقوط . وفي ظل السلطة التي ادارها نفس الحاكم الامريكي قُرر تاسيس جيش العراقي الجديد في 7/8/2003 وتم ذلك بشروط متعددة وبما يتناسب مع العصر الجديد والتركيبة والشكل الذي يميز العراق الجديد وما يتميز به نظريا فقط، وهذا ما يوضحه الدستور في المادة التاسعة منه .

 من المفروض وكما هو في اكثرية بلدان العالم، يجب ا يكون الجيش مؤسسة مهنية مستقلة تابعة للدولة وليس له اي دخل في الصراعات السياسية الداخلية وبعيد عن الايديولوجية والتحزب والتكتل، اما ما نراه في بلداننا غير ذلك بالتمام والكمال فتتصف هذه المؤسسة العسكرية الحساسة بما هو عكس المفروض ان تكون عليه من الصفات والمزايا الضرورية. والتاريخ يدلنا على ما اقدم عليه الجيش من التدخلات التي لم تكن من المصلحة العليا ان يتدخل فيها، واصبح اخيرا وفي زمن الدكتاتورية بالذات تابع مخذول لحزب وايديولوجيا ودكتاتور وفقد كل صفة تخص الجيش من المهنية والاخلاص للوطن والشعب والقيم العليا للدولة، وتحول الى الة بيد الدكتاتور لتنفيذ مرامه الشخصي ونزواته ومغامراته، الى ان الت الاوضاع الى ما نحن فيه اليوم.

و على العكس من جيوش العالم، فلم يكن الجيش العراقي يتصف بالمقدار المطلوب من الاخلاقية المهنية والعسكرية والعهود والمواثيق المهة الخاصة بالشرف العسكري، ولم يكن لديه اي موقف طيل ثمان عقود يمكن ان يفتخر به على المهامات التي اوكلت اليه ونفذها، وكان دوما الة مطيعة ومخذولة بيد القائد الاول والامر الناهي، واخيرا وفي زمن الدكتاتور اتسم بصفة شاذة عن حياة المؤسسات العسكرية وهي فرض الايديولوجيا الحزبية للحزب القائد الاوحد وفرضها على المنتمين بقوة السلاح وعمل واصرً على عكس ما مطلوب منه ادبيا واخلاقيا وفرض النظام الشمولي بالقوة المتاحة المتوفرة لديه واصبح جيشا بعثيا واستحق الاجتثاث والحل . وتاريخ الجيش العراقي مليء بالنقاط السوداء لما اقدم عليه من قمع المعارضة وحتى الشعب البريء متى ما احس النظام بحركة وان كانت سلمية، واكثرالعمليات العسكرية المخيبة المشينة المذلة لوجه هذا الجيش العتيد اجريت في جنوب العراق وكوردستانه، واستخدامه للسلاح الكيميائي ضد شعبه اسود وجهه وغطاه بما لا يمكن ان يوصف بجيش مدافع عن مصالح الشعب. ولهذا لم يعد الشعب العراقي وبالاخص الفئات والطوائف والاعراق التي عانت على يد هذا الجيش ان يثق به الا اذا ثبت عمليا على ارض الواقع عكس ذلك، وللاسف وعلى ما يبدو لم يتعض هذا الجيش والقائمين على تاسيسه وتثبيته من جديد من العبرات والدروس الماضية نظرا لما فيه من الية العمل وكيفية اداء الواجبات والتشكيلة والعلاقات عند مقارنته ببدايات تاسيس الجيش السابق، وهذا ما يفرض على المتتبع ان يضع امامه الشروط العديدة المختلفة وبنظام داخلي وسياسة عسكرية حاسمة لمنع تكرار ما حدث طيل العقود، وتجسيد استقلاليته من كافة النواحي، والاهم منع تدخل الايديولوجيا في تسيير وادارة الجيش وما يقع تحت امرته.

و بعد استحداث الجيش او تاسيسه من جديد لم تترسخ ارضية سليمة في جو طبيعي ووضع سياسي امن بل عاش العراق في تلك المرحلة المتنقلة وفي ظل سيطرة الاحزاب والتيارات المتنوعة على السلطة والحياة السياسية والاجتماعية، فلم يكن الوضع مساعدا لبناء جيش مهني مستقل متكامل المواصفات وعصري وبما يتوافق مع المستجدات العالمية والعراقية، بل انبثق الجيش الجديد في حال فرضت عليه شروط متعددة مما يدعنا ان نعتقد بانه مخترق كما هو حال الاجهزة الامنية والمؤسسات الاستخباراتية المدنية الحكومية الاخرى. ان العقلية  المتجسدة على فكر وسلوك من يدير دفة السلطة والحكم في العراق وما يجب ان يكون فيه الجيش والمؤسسات الاخرى والاعتقاد السائد بانه الوسيلة لقمع ما يحدث مما ليس لصالح من يعتلي السلطة داخليا، وهو ما يسبب خللا كبيرا في ظروف وكيفية بناء الجيش بالذات، وجمع السلطات والصلاحيات الكبيرة في مركز وموقع واحد يوفر ارضية لانفراد جهة ويسهل انبثاق نظام شمولي قمعي مهما كانت عقلية المدبر والاداري والجهة التي تدير الحكم . وعليه يجب ان يعاد النظر في كيفية تنظيم الجيش وظروف اداء الواجبات والاوامر الصادرة له وفيه داخليا. وما هو عليه الجيش اليوم من حيث التركيب والتنظيم والية العمل والنظام والمنهج المتبع لم يدعنا ان نتفائل كثيرا في ضمان مهنيته واستقلاليته وابتعاده عن الاديولوجيا والفكر والعقيدة الخاصة بالاتجاه او التيار او الحزب المسيطر على زمام الامور. وبما مر الشعب العراقي من المآسي والويلات على يد الجيش العراقي السابق والذي تاسس على يد دولة اجنبية واليوم يتاسس بنفس الطريقة والشكل، فهل من المعقول ان نطمئن ونحتفي به ونحتفل في نفس اليوم . 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1279 الاربعاء 06/01/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم