أقلام حرة

أين كانت الدولة المصرية قبل ثورة 30 يونيو 2013؟!

محمود محمد عليعزيزي القارئ إذا كنت دارسًا، أو قارئًا جيدًا للتاريخ، فعليك أن تجيب معي علي هذا السؤال (الذي سأله من قبلي الصحفي المصري اللامع عماد الدين أديب): أين كانت مصر صبيحة اليوم الذي أصبح فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد ؟ والإجابة صعبة للغاية، فهناك محاور كثيرة تدخل ضمن إجابة هذا السؤال، منها الخزانة والتي كانت تحوي فقط  أربعة عشر ونصف مليار دولار ! والمصانع المغلقة والتي وصل عددها ستة آلاف وسبعمائة!، والسياحة التي هبطت بنسبة 85% !، والاستثمار المباشر الذي هبط بنسبة 82%!، والعجز في المسكن والكهرباء والصرف الصحي! ومحطات البنزين التي توقف معظمها لعدم وجود طاقة وغار! وأنابيب الغاز التي كانت تمثل أزمة طاحنة ! وسقوط جهاز أمن الدولة، ليصبح بلا عقل وبلا قدرة علي أن يتعقب كل من يعادي الدولة أو النظام !، وعدم وجود خطة  لمنظومة العيش والخبز!، وشبكة الطرق التي شهدت ضعف شديد، وحالة الكبد الوبائي التي تعدت الـ 27 % !، وانهيار الخدمات العامة في الصحة والتعليم، وارتفاع نسبة الجريمة، وتهديد تنظيم الإخوان للأمن الداخلي، وتوتر علاقات مصر مع واشنطن وبرلين ولندن!، وانكار مصر أفريقيا!!. إلي آخره.

هذا بالإضافة إلي عدم تحرير سعر الصرف وبالتالي يجب دعم الجنية، والتاريخ يشهد علي ذلك فمنذ 2011 تم استنزاف خزينة الدولة بـ  22  مليون دولار لدعم الجنية، وهذا  يعني أنه علي الدولة أن تبذل قصاري جهدها لدعم البنك المركزي بكل هذه  الجنيهات  لكي تجعل الدولار يباع بثماني جنيهات أو  بسعر يسمح للمضاربين أن يضاربوا فيه أو لكي يهربونه  للخارج ، فكأن الدولة تدعم عملية التهريب للمضاربة في سوق العملة؛ وهذا الأمر كان يمثل نزيف أحمق للجنية .

والسؤال هل تحرير سعر الصرف قرار من الدولة المصرية أم من صندوق النقد الدولي؟ إن قرار صندوق النقد الدولي الذي أعان الدولة علي صرف مليارين ونصف ليعين الدولة علي الالتزام ببرنامج اقتصادي أهم ما فيه الالتزام بالآلية الحرة لتداول سعر العملات، وهذا أمر كان لا بد من الأخذ به منذ عشرين سنة .لذلك كان لا بد من تحرير سعر الصرف في هذا الوقت، أما أن تدعم الدولة الحنية مقابل الدولار من أجل أن يحصل الناس علي دولار رخيص وتضارب فيه فهذا لا يجوز.

وهنا اضطرت الدولة المصرية أن تحرر سعر الصرف في عام 2016، وجاء بيان البنك المركزي بتحرير سعر الصرف وفقا للآليات العرض والطلب ؛ بحيث يكون الهدف من تحرير سعر الصرف هو إعطاء مرونة للبنوك العاملة في مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبي بهدف إستعادة  تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء تماما السوق الموازية للنقد الأجنبي اتساقا مع المنظومة الإصلاحية المتكاملة التي تتضمن برنامج الاصلاحات الهيكلية للمالية العامة للحكومة، من خلال إطلاق الحرية للبنوك العاملة في مصر في تسعيرة النقد الأجنبي وذلك من خلال آلية الأنتربنك .

إن تحرير سعر الصرف جاء كخطوة جريئة فى إطار برنامج إصلاحى متكامل، وساهم فى إنقاذ مصر من وضع كارثي، حيث  كان بمثابة نقطة تحول فى تاريخ مصر الاقتصادي، فلقد تحمل الشعب المصري العظيم بصبر مرارة التعويم وغلاء الأسعار، إلي أن ظهرت بشائر المشروعات القومية الكبرى في مختلف ربوع مصر وارتفعت مكانة مصر السياسية في عالمها كقوة إقليمية كبري ذات صوت مسموع في مختلف قضايا المنطقة.

وهنا أخذ المتربصون بالدولة المصرية ونظامها إلي اللجوء لحرب الشائعات، مع تصاعد وتيرة العمليات الإرهابية، وعنف الحملة الإعلامية المضللة التي تشنها قنوات الإخوان في تركيا ضد الدولة المصرية، مع الترويج المستمر لمبادرة إسقاط مؤسسات الدولة وتعطيل أحكام الدستور، وقلب نظام الحكم القائم في البلاد وعزل الحكومات والمؤسسات المنتخبة شعبيا، ومنعها من ممارسة أعمالها، ثم تأسيس مجلس رئاسي يتولي  إدارة شؤون البلاد يضم ممثلين عن التنظيم الإرهابي والمتحالفين معه، وفي الوقت نفسه إظهار البكائيات وحديث المظلومية.

وفي هذه الأيام يحاول المتربصون لإسقاط الدولة اللجوء إلي رهان آخر، وهو رهان غلاء الأسعار، حيث أخذت القنوات المعادية لمصر والتي تبث من تركيا التأكيد صباح مساء علي نشر تقارير ملفقة تبين أن  معدلات التضخم تزداد يوما بعد يوم في ظل ارتفاع مؤشر أسعار السلع الغذائية الرئيسية بنحو 40%، ومرة 50%، ومرة 60 % ..الخ، بحيث تثقل هذه الأرقام كاهل المصريين الذين يئنون تحت وطأة ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية .

إلي أن  أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي  خلال كلمة له في احتفالية المجلس القومي للمرأة لتكريم المرأة المصرية والأم المثالية بمركز المنارة في التجمع الخامس في الثلاثين من مارس الماضي 2019، عن مجموعة من الإجراءات الجديدة التي سيتم اتخاذها خلال الفترة المقبلة وتطبيقها للتخفيف عن المواطنين.

وتشمل الإجراءات الجديدة التي سيتم اتخاذها عدة أشياء منها:

1- رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه، إلى جانب مجموعة أخرى من الإجراءات التي تأتي في صالح المواطن.

2-منح جميع العاملين بالدولة العلاوة الدورية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي بحد أدنى 75 جنيهًا، و10% لغير المخاطبين بالخدمة المدنية بحد أدنى 75 جنيهًا.

3- منح علاوة إضافية استثنائية لجميع العاملين بالدولة بمبلغ مقطوع قدره 150 جنيهًا للعمل على مواجهة آثار التضخم على مستويات الأجور.

4-  تحريك الحد الأدنى لكل الدرجات الوظيفية بالدولة؛ بما يعكس تحسين دخول جميع العاملين، لتكون 2000 للدرجة السادسة، و7000 للدرجة الممتازة، بدلًا من 4600.

5- إطلاق أكبر حركة ترقيات للعاملين بالدولة لكل من استوفى المدة اللازمة حتى 30 يونيو 2019.

ولا شك في أن تلك القرارات الخاصة برفع الحد الأدنى للأجور جاءت فى توقيت هام، حيث أكدت أن الاقتصاد المصري بات مهمًا وواعدا وأن الدولة المصرية استطاعت أن تواجه ارتفاع التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للجنيه، حيث إن مصر شهدت نسبة تضخم بلغت نحو 12% خلال العام المالي (2015- 2016)، ثم بلغت النسبة 14% خلال (2016 - 2017)، وبعدها وصلت إلى 28% في  (2017 - 2018) لتعود لتنخفض في (2018 - 2019) إلى نسبة 14%، وبالتالي بجمع النسب النتيجة (68%) وهو ما تم تعويضه من خلال الزيادة التي أعلنها الرئيس السيسي اليوم.

علاوة علي أن هذه القرارات المتعلقة بزيادة الحد الأدنى ومنح العلاوات الاستثنائية وحسم قضية المعاشات، تؤكد أن الحكومة أصبح لديها مجالا لتحقيق نتائج ملموسة يشعر بها المواطن البسيط ليجني ثمار برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي طبق سياسات اقتصادية تمثلت في خفض الدعم على المنتجات وفرض الضرائب وغيرها من القرارات التي أدت إلى التضخم خلال السنوات الماضية.

ومن جهة أخري فقد أثبت برنامج الإصلاح الاقتصادي  نجاحه نظرا لتحسن الأداء وارتفاع المؤشرات الاقتصادية خلال عامين و3 أشهر من تطبيقه، وهو ما مكن الحكومة من تنفيذ القرارات التي من شأنها تحسين أوضاع المواطنين، وأن تلك القرارات يستفيد منها نحو 70% من المواطنين.

والسيسي بقراره هذا يمثل ثوره جديدة بعد تشكيك الناس في الاصلاح الاقتصادي، وبداية لتعزيز الاستقرار ..... تحيا مصر إلي أبد الأبدين رغم كيد الكائدين وحقد الحاقدين.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم