أقلام حرة

الدولة القومية والحركات الانفصالية وجغرافیة الدم

محمد سعد عبداللطيفيعيش العالم الآن في حالة ترقب في كل قارات العالم من أقصى الشرق إلی أقصى الغرب من حروب أهلیة واحتجاجات ومظاهرات، من هونج کونج إلی بولیفیا، مرورًا بمنطقة الشرق الأوسط، غابت عن عالمنا الخريطة السياسية وسوف نبكي على اتفاقية (سايكس بيكو) رغم أنها زرعت كيان غريب في الوطن وهي إسرائيل !

رغم أنني أؤمن بحق المصير للشعوب في اختيار دولتهم وشكلها وحدودها

فبعد الاستفتاء في كل من كاتالونيا في إسبانيا وكردستان العراق والمطالب التي ظهرت لبعض المناطق في العالم وعلى سبيل المثال اسكتلندا، وإقليم (كيبك) في كندا ومقاطقة "لامبارديا" في شمال إيطاليا وجنوبها (وكورسكا) في فرنسا وبلجيكا والمطالب في استقلال ولايات أمريكية "كالفورنيا" التي طالبت أثناء الانتخابات الأخيرة بالاستقلال لذلك يطرح سؤالًا هل القومية عامل أساسي في الانفصال أو الدين ..هنا تختلف بعض الحركات الانفصالية عن أسباب الاستقلال۔۔ فمثلا (بنجلادش) استقلت عن باكستان رغم أنهم يدنون بدين واحد نجد في الطرف الأوروبي يختلف بين الكنيسة الانجليزية والاسكتلندية التي تطالب بالاستقلال لاختلاف المذهب الديني (بروستانت وكاثوليك) ونجد في قارات أخرى عامل توزيع الثروة والعوامل التاريخية التي وضعت أماكن تحت سيطرتها مثل "كاتالونيا" لأنهم لايعترفون أنهم إسبان كذلك بعد الحرب العالمية تكونت قوميتين ولغتين بعد انهيار امبراطورية النمسا وتكونت (دولة بلجيكا)، هنا عامل القومية يظهر على الساحة ففي أمريكا الجنوبية " في جنوب شرق البرازيل،، عامل الثروة أعلى في الدخل القومي تطالب بعض الولايات بإجراء استفتاء للانفصال عن البرازيل وقد ظهر ذلك بعد الحرب العالمية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ظهرت حركات انفصالية في البانيا وأجزاء من يوغسلافيا وتوزيع أراضي الدولة المريضة في نهاية عمرها وبعد انهيار جدار برلين تم توحيد ألمانیا الشرقیة والغربیة،، (واليمن) شماله وجنوبه وظهور بوادر لقیام الاتحاد الأوروبي، کذلك ظهر مجلس التعاون الخليجي کنواة لقیام کیانات عربیة مصغرة بسبب فشل مشروع القومیة العربیة ۔۔ ومع نهایة القرن المنصرم وظهور نظام العولمة وانهيار الاتحاد السوفيتي، ونشوب الحرب الأهلیة والنزعات الانفصالیة فی يوغسلافيا، کان من نتائج ذلك ظهور قوميات ودول جديدة مثل (لاتفيا ولتوانيا وسلوفانيا والجبل الأسود وصربيا ومقدونيا والتشیك، وسلوفاکیا، وإقلیم مونت نیجرو وکرواتیا وإقلیم البان کوسفو) استقر العالم فترة وجيزة تحت مسمى العولمة والصراع بين الشمال الغني والجنوب الفقير، لتعلن الحركات الانفصالية سقوط العولمة والدولة المركزية والفيدرالية لتعلن عن نظام جديد من دويلات تعرف في الجغرافية بالدول الحبيسة داخل إطار الدولة الأم سابقا مثل إمارة ""موناكو وسان مارينو والفاتيكان"،، کذلك لعبت أمریکا مع أکراد العراق بالمطالبة بإجراء استفتاء فی شمال العراق

 ليصبح إقليم كردستان هو الآخر حبيس بين الدولة المركزية في العراق وإيران وتركيا " حيث تلعب الآن إيران على ملف الطائفية للأكراد الشيعة وتركيا على التركمان في نفس الإقليم فی کرکوك، ليعيش الإقليم مرة أخرى على المذهبية رغم القومية الكردية فی غیاب القومیة العربیة فی المنطقة التي سقطت علی مشانق وأسوار العراق فی حرب الخلیج الثانیة لتسقط القومیة العربیة أثناء تنفیذ حکم الإعدام علی صدام حسین أمة عربیة واحدة ذات رسالة خالدة

أين حماة القومية العربية في ظل الإعلان عن انفصال شمال العراق؟ وأين حماة القومية العربية في ظل المطالب في سوريا واللعب على أوتار النغمة الفيدرالية القومية العربية؟ لقد أصبح مصطلح جغرافي وسياسي لمنطقة لها حدودها تغنى بها الشعراء أنها تمتد من المحيط إلى الخليج وأن حروبها كانت لأجل المسجد الأقصى ومازال الرسام ناجي العلي (حنظلة) يرسم بريشته لوحتها،، للأسف ضاعت حدودها في الجنوب في السودان وفي العراق بعد الاستفتاء عن انفصال إقليم كردستان لتصبح الخريطة السياسية للوطن العربي، تنتظر التعديل من جبال زاجروس وأعالي البحيرات في أفريقيا وآسيا،لقد هزمت القومية العربية في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية في كل فترة تطالب بعض الأقليات بالانفصال في بلاد مدمرة بفعل فاعل خارجي وداخلي سوريا محتلة من خليط دولي والعراق وغيرهما إن من تولى الحكم اليوم من حكام العرب أتوا في ركاب الهجوم الدولي على العراق؛ لذلك إن الخطاب التخويني والعروبي والوطني من قبل هؤلاء الحكام لايؤخذ على محمل الجد، إن سوریا والیمن والسودان ولیبیا وظهور مطالب انفصال بني غازي عن طرابلس العاصمة وكردستان هو امتحان آخر يبدو أن تلاميذ العرب لم يقرأوا كتبهم بتمعن لذلك سوف يكون لتلاميذ الغرب والدوليين والإقليمين هم الكلمة الفصل .لقد أصبح من تبقى من القوميين منهم متمسك بثقافته في عرف المفتي السياسي من الخوارج والتخوين فأصحاب الحق عملاء.

فقد فقدت الأمة أرض كنعان وأرض الأقصي وأخیرًا قرار ضم المستوطنات فی الضفة والقدس وضم الجولان وجنوب السودان واليوم أرض الآشوريين والكلدانيین والعباسيین وأرض الخلافة وصلاح الدين بصفقة القرن لقد نجح المشروع الصهیوني فی جنوب السودان وفی شمال العراق بوقف مایسمى التیار الجارف للقومیة العربیة فی خمسینیات وستینیات القرن الماضي وخروج مصر من الدولة الأم والراعیة للقومیة العربیة داخل حدودها عام 1979 بتوقیعها علی معاهدة سلام مع إسرائیل لقد حقق حلم مٶسس دولة الکیان الإسرائیلی بن غوریون فی انهیار فکرة القومیة العربیة ونجح نتنياهو فی تحقیق الدولة القومیة علی حساب العرب فی فترة ضعفهم وتفککهم ولاعزاء للعرب

 

محمد سعد عبد اللطیف

کاتب وباحث في الجغرافیا السیاسیة رئیس القسم السیاسي نیوز العربیة

 

في المثقف اليوم