أقلام حرة

مستنقع المحاصصة وجراثيم الفساد المالي والإداري

 أما توزيع الثروات والمناصب والهِبات والإمتيازات، فلا عدالة لصدام حسين فيها ... إنه يخصّ بها الأكثر انحناءً لصنمه، والأشدّ قسوة ً بحقّ دعاة الحرية والديمقراطية ودولة القانون .. ربما لهذا السبب : وقف الشعب العراقي موقف المتفرج وهو يرى دبابات البنتاغون تعبر الجسر متجهة نحو ساحة الفردوس لإسقاط صنمه على رغم أن العراقيين جُبِلوا على مناهضة الاحتلال ... لم يكن وقوفهم موقف المتفرج يمثل خللا في وطنيتهم بقدر ماكان يمثل تشفيا ً بالديكتاتور الذي صادر إرادتهم ومطامحهم وحرياتهم وحوّل العراق إلى ىسجن على هيئة وطن ... لقد رأوا بشرّ الغزو أهون الشرّين ..

 

  إستبشر الشعب العراقي خيرا بسقوط الصنم وانفراط عقد نظامه، فحلقت عصافير أحلامه بعيدا في فضاء الأماني متطلعا ً إلى  حياة فضلى في ظل نظام جديد يقوم على أسس العدل والمساواة وسيادة القانون ... غير أن الشعب سريعا ماشعر بالإحباط وهو يرى الوطن قد تحوّل إلى أرخبيل دويلات هشة في ظل نظام المحاصصة الطائفية وما أسفر عنه من ظواهر فساد إداري ومالي لم يسبق أنْ مرّ بها تأريخه المؤسساتي منذ قيام الدولة العراقية ... فالمال العام الذي أهدِرَ أو سُـرقَ ببضعة أعوام، يفوق عشرات المرات ما أهدره وسرقه لصوص النظام الديكتاتوري طيلة خمسة وثلاثين عاما ...

  كان لصوص الأمس القريب أقلّ جشعا ً وأكثر شرفا ً من لصوص العهد الجديد (على افتراض أنّ للصوص شرفا ً ـ وهو ما أشكّ فيه) .. فلصوص الأمس القريب كانوا يقنعون بسرقة بضعة آلاف دولارات وربما بضع عشرات آلاف الدولارات (وما أقلّهم قياسا ً باللصوص الجدد) ... بينما لصوص اليوم لا يكتفون بعشرات ملايين الدولارات فإذا بسرقاتهم تتجاوز مئات ملايين الدولارات ـ والأمثلة كثيرة، منهم على سبيل المثال لا الحصر وزيرا الدفاع والكهرباء حازم الشعلان وأيهم السامرائي واللذان بقيا بعيدا عن يد العدالة حتى الان لتمتعهما بجنسيات أخرى غير الجنسية العراقية) ..

  لصوص الأمس القريب كانوا من عشاق الليالي الحمراء وخيام الغجر .. ومع ذلك، كانوا أقلّ لصوصية ًمن لصوص اليوم الذين  وُشِمَتْ جباهُهُم من أثر السجود (وربما من أثر تدليكها بقشور الباذنجان وسخام أعواد البخور) ... ثمة من اللصوص الجدد مَنْ امتلكوا في بضع سنوات قصورا وفللا ومحطات تلفزة وعمارات تجارية  في هذه العاصمة العربية أو تلك المدينة الغربية رغم أنهم كانوا لا يملكون ولو بيوتا ً طينية ً في دول المهجر التي كانوا يعيشون فيها على مرتبات الضمان الإجتماعي ... أضحوا يملكون أحدث السيارات وهم الذين كانوا لا يملكون حتى دراجات هوائية قبل دخولهم العراق بمعية الدبابات متعددة الجنسية ...

 

  لا أدّعي أنّ نظام صدام حسين كان أفضل من النظام الحالي ... حاشاني من مثل هذا الإدّعاء ... فالنظام الحالي أفضل آلاف المرات من النظام المقبور ... لكنّ النظام الحالي أكثر ـ بما لايُقاس ـ فسادا ماليا ً وإداريا من النظام المُباد، الأمر الذي يوجِب على القيادة السياسية الجديدة معالجة هذا الداء الخطير المستفحل، وذلك، بردم مستنقع المحاصصة والعمل بمبدأ الشخص المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن أيّ شكل ٍ من أشكال التمييز الطائفي والقومي والحزبي أو الولاء لهذه الجهة الإقليمية أو تلك الدولية .. ولعلّ من بين أسباب شيوع الفساد الإداري والمالي، ظاهرة احتماء المسؤولين بحصانة الجنسية غير العراقية التي كانوا يتمتعون بها في دول اللجوء وما يزالون يتمتعون بها وهم في مناصبهم ومواقعهم المهمة الحالية ... فهل سنشهد في الغد القريب، مثول طبقة اللصوص الجدد من " الحيتان والتماسيح " في أقفاص الإتهام لإيقاع العقاب اللائق بسرقاتهم واستعادة أموال الشعب؟ وهل سنقرأ في الغد القريب نصّ قانون جديد يمنع المسؤولين من حمل جنسية أخرى غير الجنسية العراقية ـ كالجنسيات غير العراقية التي يحملها سرّاق المال العام الذين نجحوا في تهريب مئات ملايين الدولارات المسروقة قبل هروبهم من العراق؟

 

  شخصيا : أشكّ بصدور مثل هذا القانون، لأن صدوره يعني رمي كثيرين من حَمَلة الحقائب الوزارية وشاغلي مقاعد البرلمان والمدراء العامين والمستشارين، خارج مكاتبهم .. وسيحرمهم ويحرم افراد أسرهم وعشائرهم من جني المزيد من حليب البقرة العراقية التي لم يجنِ الشعب منها غير الروث والقليل من اللبن الرائب ... !!!

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1070  السبت 06/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم