أقلام حرة

فرقُ شاسع

لإكتشاف الطاقات الشابة والإبداعات الأدبية والأقلام الواعدة السائرة قدماً نحو الأمام، التي ستنهض بأركان الثقافة وانتشالها من حطام الزمن، ثمة فرق شاسع وكبير بين المسابقات التي نقيمها نحن، وبين المسابقات التي تقيمها دولُ عربية أخرى، فجائزة الثقافة والإبداع التي تقيمها وزارة الثقافة، ما هي إلا حكراً على الأدباء والمثقفين الذين يمتلكون أموالاً لطبع نتاجاتهم، وآخرون اعتمدوا بطبع نتاجهم على بعض المسؤولين الذين يتسيدون الدولة، مقابل إهداء بسيط يقدمه الكاتب في بداية مطبوعه، ليُطبعَ وعلى الفور، أما من لايملك الأموال ولايعرف لغة التملق للمسؤولين فلن يرى مطبوعه النور أبداً مادام حياً يرزق، وستبقى مخطوطاته أشبه باليتيمة على رفوفٍ يعشعش عليها التراب، وتبقى البقية من هذه المخطوطات المودعة الحواسيب في طي النسيان وقد يصاب الحاسوب بانفلونزا الفايروسات، وبالتالي يصاب الجهاز بالعطب لتذهب المخطوطة أدراج الرياح.

اذن فالجائزة حصراً لعمالقة الأموال لاعمالقة الأدب والثقافة، حتى تصبح جوائزنا أكثر حيادية وجدية يجب أن تكون:

1. المادة الأدبية غير منشورة سابقاً (مخطوطة) لاكتشاف الطاقات الجديدة والمطبوعات التي تستحق أن تطبع وعلى نفقة وزارة الثقافة، وأعتقد أن هذا ليس بالشيء الصعب عليها كونها تمتلك مطابع كبيرة، وليست الاصدارات التي قرأت سابقاً بين عامي 2007 - 2008، اذن ما الفائدة من إعطاء جائزة لديوان أو رواية هما مطبوعان في الأصل، فالجائزة تقدم لاكتشاف الجديد، لا المطروق والمقرؤ، فنحن تواقون دائماً للبحث عن الجديد، عن عوالم نكتشفها من خلال سرديات جديدة، فهناك الكثير من الرواة الذين يتحفونا بأبجديات الحرف، فمن خلالهم نحلق في سماء الذكريات القديمة التي كنا نعيشها سابقاً، نعيش الألم المتراكم عبر مر السنين بين ثنايا الحرف المخبوء بين السطور، فالعراق نبع القصص والحكايات وهو أصل الرواية، وإذا أراد الراوي الكتابة، بالتأكيد سيستقي من معين الذكريات المألمة التي مرت على العراق من حروب وويلات ونكبات.

هناك الكثير من الكُتاب المرموقين لايستطيعون طبع نتاجهم بسبب المورد المالي ووزارة الثقافة تجاهلت هؤلاء وأعتمدت المطبوع عوضاً عن المخطوط، وبالتالي فقد فقدنا إكتشاف الروايات الجديدة، وكان الأحرى والأجدر بالوزارة أن تقدم الجائزة للمبدعين على أساس تكريمه ؛ لحصوله على جوائز عدة، كونه أسم لامع في سماء الثقافة والأدب وله منجزات كثيرة تستحق القراءة وقد حققت أنتشاراً واسعاً وصداً كبيراً في العراق والوطن العربي، وقد ترجمت رواياته أو دواوينه إلى لغات أجنبية أخرى ودخل مطبوعه الأسواق بلا منازع، أجزم بأن هذا الشخص يستحق الكثير ليس فقط  جائزة الابداع، بل يجب أن ننشئ له تمثالاً وسط العاصمة بغداد، ولماذا لاتكون جزءاً من سيرته الابداعية ضمن المناهج الادبية التي تدرس في الدراسة المتوسطة أو الاعدادية على أقل تقدير.

2. يجب أن يحمل المتسابق أو الاصدار رقم للدخول إلى المسابقة لحجب الأسماء عن اللجنة المشرفة على تقييم المطبوع وذلك لئلا يتسنى إلى اللجنة؛ الخضوع أو الخنوع تحت لواء المحسوبية والمنسوبية الهدامة للثقافة وبذلك تفقد المسابقة سر رونقها وجمالها، لكن كيف يتم ذلك والمطبوع مقرؤ أصلاً والأسماء معروفة، فالفائزون معروفون، للأسف الشديد أغلب اللجان التحكيمية، لانقول انها تفقد نزاهتها لكنها قد تميل بعض الشيء إلى الأسماء الصديقة وبالتأكيد سيظلم الآخرون، وهذا ما لانرتضيه لوزارتنا وزارة الثقافة التي تسيسها المحسوبية وتهتك حرمتها المنسوبية، فالمخطوطة التي تفوز تطبع على نفقة الوزارة وتنشر عربياً داخل الوطن العربي عبر قنواتها الخاصة أو من خلال التعامل مع مكاتب النشر المتواجدة في الوطن العربي، وعالميا من خلال ترجمتها الى اللغات الحية الأخرى وهي كخطوة جبارة وكبيرة لخلق نجم كبير في عالم الرواية والشعر والقصة والمسرح والتشكيل والنقد، وما يحصده الكاتب من شهرة ما هي إلا الثمار التي تجنيها الوزارة برفع أسم العراق عالياً.

نحن نتطلع إلى كرنفال ثقافي كبير في العاصمة بغداد، يتوافد عليه الكثير من الأدباء والمثقفين العرب ويستقطب كبار النقاد والمفكرين، وعدم حصر الجائزة ضمن نطاق ضيق على مستوى العراق فقط، وهذا لايعطي النشوة الكافية للكاتب الفائز كونه حصد جائزته على مستوى العراق فقط وليس على مستوى الوطن العربي، كلما توسع مدى الجائزة، أصبحت أفضل وأحسن، وفوز بعض المشاركين العرب في مجالات الجائزة، هو اعتراف رسمي بالثقافة العراقية لدى المثقفين العرب، واستدعائهم الى العراق لتسلم جوائزهم ما هي إلا جرهم الى العراق لرؤية الوجه المشرق له، لا كما تفعل وسائل الاعلام بإظهار المُظلمُ منه.

الانحيازية في العمل تدق أسفين الثقافة وتعمل على نخر عظمه وتسعى إلى اختيار الرديء على الأجود والأحسن، فأغلب جوائزنا التي تقيمها الصحف اليومية والقنوات التلفزيونية، لاتعشق الكلمات بل تستأنس بالأسماء، فالأسماء وحدها كفيلة بالفوز، وأنا أجزم أن هناك مشاحنات ثقافية وأدبية كثيرة وكبيرة، وينقسم المثقفون إلى فئات وأحزاب، فكلٌ يغني على ليلاه، ولتحاشي كل هذا يجب الابتعاد عن المطبوع والبحث عن المخطوط، لنكتشف قادة المستقبل في عالم الثقافة ولظهور أسماء تلمع في سماء بغداد، ولن يتمكن عمالقة الانحيازية لتفضيل النخبة التي يصفقون ويروجون لها، فهلموا نبحث عن الجديد في جوائز تضاهي جوائز الشارقة ودبي.

 

هيثم جبار الشويلي

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1295 السبت 23/01/2010)

 

 

في المثقف اليوم