أقلام حرة

الحسمُ وسط بين رذيلتين

عصمت نصار لن يشغلنا في هذا السياق إنْ كان أرسطو أو الفيلسوف الصيني "كونفوشيوس" هو الذي عرف الفضيلة بأنها وسط عدل بين رذيلتين، أو أن ترد المقولة لكهنة "ماعت" في مصر القديمة، أو ترد للموروث العقدي الذي وصف الإسلام بأنه دين الوسط، أو ذلك المستبد العادل الذي رغب عن اللين حتى لا يُعصر وعن الصلب حتى لا يُقصر؛ فالخطب أكبر من هاتيك التحقيقات على أهميتها في الدرس الفلسفي. بيد أن الواقعات تدفعنا إلى المباشرة في النقد بغية التقويم وإصلاح ما فسّر في واقعنا المعيش.

أقول إن الحكومة والبرلمان والقوانين التي تسوسها والأحكام التي تسيرها قد انحرفت عن فضيلة الحسم؛ فطالما تحدثنا عن مكافحة الفساد وطالبنا بالعدالة الناجزة، غير أن أوضاعنا تشهد بأن تصريحاتنا نظر بلا عمل وأقوال بلا أفعال، وغايات بلا آليات تحققها.

فأولادنا يسقطون بنيران الغدر والإرهاب دون رادع للجناة ! محاكم تعاني من التلكؤ وقوانين تحمل بين طياتها الأناة المذمومة الأمر الذي جعل فضيلة القصاص أمنية وأخل بميزان العدل، ناهيك عن المتاجرين بأقوات الناس والغشاشين والمحتالين والانتهازيين والمرتشين؛ فجميعهم يفسد الواقع ويلوثه، استنادًا على ريشة "ماعت" التي أوقعها الهوى في درك التسيب والإهمال.

ولنتذكر أن التباطء في العدالة جور، وأن الأناة في الحزم رعونة، وأن التقاعس في معاقبة المفسدين خيانة للأمانة، فإنّ الإفراط في تعاطي المسكنات لا يشفي بل يزيد الأدران تقيحًا ويصيب صاحبها بالإدمان، وهو الأخطر من الجرح والبتر. كما أنبه أن للحلم سعة إذا ما ضاقت انحرف ربيبه إلى ثائر غضوب، وأن الخراب والدمار لا يأتي إلا إذا يئس الصابرون من طول انتظار الأمل ومجيء الإصلاح، لقد رضينا بالواقع بكل ما فيه من أوجاع وآلام في الحشى، راجين الفوز بالفرج في غد أفضل، فإذا ما تسلل القنوط إلى أنفسنا، فلا يعاب علينا البوح بالكفر والفُجر في القول والتجبر في الفعال، فعلي من لا يعي ماهية الفضيلة فليتنح ويسقط صاغرًا في كومة الرذائل أو ينتظر مالا يُحمد عقباه.

 

بقلم : د. عصمت نصار

 

 

في المثقف اليوم