أقلام حرة

تعليق وتحنيق!!

صادق السامرائيالتعليق سلوك معرفي ثقافي إيجابي يساهم في التنوير والتصويب والتقارب الفكري والنفسي ما بين الكاتب والقارئ، أيا كان منهجه ومقامه وذخيرته الأدبية والعلمية، وهو وسيلة مهمة لتواصل الأجيال وتثاقفها، وتنمية قدراتها وتطويرها لصالح الإبداع بأنواعه.

والتعليق يتوجب أن يتميز بخصوبة ثقافية وطاقة تنموية وتوجيهية ونقدية، ذات هدف نبيل يسعى إلى تقويم المنشور والبناء عليه، لكي يتمكن الكاتب من التواصل بإبداع أصيل ومتقدم عما نشره.

وبخصوص المنشور، فأنه حالما يتوطن الصحف أو المواقع يكون قائما بذاته وحرا في سلوكه، ويعبّر عما فيه ولا يمكنه أن يكون مسكونا بأنا كاتبه وكأنه هو، فالمنشور ملك القارئ ومن حقه أن يرى ما يرى فيه، وعليه أن يتناوله بمعزل عن كاتبه.

أي أن التعليقات يجب أن تكون ذات مغزى معرفي بحت، ولا علاقة لها بالكاتب وشخصه وذاته، وما يرى ويتصور، وإنما الذي يعلق عليه أن يقرأ المكتوب كفكرة وموضوع ويحاججه بالأدلة والبراهين والآليات اللازمة للتطور والتواصل الثقافي التنويري.

ومن الملاحظ أن بعض التعليقات تميل إلى التشخصن، فتهاجم الكاتب وتميل إلى إستعمال ألفاظ لا تمت للثقافة بصلة، ومعظمها غير موضوعية ولا يُستفاد منها، ولا تساهم في تنمية قدرات الكاتب وتوجيه أنظاره إلى صواب وخطأ ما يذهب إليه.

والعجيب في الأمر أن أكثرها تحوّل إلى مجاملات وتفاعلات إجتماعية، ومديح لا مبرر له ولا رصيد له في المنشور، ولهذا فقدت التعليقات قيمتها التربوية والمعرفية وأضاعت جدواها ومعاييرها التفاعلية البناءة.

ففي زمان النشر الورقي كان المحرر يقرر ما ينشره من تعليق على المنشور في أعداد سابقة، ومنذ إنطلاق النشر الإليكتروني، صار التعليق أكثر حرية، وقد قرأت  العديد من التعليقات على ما يُنشر، فوجدت القليل منها يمت بصلة إلى المقالة أو النص الأدبي ويحفز على كتابة موضوع، والكثير منها يعبّر عما بعثته كلمة ما في نفس القارئ وبنى عليها تصوره وإنطلق في تعليقه.

والخلاصة أن على النخب الثقافية أن تقدم مثلا عمليا صالحا للإقتداء والتنوير المعرفي، وباب التعليقات من أهم البوابات التي يمكنها أن تبني قيما ثقافية وتقاليد معرفية ذات معنى حضاري مفيد.

مع خالص الشكر والتقدير للقراء الأكارم الذين يلهموننا بأفكار ذات ضوء معرفي وهاج وأصيل.

 

د. صادق السامرائي

.........................

تحنيق مصدر حنق: إشتد غضبه وغيظه

 

 

في المثقف اليوم