أقلام حرة

التظاهرات تطلب تدخل المجتمع الدولي

صائب خليلخطوة حاسمة نحو ربيع عراقي مدمر

في تطور خطير، وجهت التظاهرات رسالة سلمها من ظهر مؤخرا كقائد وممثل للتظاهرات اسمه الدكتور علاء الركابي، من ذي قار، نشر انه كان من أعضاء حزب الفضيلة، يطلب فيها تدخل الأمم المتحدة لحماية المتظاهرين و"لإيجاد حل" يرسخ الاستقرار في العراق، كما ذكر في الرسالة.(1) 

وتم تنسيق هذه الزيارة بعد ان رفعت بعض ساحات المظاهرات اعلام الامم المتحدة والإتحاد الأوربي. وتكمن خطورة هذا التطور، أنه يؤشر، مثل العديد من الأمور الأخرى المرافقة، أن التظاهرات العراقية سائرة بمراحل "الثورتين" الليبية والسورية واللتان تحولتا الى تظاهرات ربيع عربي لم يبق ولم يذر. وكان لما يسمى "المجتمع الدولي"، والذي يكاد يكون مجرد اسم ثان للتسلط الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة، دور حاسم في ذلك التدمير.

ولا يغفل الواعون في التظاهرات خطر هذه التوجه. فكتب المهندس إحسان الشديدي معلقاً على الحدث وعلى رفع التظاهرات لأعلام الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة: " مخطئ من يتصور ان الاستعانة بالمجتمع الدولي سيوفر الحماية للمتظاهرين وسيحقن دماء الابرياء ... "المجتمع الدولي" اليوم سيعمل على استغلال المظاهرات لتقوية موقفة داخل العراق وسيستخدم هذا الموقف كورقة ضغط للتفاوض مع احزاب السلطة في العراق بشأن تواجده العسكري في العراق" ...هذا هو أكثر ما يهم المجتمع الدولي ودماء الابرياء هي اخر اهتماماته والتاريخ اوضح شاهد على ذلك. (1) 

وذكّر إحسان زملاءه المتظاهرين، بذلك التاريخ، ذكرهم أن المجتمع الدولي نفسه هو من كان يزود العراق في ثمانينيات القرن الماضي بكل انواع الاسلحة لضمان استمرار الحرب العراقية الإيرانية، ومن ضمنها السلاح الكيماوي الذي استخدم فيما بعد لإبادة سكان مدينة حلبچة الكردية ولم يحرك المجتمع الدولي ساكنا في حينها،

المجتمع الدولي وتحت شعار تجريد النظام العراقي من اسلحة الدمار الشامل فرض الحصار على شعب كامل لمدة 13 سنة ... اول 5 سنوات منه منع عنه استيراد حتى الدواء والغذاء وكان المتضرر الوحيد هو الشعب العراقي مرة اخرى .

المجتمع الدولي نفسه وتحت عنوان اسقاط النظام العراقي ونشر الديموقراطية سمح بتدمير كل مؤسسات الدولة العراقية في 2003 ...

اختتم احسان بالقول: "هذا هو تاريخ تدخل المجتمع الدولي في العراق خلال ال 40 سنة الماضية باختصار شديد، فمن اراد تجربة حظه العاثر مع هذا المجتمع فلا يلومن الا نفسه ولا سلام."

ما جرى في ما سمي "الثورة" السورية، مشابه بشكل مدهش. فنذكر جيدا كيف طالب "الثوار" السوريون بلسان عبد الحليم خدام وغيره من أطراف "المعارضة"، "بتدخل عسكري دولي" لـ "حماية المدنيين في سوريا"، معدداً ضحايا عنف الحكومة. (1)  

والأمر مشابه تماما لما حدث في ليبيا، واتخذت الولايات المتحدة من طلب بعض أطراف المعارضة الليبية، حجة لإدخال الناتو في قصف مدمر، لم تنفع معه بعدها كل احتجاجات أطراف المعارضة الليبية نفسها، وما كشفه القذافي من وحشية ذلك القصف الذي أصاب "المدنيين" الذين ادعى الناتو انه موجه لحمايتهم. (4)  (5)  (6) 

في هذه الأثناء ينشط في التظاهرات العراقية مجهولون بالدعوة الصريحة الى نبذ "السلمية" واللجوء الى السلاح، وبعضهم مجهول واخر يعلن صراحة عن انتمائه الصهيوني، ويأخذ  الصور مع ادرعي، مثل "مهدي مجيد"، ترتفع في ساحات التظاهرات موجة من اعلام الأمم المتحدة قد تم اعدادها كما يبدو لإكمال التحول الى المرحلة القادمة من سيناريو ثورات الربيع العربي. فيكتب مهدي مجيد في أحد منشوراته : "السلمية لا تنفع مع هؤلاء.. بادلوهم النار بالنار غداً". وفي منشور آخر يكتب: "..اشكال لا تنفع معها السلمية، لن يعطوكم حقوقكم إلا وأصوات الكلاشنكوف تطرش اسماعهم، لو بقيتم سلميين مع هؤلاء الاوغاد سيظلون يقتلونكم بدم بارد ولا تحققون اهدافكم".

ويجب ان لا تعتبر هذه عبارات منفلتة لا قيمة لها ولا أحد يسمعها. فالدعوة التي أطلقها مشبوه آخر من الحلة، لنبذ السلمية واللجوء الى العنف اثبتت أنها تدغدغ مشاعر الكثيرين في التظاهرات من خلال التعليقات المؤيدة، وشعبيته الكبيرة بين المتظاهرين وداعمي التظاهرة الأشد حماسا. وبالتالي فتحويل التظاهرة الى ثورة ربيع عربي مدمرة، ليس مستحيلا ابدا من الناحية النفسية.

وقد يعتمد البعض من داعمي استمرار التظاهرات وتصعيدها، أن ليس الجميع في هذه التظاهرات، وليس حتى الأغلبية، مستعدين للتنازل عن سلميتها ويدعون للمواجهة النار بالنار. وربما نجد نسبة جيدة ممن يعي خطر تدخل امريكي إسرائيلي في العراق باسم "المجتمع الدولي" و "الأمم المتحدة". وقد نجد بعض من سيعترض على مبادرة د. علاء الركابي المشبوهة، مثلما فعل المهندس احسان الشديدي، لكن هذا لا يكفي لضمان سلامة خاتمة التظاهرات.

ففي "ربيع" سوريا أيضاً، لم تكن كل الجهات في تظاهرات سوريا مؤيدة للتدخل الأجنبي، فقد رفضت بعض أطراف "الثورة" السورية طلب "خدام" التدخل الدولي باعتباره تطور خطر "يسيء الى نضالات المعارضة السورية"، ونبهت أن خدام خرج من نفس النظام ويطمح الى منصب لاحق.

ولم يكن الجميع في التظاهرات الليبية من مؤيدي هذا الاتجاه، فقد حاول بعض "ثوار" ليبيا التمييز بين المساعدات السياسية والإنسانية، والقصف الجوي للناتو، الذي طلبته جهات أخرى من "الثورة"..

وبينما كان المتحدث باسم اللجان المكونة حديثا لإدارة شئون مدينة مصراته يصرح إن السكان يرغبون أيضا في المساعدة الأجنبية للإطاحة بالقذافي، فإن مجلس زعماء المعارضة الليبي سعوا إلى التمييز بين الهجمات الجوية والتدخل الأجنبي، الأمر الذي يعارضه الثوار بشكل قاطع.

لكن "التدخل الأجنبي" تنكر بشكل "أمم متحدة" مما سهل على الجهات الراغبة في هذا التدخل، تبريره. فقال أحد اقطاب "الثورة" عبد الحفيظ خوجا: "إذا كانت تلك الهجمات الجوية بمساعدة الأمم المتحدة فهي لا تعتبر تدخلا أجنبيا"! مشيراً بدوره إلى أن أي نداء بتدخل عسكري أجنبي للمساعدة يحمل في طياته خطرا كبيرا.

هذا الانتباه لم ينفع، فقد كان المتآمرون على البلدين قد أعدوا العدة لمثل هذه المعارضة لاختراقهم للبلدين. ولذلك فأن وجود أمثال إحسان في التظاهرات هو ضمان وهمي، فقد لا يتمكن احسان وزملاؤه من وقف الموجة التي سيتم بالتأكد دعمها بشكل شديد لاحقاً، كما حدث في البلدين ونتج عنه الدمار التام لسوريا وليبيا.

فـ "المجتمع الدولي" ليس سوى "الجزار" الذي يخدع الخراف بلبس القميص والبنطلون النظيفين بدلا من الدشداشة الملطخة بالدماء. والحديث عن الإنسانية هو خدعة تكررت كثيرا حتى صار مخجلا ان يخدع بها أحد، خاصة من جربها بنفسه في أبشع جريمة في تاريخ البلد، فلم يهتم هذا "القصاب النظيف" لضحايا الكرد مادامت خطته تقتضي انتصار صدام، ولم يثر تلك القضية إلا بعد ان تطلبت المرحلة التالية لخطته ذلك، حين جاءت مرحلة اسقاط صدام واحتلال البلد عسكريا وبشكل مباشر.

إن نتائج خدعة الشعب في كل من سوريا، شاخصة امامنا، كشاهد على كل شيء. وحتى بعد كل هذه السنين، مازال البلدان في حالة حرب وتدمير. وحسب رأي أحد المحللين فأنه لا يوجد أمل بوقف الحرب في ليبيا، في المدى المنظور.(7) 

أما سوريا، فما زالت رغم مساعدات الأصدقاء الكثيرين، تعاني من الحرب والدمار والحصار. حصار للشعب بحجة حصار النظام، تماما نفس حجة حصار العراق المدمرة. وفي هذه الأثناء يستولي "القصاب الأنيق" على حقول نفط الشعب السوري ويبدأ باستخراجه وبيعه، امعاناً في انسانيته.

يختتم محلل الوضع الليبي مقالته بالقول: "الشعب في ليبيا قد ترك لمصيره في هذه الحرب التي لن تنتهي ابداً. شعب دفن في النفط والخوف. شعب يبحث عن الوطن الذي أخذ منه عنوة".

هذا هو "المجتمع الدولي" الذي يأمل به متظاهرو العراق، الذين خرجوا "يريدون وطن"!

 

صائب خليل

..........................

(1) محتجو العراق يعرضون مطالبهم رسميًا على الأمم المتحدة  https://elaph.com/Web/News/2020/01/1280375.html

(2) احسان الشديدي - مخطئ من يتصور ان الاستعانة بالمجتمع الدولي سيوفر الأمان

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=3304644092887772

(3) خدام يطالب في حديث خاص بتدخل عسكري لحماية المدنيين في سوريا

 https://www.radiosawa.com/a/24422.html

(4) الثوار في ليبيا يطالبون بتدخل عسكري دولي للإطاحة بالقذافي - اليوم السابع

 https://www.youm7.com/story/2011/3/2/الثوار-فى-ليبيا-يطالبون-بتدخل-عسكرى-دولى-للإطاحة-بالقذافى/361627

(5) القذافي يطالب الأسرة الدولية بوقف غارات الائتلاف والثوار يتراجعون أمام قواته

 https://www.france24.com/ar/20110329-libya-gaddafi-demand-cessation-raids-coalition-rebels-fighting

(6) الثوار في مصراتة يطالبون بتدخل القوات الغربية لحمايتهم https://archive.aawsat.com/details.asp?section=4&article=618098&issueno=11831#.XjRw8mj0mUk

(7)  The War in Libya Will Never End | naked capitalism

 https://www.nakedcapitalism.com/2020/01/the-war-in-libya-will-never-end.html

 

في المثقف اليوم