أقلام حرة

تجديد الخراب الديني!!

صادق السامرائيإسطوانة تجديد الخطاب الديني تدور في آفاق المجتمعات العربية خصوصا والمسلمة عموما، وكأن لا دين في الأرض غير دين الإسلام، والمجتمعات الأخرى بلا دين، ويتوهم أصحاب هذه النداءات الصاخبة في العديد من المحافل السياسية والعلمية والبحثية، بأن العلة في الدين وأن الحياة عمادها الدين وبسبب عدم تجديده حصل الذي حصل وتدهور الذي تدهور.

وهذا تضليل وأباطيل وخداعات يُراد منها خراب الأجيال، وتفتيت الوجود العربي والمسلمين في كل مكان وتحشيدهم ضد بعضهم البعض، وكأن الدين ليس بدين إن لم يتحقق التجديد المزعوم، ويحسبون أن الأيام تدور ولا تغيّر رغما عن أنف جميع الموجودات فوق وفي التراب.

التجديد سلوك تفرضه قوانين الكون ونواميسه وحكمة الدوران والتبدلات العاصفة بالحياة بأسرها، فالتغيير أو التجديد لا يمكن حصره بموضوع أو قضية، إنه فاعل دائب وشامل وتخضع لمشيئته الموجودات الكونية بأسرها.

والحديث عن تجديد الخطاب الديني والمقصود بالدين الإسلام نوع من الهذيان والإضطراب في التفكير، والتعبير عن العجز واليأس والتوهم بأن ما أصابنا لأن الدين لم يتجدد، وهو الذي يجري في نهر الأجيال الدافق منذ إنطلاقه وحتى اليوم.

ترى لماذا يتم التركيز على تجديد ما هو يتجدد وفقا لمنظومة إرادة الحياة ودستور التواصل والبقاء، وحكمة التداول والحفظ والتأبّد في كيان الإنسان وقلبه وروحه وعقله؟

فهل أن بشر اليوم مثل الذي سبقه قبل عدة قرون؟

إنه بالتأكيد يختلف ولديه من الوعي والمعلومات والمعارف ما لم يتمكن أبناء الأجيال السابقة من الحصول عليه، فنظروا وفقا لما عندهم، وأجيال اليوم ينظرون وفقا لما لديهم من فيض المعلومات والمعارف، وحالما ينظرون فأنهم يرون ما لم يتمكن من رؤيته الذين سبقوهم من ذوي المعلومات المحدودة، أو النزيرة بالقياس إلى ما تعرفه أجيال اليوم.

وهذا يعني أن كل جيل أو بضعة أجيال تعبّر عن قراءاتها في ميادين الحياة ومنها الدين، أما ان تُختصَر الحالة بقراءة تجديدية للدين وحسب، فهذا نوع من الهذيان والغثيان، علينا أن نتجدد مثلما الحياة تتجدد، وأن تتفاعل ميادين التجدد لصناعة إرادتها المعبرة عن الإستيعاب المعاصر لجوهرها المتجدد.

فعلة العرب وبعض المسلمين أنهم يتوهمون بأن التأخر مرده إلى عدم التجدد في الدين، بينما الدين يتجدد ويترافد ويتواكب وهذه سنة الحياة وإرادة التطور والرقاء والبقاء، والحقيقة أن العلة في عدم توظيف العقل في مواجهة التحديات وتلبية الحاجات اللازمة لحياة أفضل، فالعرب يملكون كل شيئ، وما دام العقل مصادر أو معطل ولا يفقه بالمناهج العلمية والتفكير العلمي، فأنهم لا يملكون شيئا، وتلك حقيقة علينا أن نستوعبها لكي نكون، فالدين لا علاقة له بالتقدم والتأخر، وإنما العقل والإرادة والوعي الحضاري المعاصر، فمجتمعات الدنيا المتفوقة علينا، لكل منها ربما ألف دين ودين، فلماذا يتم حشر الدين في مجالات لا ناقة له فيها ولا جمل؟!!

فاستفيقي يا أمتي من رقدة العدم!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم