أقلام حرة

العربية وغربة اللسان!!

صادق السامرائيقبل أعوام كان أحد الزملاء من بلادي يعمل في دولة خليجية، ويتواصل معي عبر البريد الإليكتروني بالإنكليزية، فأجيبه بالعربية، وإذا به يطلب مني أن أكاتبه بالإنكليزية، قائلا بأنه يستطيع التعبير بها أفضل من العربية، فأبيت أن أجيبه إلا بالعربية رغم أن كتابتي باللغتين بمستوى واحد.

وفي تسعينيات القرن الماضي كنت منغمسا بالكتابة بالإنكليزية شعرا وأدبا وعلما،وتوقفت لإدراكي بأن العربية لغة ذات قيمة حضارية وإنسانية وفكرية ومكتملة الأصول النحوية، وأكثر تطورا من اللغات الأخرى، وأغناها بالمفردات، ولا يوجد عيب فيها، ولكن العيب في أهلها.

ومنذ بدايات القرن الحالي عاهدت نفسي أن تتسيد العربية على ما أكتبه وهكذا مضيت، وأقضي أكثر من نصف يومي أتفاعل باللغة الإنكليزية.

ذات مرة كنت في مدينة كييتو اليابانية، وإحتجت لتصريف عملة، فرحت أبحث عن مصرف والخريطة بيدي، وكلما سألت يابانيا بالإنكليزية أنكرها، حتى يئست من العثور على ناطق بغير اليابانية، فإعتمدت على فطنتي في معرفة ما يشير إلى المصرف أو البنك، وعندما دخلته وجدتني غريبا لا يجد من يتخاطب معه، وبعد برهة أحضروا مَن تتكلم الإنكليزية بصعوبة، لكنها تمكنت من تسهيل أمري.

وعند المساء شرحت لصديقي الياباني معاناتي، فحدّق بوجهي قائلا: ولماذا نحتاج لغة غير اليابانية؟!

وأضاف: لغتنا تكفينا!!

وقرأت في قسماته التحدي والكبرياء، وكأني أسأت إليه بشكواي عن عدم معرفة اليابانيين للإنكليزية.

 

في حينها تذكرت أحوالنا، فذات يوم كنت في الدوحة، وإذا بالناس من حولي لا تعرف العربية، وعلي أن أتكلم معها بلغة أخرى، " يا ناس أنا في بلاد عربية، ولا أجد مَن يتكلم العربية"!!

العاملون في الفنادق وسائقي التاكسي وغيرهم عليك أن تكلمهم بغير لغة البلاد التي أنت فيها، وتساءلت : لماذا لا تشترط دولنا على العاملين فيها تعلم اللغة العربية كأي بلد في الدنيا؟!!

والمؤلم حقا في زمننا المعاصر صارت المواقع الإليكترونية بصحفها المتنوعة تنشر ما يسيئ للعربية، فتقرأ ما لا يتفق وأبسط قواعد النحو والإعراب، أما مفرداتها فحدث ولا حرج، وصارت المقالات الرصينة تحسب على أنها ثقيلة وخارج الزمان.

وذات مرة وجدتني أمام أستاذ باكستاني، يمتحنني بالعربية وكنت أجيبه عن أسئلته، فإذا به يبكي أمامي وسط دهشتي وحيرتي، وهو يقول: هذه دموع فرح وبهجة، الآن أدركت أن العربية بخير وأن الدين سيبقى منيرا، وعندما إستفهمت منه، قال: ما إلتقيت بعربي قبلك إلا ووجدته لا يعرف من العربية إلا القليل وينطقها بإضطراب!!

فالعرب أعداء عروبتهم ولغتهم، ولهذا فهم أعداء أنفسهم وتأريخهم وحاضرهم ومستقبلهم ودينهم!!

والمسلمون العرب أقل المسلمين فهما للقرآن لأميتهم اللغوية، والتي أسميها "الأمية القرآنية"، وقد كتبت عنها في السابق، وأمة إقرأ لا تقرأ!!

وبرغم قهرها المقصود، عاشت لغة الضاد رائعة معاصرة متفوقة عالمية الطباع والتطلعات!!

 

د. صادق السامرائي

29\9\2015

 

 

في المثقف اليوم