أقلام حرة

تُهْمَةُ الجاهلية!!

صادق السامرائيالجهل: عدم المعرفة

الجاهلية مصطلح جاء به المسلمون لمحق ما قبلهم، والإنطلاق بدينهم على أساس أبيض ناصع، ولكي تسود لغة القرآن وأسلوبه في التعبير، فصار الشعراء يتبعهم الغاوون، ويقولون ما لايفعلون، وتحقق منع تداول روائع البيان العربي النثري بأنواعه، ولا يُعرف كيف نجا بعض الشعر الذي سبق الإسلام من الزوال.

سيغضب مَن يغضب، ويرى مَن يرى، لكنه سلوك قام به المسلمون، ويتردد الباحثون والمفكرون في سبر أغواره، لأنه خط أحمر، وربما يُعدُّ كفرا وتحاملا على الإسلام.

العرب قبل الإسلام أصحاب مَعارف وثقافات وحِكَم وخطب وأشعار، ومَلاحم نثرية وقصصية متنوعة، ومَن يقرأ بعض ما نجا من دمار المسلمين، يكتشف المستوى الفكري والإدراكي الذي كانوا عليه، فأشعار زهير بن أبي سلمى، وخطب قس بن ساعدة، وغيرها، تخبرنا بأنهم كانوا من العالِمين.

والإسلام محقَ ما قبله من الثقافات والمعارف الإبداعية العربية، وتقيّدَ بثقافة القرآن ولغته ومنطلقاته، وحرّم على المسلمين تداول ما كان آباؤهم وأجدادهم يتوارثونه من التراث العربي الأصيل، وبهذا تسبب بغياب مسيرة معرفية طويلة، وأزالها وإتهمها بالجاهلية، والتي تعنى أنها لا تمت بصلة إلى الإسلام وليس غير ذلك، كما توهمنا على مدى القرون، المشحونة بالخوف من السيف لو جيئ بغيرها.

فالإسلام كان صارما شديدا في بدايته لتأكيد العقيدة وسيادة القرآن، وما تسامح في هذا الشأن، بل الحزم ديدنه، وتأكيد قيمه ومبادءَه منهجه.

وبلغ ذروته بعد الهجرة للمدينة وفتح مكة، فالإسلام كان ثورة بكل ما قام به وأسس له، أي أنه أحدث تغييرا جذريا في المجتمع، وألغى معظم ما كان سائدا فيه من سلوكيات وثقافات متوارثة.

وجاء بمصطلح الجاهلية ليصف كل مَن لا يعتنق ثقافة القرآن، ويميل إلى ما إعتادت عليه الأجيال من قبله، حتى صار التفكير بما قبل الإسلام نوع من الخطيئة والإثم، ولهذا توقف العديد من الشعراء والأدباء عن نشاطاتهم بعد أن دخلوا الإسلام، فتبرؤا مما مضى!!

 ويبدو أن بعض أعداء العرب قد إستثمروا في هذا المصطلح، فأوهموا الدنيا بأن العرب كانوا من الجاهلين الهمج الرعاع، فكتبوا ما كتبوه عنهم  وعن حروبهم، وكأن الدنيا كانت بلا حروب ونزاعات داخلية طويلة ومتعاقبة.

وتجد اليوم مَن يضللنا بحروب العرب الطويلة كحرب داحس والغبراء، ويجردها من زمانها، ولا يدري كم حرب أطول منها كانت تجري ببن قبائل الدنيا آنذاك.

فعلينا أن نقرأ التأريخ بعقل ناقد وبمنظار نفسي سلوكي!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم