أقلام حرة

لبنان أول بلد يحتضن تظاهرة عاصمة الصّحافة العربية

علجية عيش(اليونيسكو اعتبرت 1983 سنة الإعلام)

رغم أن العالم يعيش ثورة الإتصالات واالمعلومات التي تعتبر من أهم معالم العصر الحالي، لم تبادر أي دولة عربية في أن تكون عاصمة للصحافة العربية، ويكون محورها "الربيع العربي" في ظل ما يحدث من حروب اهلية وحراكات، ماعدا لبنان الذي كان أول بلد تكون عاصمته بيروت عاصمة للصحافة العربية، رغم أن بعض الدول العربية تملك شركات للإنتاج الإعلامي كالإمارات، قطر ومصر، ربما ذلك راجع لكون بعض الأنظمة المستبدة تتحكم في الجانب الإعلامي وتسيطر عليه، كما هو الحال في دول المغرب العربي التي تعيش صحفها على الإشهار وبدونه لا يمكنها الإستمرارية، وبالتالي فهي في حاجة إلى رأس مال إعلامي حُرّ، يحررها ويدفعها إلى الأمام حتى تدخل باب المنافسة العالمية.

لكل دولة أصبح لها عيد وطني للصحافة يختلف عن اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي أعلنته الأمم المتحدة في 03 ماي 1993 وجعلته يوما عالميا يحتفل كل رجال الإعلام في كل المعمورة، وبذلك تعتبر اليونسكو السَّبَّاقَة لذلك، كما أنه لكل دولة لها الإختيار في معالجة القضايا في اليوم الذي تجعله يوما وطنيا، وتسلط فيه الأضواء كل سنة على موضوع أو قضية، لقد كان اختيار اليونيسكو أن تكون 1983 سنة الإعلام، ربما ذلك راجع للأحداث التي وقعت في تلك السنة، لاسيما الحرب التي دارت بين أمريكا وميليشيات إيران بالوكالة في لبنان، كما تذكر هذه السنة الدول والشعوب بالمناورة العسكرية التي أطلق عليها اسم مناورة "أبِل آرتشر 83" والتي كادت أن تشعل فتيل حرب عالمية ثالثة، بل حرب نووية حقيقية، عندما شارك الآلاف من جنود حلف الناتو ضد قادة حلف وارسو، كانت القوى المتصارعة قد أطلقت العنان لاستخدام ترساناتها النووية، فكانت النتيجة أن خلفت خسائر بشرية قدرت بملايين من البشر.

كما تذكر هذه السنة (1983) بالخطاب الشهير "إمبراطورية الشر" الذي ألقاه الرئيس الأمريكي رونالد ريغن وهدد بإسقاط الاتحاد السوفييتي وانهياره، في حالة ما إذا رفضت روسيا تغيير نظامها الشيوعي بشكل سلمي في الإتجاه الذي يتبعه الغرب أو الذهاب إلى الحرب وكانت لهذه الأحداث ردود فعل إعلامية قوية، وأحداث أخرى وقعت في السنة نفسها، مثل كارثة "الفيديوجيم لعام 1983 "، هذه الكارثة لها علاقة بعالم صناعة الألعاب، ما جعل منظمة اليونيسكو تركز على أهمية الإعلام في حياة الشعوب والدول، تم فيها إعلان جملة من المبادئ من أجل تقوية "السلام"، في تلك الفترة تم خلالها تشكيل لجنة دولية بقرار من أمادو مهتارمبو المدير العام لليونيسكو، وكان يرأس هذه اللجنة شون ماكبرايد وزير خارجية إيرلندا السابق، واختياره كرئيس جاء بعد نيله جائزتي نوبل ولينين للسلام، أما الجانب العربي فقد مثله مصطفى المصمودي مندوب تونس الدائم في اليونيسكو، وجمال الدين العطيفي وزير الإعلام المصري السابق.

 كان هدف اليونيسكو توحيد الإعلام، على أن يكون تدفقه في اتجاه واحد، لكن ذلك لم يتحقق، لأن الإعلام الغربي كانت له أهداف تختلف عن..، أو لا تتماشى مع الإعلام العربي، الذي كانت له نظرية إعلامية خاصة لتأسيس قوة إعلامية دفاعية، وهو ما لا يلقى قبول ورضى الإعلام الغربي، لأن صاحب المقترح أو الفكرة عربي، وهو الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وكانت السياسة المصرية قد وقعت في صدامات مع السياسة العراقية عن طريق سفيرها في بيروت الذي وقّع على وثيقة حلف بغداد من أجل مواجهة الإعلام الناصري بتمويل خارجي، إلا أن جمال عبد الناصر ونوري السعيد في العراق كانا الإثنان أكثر حرصا على أن تكون الصحف الموالية لهما أكثر انتشارا، وأعمق تأثيرا، تشير كتابات أن نجاح الإعلام في بلد ما (غربي كان أو عربي) كان يرتكز على دعم وزارات الدفاع، وهذا ما حدث في مصر والعراق، أما في لبنان وجدت الولايات للمتحدة الأمريكية وبريطنيا وروسيا فرصة للتنافس الإعلامي على أرضها، من هذا المنطلق كانت بيروت أول بلد يحتضن تظاهرة عاصمة الصحافة العربية، وفيها بدأ اللوبي الإعلامي يظهر على السطح في كل بقاع العالم، وبخاصة في العالم العربي حيث نشأ ما سمي بـ: "كارتل صحفي" سيطر فيه كبار الإعلاميين على حصص الصحافيين المبتدئين في كل البلاد العربية.

كما تحولت بيروت إلى ساحة مواجهة لكل التيارات، حيث نشأ تيار إعلامي يميني وتيار إعلامي يساري، مثلما نراه الآن في الصحافة التي تكون ناطقا رسميا لحزب معين أو التابعة للدولة، وقد وصلت الأمور إلى حد التهديد الإعلامي على أي صحيفة لا تُوَقِّعُ على الصكوك السرية، فيكون مصيرها إما السجن أو غلق الصحيفة، وهو ما نراه اليوم من ممارسات قمعية في حق الصحافيين، حيث نقرأ عن صحف تغلق، وصحف تزول، وصحف تحتضر أو تموت، متجاهلين في ذلك النظرية القائلة أن "الحوار بالكلمة أفضل من الحوار بالمدفع"، فمنذ تظاهرة بيروت عاصمة الصحافة العربية في 1983 لم تنظم ولا دولة عربية مثل هذه التظاهرات الإعلامية، لأن الأنظمة المستبدة تتحكم في المؤسسات الإعلامية عن طريق "الإشهار"، خاصة وأن غالبية الصحف لا يمكن لها العيش والإستمرارية بدون إشهار، ما عدا بعض الصحف الموالية لهذه الأنظمة والتي عادة ما تأخد حصة الأسد من الإشهار، وتكون لها الأولوية حتى في المسابقات الوطنية، ما جعلها تضرب المبادئ العشر العالمية التي من أجلها تأسس الإعلام، عرض الحائط، من هذه المبادئ أن يكون واعيا وأن يكون حرا لا مفروضا طالما الحرية شرط اساسي لنجاح أي حوار وطني، وكما يقول محللون إنه زمن الخراب الإعلامي.

 

قراءة علجية عيش

 

 

 

في المثقف اليوم