أقلام حرة

قاسم الكفائي: إنتخاباتُ الرئاسةِ السورية

قاسم محمد الكفائيالإنتخاب هو لون من ألوان الديمقراطية، وآخَرَ مُعبرٌ عن نمط الحرية التي يجبُ أن  يحظى بها الفردُ والمجتمع وفق الضوابط التي ترعى مصالحَ الوطن والمواطن. هذان المفهومان الديمقراطية والحرية يضمنان حقَّ العيش في المساحة التي تُأهِّلُ الفردَ أن يمارسَها واقعا ملموسا كحقٍ طبيعي من بعضِ حقوقهِ المكفولة.

فمن الأخطاء الشائعة بيننا نحن الذين نعيش في دول العالم الثالث أن الغرب هو النموذج الديمقراطي الذي فيه يجد الفردُ تلك المساحة دونَ غيرِه من بلدان العالم الأخرى، مع أنها الوهم بعينه وأنَّ الوصولَ الى الحقيقة يتطلب حالةَ الوعي والفهم العميقين كيف أن الفرد الغربي يعيش وهو خاوٍ، ليس فيه قيمة تحركهُ غير قيمة الإعلام الذي يوجههُ في كل شؤون حياته، بينما نجد الإنسانَ في مجتمعاتنا يتأثر بموروثٍ قيمي، وقناعاتٍ وطنية وأخلاقية تنعكس على سلوكهِ في السياسة والإجتماع، وفي كلِّ حركةٍ يقومُ بها.

فالمصداقية الحقيقية التي تلخص هذا الزعم تثير سؤالا مُهمّا قد تصعب الإجابة عليه لدى الآخرين ممن يُمعِنون بالمظاهر ولا يرَون ما دونها من حقائق وقد أخفاها صخبُ الإعلام والتزييفِ وحالةِ اللاوعي. في أمريكا مثلا، هل للأحزابِ السياسية والمنظماتِ والحركاتِ والجمعياتِ القُدرة على منافسة الحزبَين الرئيسيَين الجمهوري والديمقراطي في الإنتخابات الرئاسية، وما هي النتائج التي ستترتب على هذه المنافسة؟

فلو افترضنا الوصول الى معرفة الجواب الحقيقي لهذا السؤال سنصل حتما الى تلك المصداقية بعدم شرعية تلك الإنتخابات وسط سقوط حالة الوعي السياسي والإنساني بين الناس تحت تأثير شكل الديمقراطية الذي تحدِّدُه وترسمُه وسائلُ الإعلام المؤثرة في جو من البهرجة والتزوير وتعاظمِ مظاهر المدنية والتقنية وبذل مئات ملايين الدولارات معظمها تصل الى أمريكا من دول عربية متنفذة ماليا. 

سورية المقبلة على الإنتخابات الرئاسية في السادس والعشرون من مايس الجاري 2021 لم نجد فيها ذلك النمط الإنتخابي وظروف البذخ والبهرجة سوى أن فيها تواضعُ العيش، والضغوطاتُ الخارجية من حصارٍ وسياسةٍ وعسكرٍ، ونجد فيها أيضا حالةَ الوعي الثقافي والوطني لدى المواطن الذي يمارس دورَه المُحدَّدُ له من صميم وجدانهِ خارج تأثير الإعلانات والوعود والتملق السياسي والأتيكيت الفضفاض.

فالمواطنُ السوري هو الذي يضمن النتيجة الإنتخابية ويتبناها عندما يرى نفسَه ويرى بلادَه مُطوقَين بالحصار والإرهاب كخطر خارجي لا يمثل هويتَهُ وانتمائَه، عندها يلجأ الى مَن يمثلُ طموحاتِه ويدافعُ عنه ويحتضنه كلونٍ من المسؤولية الكبرى التي تصب  بالدفاع عن القيم الوطنية التي يسلكها المواطن، والمصالح العليا للبلاد.

في هذا الظرفِ الصَعب الذي يعيشُه الشعبُ السوري يبحثُ المواطنُ عن حريّةِ إختيار رئيس لبلادِه كقيمةٍ وطنيةٍ تنهضُ بواقعِه المُزري تحت وطأة الحصار المفروض والضغوطات السياسية التي تتبناها دولُ الغربِ وأمريكا.

كذلك فإن المؤسساتِ المَعنية وبالتعاون مع شرائح واسعة من الشعب السوري قد بدأت بالعمل لتحضير مستلزمات عملية الانتخابات الرئاسية بعد خلاصة اختيار وتعيين الشخصيات الثلاثة الوطنية المطلوبة للترشح، منها مَن يُمثل المُعارضةَ الوطنية وقد استوفت الشروط التي سمحت لها بالإختيارِ والظهور، بينما يستعدُ المواطنُ لممارسة دورَه الوطني الكبير حرصا منه على وقفِ كل ما يحيط به من تدخلات وتأثيرات خارجية ما يدفعه للبحث بقائمة المترشحين للرئاسة لاختيار الرجلِ والرئيسِ المناسب الذي يمثله لعبور المرحلةِ الصَعبة التي يعاني فيها، بهمّةِ وقدراتِ مَن وقف الى جانبه في صد الإرهاب الداعشي المُتوحش.

إن الهمَّ وفي أدنى مستوياتهِ لدى المواطن السوري هو أن يعودَ إقتصادُ الدولة الى سابق عهدِه ما قبل عام 2011 عندما كانت العائلة في سورية تعيش بيسر وراحة بال لا ينقصها الغذاء والدواء، أو الخدماتِ في المؤسساتِ والمشافي والشوارع والحدائق العامة.

واحدةٌ من إهتمامات الدولة الرائعة التي حظيَ بها الإنسان السوري على سبيل المثال فتح (مركز خدمة المواطن) في كل المدن وذلك في الزمن الجميل ما قبل موسم الربيع العربي (داعش) المٌصَدَّر الى سورية من الخارج. هذه المراكز مُهمتها خدمة المواطن في كل المجالات وقد تكون سورية سبّاقةً من بين أغلب الدول العربية في تأسيس مثل هذه المراكز وتوزيعها على المدن.

في مواقفَ كثيرةٍ حدثت كنتُ شاهدا عليها حين التقيتُ العشرات من المواطنين السوريين في أوقاتٍ مختلفةٍ وأماكنَ غير مُتشابهة كانوا يحدثونني عن سورية ما قبل موسم الإرهاب وكيف كانت الحياة الأمنية والإقتصادية فيها، فكانت بحق صورة نموذجية للواقع السعيد الى الحد الذي تترقرق الدموع في عين ذلك المواطن حين يتذكر تلك الحياة التي عاشَها وهو شاهدٌ عليها.

إن عودةَ الحياة التي افتقدها السوريون وتمنَوها قد تعودُ وبأحسن صورِها بعد إنجاز مُهمتين وطنيتين أولُهما، إنجاح عملية الإنتخاب الرئاسي، وثانيهما طردَ كلِّ القوات الأجنبية التي تتموضع على مساحاتٍ من الأرض السورية دون أيِّ مُبرِّرٍ قانوني سوى الدفاع عن المشروع الداعشي الدولي الذي يضمن بقائُه تعطيلَ حياةِ البلادِ والناس.

المواطنُ السوري يعرف جيّدا مَهامَه، ويعرف مسؤوليتَه للحفاظ على الثوابت، لذا وجدته بجُهدٍ شخصي وعفوي مُصَمِّما على انتخاب المرشَح الذي سبق وإن بنى له دولة رصينة، واقتصادا قويّا، ووقفَ الى جانبه ضدَّ الإرهاب المدعوم دوليّا، فانتصرَ عليه، وانقذَ منه البلادَ. إن حقَّ المواطنِ السوري بممارسةِ دورِه في الإختيارهوالكفيلُ والضامن لعودة سورية لما كانت عليه في الزمن الجميل.

 

قاسم محمد الكفائي

 

 

في المثقف اليوم