أقلام حرة

صادق السامرائي: على منكبيهِ مكتبة!!

صادق السامرائيكأنه ولد ليرضع من كتاب، وما عرف الفطام وقد بلغ من العمر عتيا، وذخيرته عشرات الآلاف من الكتب، التي أنِسَتْ به وأنِسَ بها، وحافظ عليها كالأم الحنون.

ودارت السنون وتبدلت الأحوال والعصور، وأصبحنا في زمن التواصلات السريعة، وفقدان الإهتمام الجاد بالكتاب، والإلتصاق بالشاشة الصغيرة التي يمكنها أن تستحضر ما يريده الشخص من المعارف والكتب والمقالات، وتجيب فورا على أي سؤال، فالمعرفة صارت كالهواء!!

وفي هذا العالم الذي يمكن لقرص صغير أن يحوي ما في أكبر مكتبات الدنيا، تجده حائرا بمقتنياته من الكتب التي ملأت غرف منزله، وما تركت له إلا مكانا صغيرا للنوم بينها، وكأنه الجاحظ المعاصر.

- أريد أن أهديها للجامعة الفلانية!!

- الجامعة ترفض قبولها!!

- أريد أن أنشيئ بها مكتبة في مدينتي

- الإدارة المحلية لا توافق ولن تمنحك قطعة أرض لهذا الغرض

- أريد أن أهديها لمكتبة المدينة التي ترعرعت فيها

- المكتبة إندثرت منذ سنوات، وتحولت إلى موطن للنفايات!!

إحتار بكتبه، وهو يتدحرج على سفوح كهولته، لكنه عاد وتساءل: هل مَن يأخذها مجانا على أن يحفظها في مكان ما يحمل إسمي؟

ولا يوجد جواب ولا رغبة للحفاظ على هذا المكنون!!

قلت لزميل لديه وسوسة في جمع الكتب، أن يعيرني كتابا، فتردد وكأنني أطلب منه أغلى ما عنده!!

قلت: حسنا، لا حاجة لي بالكتاب فهو متوفر مجانا في المكتبات الإليكترونية!!

حدق بوجهي مندهشا، وكأنني طعنته!!

والزميل تجاوز الثمانين ويعاني من أمراض صعبة، لكن مكتبته تمثل روحه!!

والمشكلة أن الكتب باللغة العربية، ولا أحد من أولاده يجيد العربية!!

إن علاقة الإنسان بالكتاب قد تبدو في أكثر الأحيان أشبه بالإدمان، أو الوسوسة، فالعديد من الأشخاص يجمعون الكتب وحسب، والبعض القليل يقرؤنها، ولهذا فأن مجتمعاتنا مكتبية وليست ثقافية، فقد تزدحم معارض الكتب بالزائرين والمقتنين، لكن النسبة العظمى منهم لا تقرأ ما تشتري، وتركنه على رفوف المكتبات في البيوت، لأنها أصبحت جزءً من الديكور المنزلي!!

ذات يوم كنت مدعوا في بيت أخ صديقي، ووجدت عنده خزانة كتب جميلة، وشد إنتباهي عدد الموسوعات والكتب المرتبة الأنيقة الأغلفة، وحاولت أن أتحدث معه عن بعض الكتب التي رأيتها أمامي وكنتُ قد قرأتها، فوجدته محرجا، فأدركت أنه لم يفتح كتابا منها، وأنها من مكملات ديكور البيت وحسب!!

قلت للحائر بكتبه، لن يستوعب كتبك إلا الديكورات المنزلية المكتبية، فهل يمكنك أن تعلن عرضها للإستعمال كديكور منزلي؟!!

حزن وتألم، وأدرك أن الكتاب الذي كان خزانة المعارف والعلوم، قد إنتصرت عليه السيدة غوغل وأخواتها وعماتها وخالاتها، وعلينا أن نستحصر ما نريده من مواقعها الإليكترونية، التي توفر لنا ما نريده من زاد المعرفة!!

إنها إرادة عصرنا المفروضة علينا وبها نعيش!!

فهل سيختفي دور المكتبات من حياتنا؟!!

 

د. صادق السامرائي 

 

 

في المثقف اليوم