أقلام حرة

ليلى الدسوقى: الاسلام دين ام دين ودولة؟

ليلى الدسوقيهناك بعض الفقهاء المسلمين ذهبوا الى ان الاسلام دين فقط. أى انه ليس الا مجرد دعودة دينية لا شان لها بالسياسة ولا بغيرها من امور الحياة الدنيا فهو عقيدة وصلة روحية بين العبد وربه مثل الوضع فى ظل الديانة المسيحية تطبيقا لقول السيد المسيح فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا للهِ للهِ». فَتَعَجَّبُوا مِنْهُ" إنجيل مرقس 12: 17

إذ رأى المفسرون ومعظم اللاهوتيين في نص هذه الآية إعلاناً صريحاً لفصل الدين عن الدولة. وقوله ايضا "أَجَابَ يَسُوعُ: «مَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هذَا الْعَالَمِ. لَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدَّامِي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. وَلكِنِ الآنَ لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هُنَا» إنجيل يوحنا 18: 36

و كما ورد بالانجيل " ان الملوك انما ولايتهم على الاجساد وهى فانية والولاية الحقيقية على الارواح وهى لله وحده "

اى ان النظم السياسية للمجتمع الاسلامى يجب ان تستمد من فكر الناس وتجاربهم لا من التشريع الاسلامى وان سيدنا محمد  (ص) جاء نبى ورسول وليس ليقيم ملكا او ينشىء دولة

واستند هذ الرأى من:

القرآن:

(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ) الفرقان 56

( إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) هود 12

(فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) الغاشية 21/22

 

(أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ) يونس 99

(طه، مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى) طه 1/3

(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا البَلَاغُ المُبِينُ) النحل 35

السنة النبوية:

اتى رجل الى الرسول ليسأله بعض الامور وقد ارتعدت أوصال الرجل، من شدة هيبة النبي (صلى الله عليه وسلم )، ظنًا منه أنه إنما دخل على جبار أو ملك، والنبي يهدىء من روعه قائلاً:

" هون عليك ! فإني لست بملك ولا جبار وإنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة "

و قول الرسول أيضا " انتم اعلم بامور دنياكم "

و ايضا لما خير على لسان اسرافيل بين ان يكون نبيا ملكا ام نبيا عبدا فختار نبيا عبدا بعدما استشار جبريل عليه السلام

و لو كان الرسول مهتم بانشاء دولة لعين احد يخلفه من بعده ولم يتركه مبهما على المسلمين

أدلة عقلية

ترك الله الناس احرارا فى تدبير دنياهم حكمة لله فى ذلك ليبقى الناس مختلفين

" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ۝ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِين " هود 18/19

اى ولاية محمد ( ص ) للمسلمين ولاية رسالة غير مشوبة بشىء من الحكم

الراى الاخر يرجح ان الاسلام دين ودولة معا

و يرد على الراى الاول:

بالنسبة لادلة القران الكريم

كلها ايات مكية نزلت فى مكة قبل الهجرة الى المدينة وانشاء الدولة الاسلامية والايات المكية تغلب عليها النزعة العقائدية لتغيير عقيدة العرب وبث الايمان فى نفوسهم ونشر الدعوة

و فيما يتعلق بالاحاديث النبوية

ان التواضع والعبودية لله وحده وانه ليس جبار كالملوك والجبابرة والظالمين ولا يبرهن ذلك ان الاسلام دين فقط فالانسان سواء فردا او عاديا او حاكما او نبيا يجب ان يتحلى بالتواضع الذى لا يزيد المرء الا رفعه

اما قول الرسول " انتم اعلم بامور دنياكم " كانت خاصة بتابير النخل ففسد لذلك قال هذا عند سؤاله

و عن السبب الذى لم يعين خليفة ليوضح للمسلمين ان هذا الامر يرجع اليهم لانه لو استخلف لاعتبر ذلك تشريعا لا يملكون الخروج عليه

 

اما فيما يتعلق بالحجج التى يرى صاحبها انها حجج منطقية وعقلية فان الرد عليها

ان الاسلام دين ودولة لا يمنع من تعدد الحكومات واختلاف الانظمة السياسية تحت لوائه وطبقا لمبادئه العامة

و ثمة قواعد اصولية فى الاسلام تؤكد ان الاسلام فى غير العبادات والمعتقدات يسمح باختلاف النظم تبعا لاختلاف الزمان والمكان

- التوسعة فى الاحكام الدنيوية

- رعاية المصالح المرسلة

- المشقة تجلب التيسير

- العادة محكمة

و اخيرا نستخلص من كل هذا ان الاسلام دين ودولة معا فلقد اهتم الاسلام بشئون وتنظيم الدولة بجانب اهتمامه بشئون الدين ايضا

(أَفَحُكْمَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍۢ يُوقِنُونَ ) المائدة 50

و الرسول وضع اسس الدولة الاسلامية من جميع النواحى فنظم الدفاع وحمى الامن ونفذ العدل بين الناس ونشر العلم وجبى الاموال وعقد المعاهدات خاصة بعد الهجرة

و هذا لا يعنى ان النظام الاسلامى لم يبدا الا فى المدينة فقد بل بدأ من الناحية العملية قبل ذلك ولكن فترة ما قبل الهجرة بالنسبة للدولة الاسلامية كانت مرحلة تمهيد واعداد ووضع نواة المجتمع الاسلامى وبعد الهجرة للمدينة تم تكوين المجتمع الاسلامى واكمل التشريع

و الرسول والخلفاء قد تعرضوا للمسائل السياسية قولا وعملا فمثلا:

من القران

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ النساء 59

من الاحاديث النبوية

(ان احب الناس الى الله يوم القيامة وادناهم منى مجلسا امام عادل وان ابغض الناس الى الله وابعدهم منى مجلسا امام ظالم )

" اذا خرج ثلاثة فى سفر فليؤمروا احدهم"

ومن اقوال الصحابة

قول ابى بكر " ان محمد امضى بسبيله ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به "

و يقول عمر بن الخطاب " لا اسلام الا بجماعة ولا جماعة الا بامارة ولا امارة الا بطاعة "

و من اقوال علماء المسلمين

الامام الجرجانى

(نصب الامام من اتم مصالح المسلمين واعظم مقاصد الدين )

ابن خلدون

(ان نصب الامامة واجب قد عرف وجوبه فى الشرع باجماع الصحابة والتابعين)

ابن تيمية فى كتابه السياسة الشرعية فى اصلاح الراعى والرعية

(يجب ان يعرف ان ولاية امر الناس من اعظم واجبات الدين بل لا قيامة للدين الا بها)

الامام الغزالى

(ان الدنيا والامن على الانفس والاموال لا تنتظم الا بسلطان مطاع )

يقول الامام محمد عبده فى كتابه الاسلام والنصرانية

(ان الاسلام دين وشرع)

فدين الاسلام ودنياه امر واحد والمولى سبحانه وتعالى امرنا فيما ندعوه به ان يعيننا على تحصيل حظنا من الدين والدنيا

فيقول الله تعالى فى كتابه الكريم (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) البقرة 201

و اخيرا اقول السلام عليك يا رسول الله طبت حيا وميتا

ارجو من الله تعالى ان يكون هذا المقالة ومضة مضيئة فى طريق المعرفة

 

ليلى الدسوقى

 

 

 

في المثقف اليوم