أقلام حرة

حميد طولست: عبثية كرة القدم (5)

حميد طولسترغم اجهاد الكثير من الرياضيين الحالمين لأنفسهم في التدليل على دور الروح الرياضية في نشر التآخي بين ممارسيها، ورغم جهوداتهم الطموحة المبدولة في إثبات أثرها في التقريب بين فريقي البلدين الجارين المغرب/الجزائر، ورغم محاولة العديد من الملاحظين والمتتبعين المثقفين الطموحين للتنظير لما أدت إليه الرياضة من تعزيز للروابط الاجتماعية بين لاعبي شعبيهما الشقيقين، وذلك من خلال لقطات وصور التقبيل والعناق التي أُلتقطت قبل وخلال وبعد المبارة، سواء على أرض الملاعب بما سادتها من روح رياضية واسعة وإلتزام بقواعد اللعب النظيف والتنافسية الشريفة، أو في المدرجات، وما شهدته من أجواء احتفالية هستيرية، ورغم كل هذا وذاك، لم يستطع المثقفون والرياضيون الأكثر تفاؤلا، التغطية على أن المباراة الفعلية بين منتخبي المغرب والجزائر لم تكن كذلك مبارة عابرة بين فريقي كرة تحمل كل تلك الروح الرياضية العالية غير المثأترة، بالمشهد السياسي المغربي/الجزائري، والذي كانت صورة مصغرة مما يعرف من المماحكات والصراعات السياسية المؤسفة بين البلدين، وأن أطوارها الفعلية كانت تدور خارج أسوار ملعب الثمامة القطري، وبالضبط في "العامرية" حيث أُطلق النفير وجُيّش الذباب الإلكتروني ضد الفريق المغربي ووطنه، الذي لم يكتفي المغرضون في معاداته بقطع العلاقات السياسية واغلاق أجوائه السماوية، ومحو الخريطة المغربية من نشرة أحوال الطقس بقنواتهم الرسمية، ووصلت بهم الحقد والحسد إلى هتاف رئيس البلاد ورئيس أركان الجيش الشعبي ورئيس البرلمان علامي بملون ونصف مبروك، لإنتصار فريقهم الوطني، والذي هو من كامل حقهم، لو لم يكن تلك التوصيفات الحربية الإستصغارية، المستحضرة للمعجم العسكري الإستفزازي الذي صار طاغيا في جميع أحاديثهم عن المغرب ، البلد المسالم، الأمر الذي لم يزد شهية الفيسبوكيين المستأجرين المصابين بما يمكن تسميته بــ"فوبيا الهوية" إلا زهوا وكبرا وغطرسة واشتهاء للإستعداء على أخلاقيّات الأخوة، وانتهاكا لأبسط قيم الجيرة، يشجعهم في ذلك هامشُ الحرية المعطى لهم من طرف الإعلام الإلكتروني -الذي لا يخضع النشر فيه لتقييم أو تقدير أو تمحيص أو مراقبة، بخلاف ما كان عليه الأمر مع الإعلام الورقي الذي أخلى معظم الساحة لكل ما هو سيبيرني - ما دفع بالكثير من الفيسبوكيين لولوج حلبة الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن تكون لديهم معارف كروية ولا مهارات لغوية كافية تؤهلهم لذلك تأهيلا متمكنا، الوضع الذي إضطر معه غيرهم من مستعملي الأنترنيت، للتعامل مع زخم ردود أفعالهم الانفعالية المغرقة في العقليّة البدائيّة، القائمة فى مجملها على الكلام المرسل واللهجة التي قوامها الشّماتة والحقد والرّغبة الغريزية في صلب الآخر، التي ينشورنها، وبشكل مخيف، في العديد من المواقع الإعلامية المأجورة المتخصصة في التفذلك الوقح، والفرض التعسفيّ والاستفزازي للآراء والسنن الغريبة المنافية للعقل والمنطق، التي يخال المتتبع والمطلع عليها-للوهلة الأولى - أن روادها لا يجيدون القراءة، أو أنهم لا يفهمون فحوى ما يقرؤون، بينما حقيقة الأمر، أنهم يتعمدون عدم الفهم، لإخفاء نواياهم في تسفيه جاد المنشرورات ورزين الكتابات، بما يتقنونه من منفلت التعليقات الصادمة، المخضبة باللمز والغمز والنبز والوخز وغيرها من الشتم واللعن الذي لا علاقة له لا بمضامينها ولا بدلالاتها، والتي تشي بحقيقة غاية أصحابها القسوى المنحصرة في تضليل بسطاء الناس وابعادهم عن كل ما ينور عقولهم، ويخلِّقُ حياتهم العامة، ويشكك في ولائهم للوطن وثوابته، والذي يُعتمد في تحقيقه، استنساخِ لغة محادثةٍ "زنقاوية" مليئة بالمغالطات المسمومة والدسائس المدثرة بشعار حرية التعبير عن الرأي المفخخة المطلقة للعواطف والمشاعر السالبة تجاه الآخر، السلوك الهجين والمشين الذي يتطلب الحيطة والحذر مما يحيكه المصابون بهستيريا كراهية المغرب، ويستوجب الإحتراز مما يراكمونه من ويلات التفرقة والتشتيت، التي تُفقد المجتمعات قدرة المواجهة، وتقتل فيها حب الخير وتستحضر الشرور، بكل ما تؤسس له من تداعيات شائنة محبطة للهمم، ومكرسة لليأس والتشاؤم والإنكسارات الموجهة للوعي المجتمعي والرأي العام، نحو الإنحياز إلى كل فكر وسلوك خالٍ من التفاعل النافع الواعد .

الآن وقد وضعت "الحرب الكروية" أوزارها أطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعصم مغربنا الحبيب من سفاهة السفهاء، الذين لا يستثمرون كل طاقات شعبهم في نشر رديء الأحقاد المفرقة بين من جمعهم الله على أخوة الجوار والعرق واللغة والدين، إنه مجيب الدعاء.

 

حميد طولست

مدير جريدة"منتدى سايس" الورقية الجهوية الصادرة من فاس

 

في المثقف اليوم