أقلام حرة

صادق السامرائي: إستشراق واستشفاق!!

صادق السامرائي"أظْهَرونا في حَياةٍ إنَّهمْ.. كشَفوا سِرّا تليْداً نَجْهَلُ"

كلما تساءلت عمَّن دلنا على حضاراتنا، لا أجد أحدا من أبناء أمتنا هو الرائد في ذلك، بل الذين أخبرونا بأن لدينا حضارات قديمة هم المستشرقون بأنواعهم، وأعني بهم الذين درسوا تأريخنا بمنهجية وعلمية أكاديمية بحتة.

فعند زيارة الآثار المصرية ستجد أسماءهم بارزة أمامك، فمعظم المكتشفات عن الحضارة الفرعونية تمت بحملات المستشرقين الأجانب، الذين غامروا في تنقيباتهم، ومنهم من فقد حياته بسبب ذلك.

والمستشرقون فكوا رموز حجر رشيد، فأطلعونا على اللغة الهيروغليفية، وكذلك في بلاد الرافدين فكوا رموز اللغة المسمارية، فلولاهم لما عرفنا شيئا عن حضاراتنا.

ولو بحثتم في كتب التأريخ ومدوناته فلن تجدوا ذكرا لهذه الحضارات، التي أظهروها لنا منذ القرن التاسع عشر، ولا يزالون ينقبون ويبحثون ويكتشفون، ونحن نتفاخر بحضاراتنا بسببهم.

فلماذا هناك العديد من الأصوات، التي تتهمهم بما يحلو لها من التهم والتوصيفات، وتزعم ما تزعم وراء إكتشافاتهم؟

في مدينة سامراء، جاء شاب إسمه "أرنست هرتزفيلد" في بداية القرن العشرين من ألمانيا وخيم خارج سور المدينة لأيام ، في زمن يخشى أهل المدينة المبيت خارج سورها، ليدلنا على حضارة سامراء، التي دونها ووثقها بما وجده من لُقى، تشير إلى أنها تعود لعصور ساحقة في القِدم، ولا تزال الأدلة التي عثر عليها تعرض في أكبر متاحف الدنيا.

فالمستشرقون أسهموا إسهاما كبيرا في إخراج تلك الحضارات من غياهب النسيان إلى أنوار العصور، وأصبحت آثارها بفضلهم تملأ متاحف الدنيا قاطبة، وتشير إلى أمجاد الأرض التي وجدت فيها.

فلا يوجد متحف في الدنيا يخلو من الآثار المصرية والعراقية، ولا كلية آثار في العالم لا تدرس حضارات وادي الرافدين والنيل.

فماذا قدمنا لأنفسنا، وهل إكتشفنا شيئا من حضاراتنا؟

لا أستطيع الجزم أن إكتشافا حضاريا مهما قد سجل بإسم عربي على الأقل في القرن العشرين، فمعظم المكتشفات كانت بجهود أجنبية، وبنشاطات تنقيبية لبعثات من جامعات ومؤسسات غير عربية.

فهل لنا أن نعترف بفضل المستشرقين، ولا ننظر إلى ما قدموه لنا وللإنسانية، بعيون الغاضبين المتهكمين الظانين بالسوء والبغضاء؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم