أقلام حرة

صادق السامرائي: شخصيات الخلفاء العباسيين!!

شخصيات الخلفاء تستدعي الدراسة والتحليل، وفقا لما وردنا عنهم في المدونات، التي قد تكون ذات نسبة قليلة من الصواب، لأن التأريخ مكتوب بمداد كراسي المرحلة التي دوّن فيها، ولا يوجد ما هو نزيه وصادق تماما، ولهذا يستوجب القراءة العلمية والعقلية التي تحاول أن تقترب من الحقيقة .

ومن الواضح أن نظام الحكم فردي إستبدادي منذ إنطلاقته الأولى، وشخصية الخليفة تؤثر على مجريات الأحداث، فهو الذي يمثل الدين وينوب عن رب العالمين، وعدم طاعته كفر وزندقة، وأي معارضة تستوجب المحق الفوري.

وهذه محاولة لسبر أغوار شخصيات الخلفاء العباسيين، إعتمادا على ما جاء عنهم في كتاب تأريخ الخلفاء للسيوطي.

أولا: أبو العباس السفاح!!

أول خلفاء بني العباس (132 - 136) هجرية.

هو أبو العباس عبدالله بن محمد بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب (108 - 136) هجرية، مولود في ناحية البلقاء في الأردن، نشأ فيها، وبويع بالخلافة في الكوفة، وأمه ريطة الحارثية.

"ولما بلغ مروان مبايعة السفاح خرج لقتاله فانكسر، وقُتِلَ في مبايعة السفاح من بني أمية ما لا يُحصى من الخلائق، وتوطدت له الممالك إلى أقصى المغرب"

ومن خطبته في الكوفة حين مبايعته: ".....أنا السفاح المبيح، والثائر المبير"

إنتقل إلى الأنبار وصيّرها دار الخلافة سنة (134) هجرية، ومات بالجدري، وقبره على الأرجح في (هاشمية الأنبار) قرب الفلوجة، وعهد من بعده لأخيه أبي جعفر المنصور .

"وكان السفاح سريعا  إلى سفك الدماء"

ومن خطبته عند بيعته: "...ولما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب ومروان فجاروا واستأثروا، فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه، فانتقم منهم بأيدينا، ورد علينا حقنا ليمنَّ على الذين إستضعفوا في الأرض".

وما أن قُتِلَ مروان الحمارعلى يد صالح عمّ السفاح في قرية بوصير المصرية، حتى فتك أبو العباس السفاح ببني أمية، وإجتثهم عن بكرة أبيهم، وهم من المسلمين، إذ إرتكب إبادة جماعية بحقهم، وما أبقى لهم ذكرا، حتى صارت تهمة الإنتساب لبني أمية تبيح القتل الفوري للناس.

وكما جاء في خطبته فأنه أعطى لهذا القتل المروع معاني دينية، وكأنه تفويض إلهي للإنتقام من الذين إغتصبوا السلطة وهي ليست من حقهم.

وهو نفس المفهوم الذي إتبعه الجبابرة في قتل الناس بالجملة عندما يدخلون المدن، فلا فرق بين السلوك البشري في الحالتين، بل أن الحالة الأولى أشد ضراوة، لأنها تنطلق من روح حب الإنتقام والثأر المرير.

وبرغم أن حكمه لم يتجاوز الأربع سنوات، لكن السيف كان منطقه، وسفك الدماء منهجه، وفرض الإرادة بالقوة ديدنه، وكان متأجج التفاعلات شديد الصولات، حتى تمزقت البلاد التي كانت تحت إمرة بني أمية، "وتقسَّمت ممالك الأرض عدة أقسام، وصار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالعسف، وينكبهم بالقهر".

فدولة بني العباس أقيمت على سفك دماء مروعة في دمشق، وإنتهت بسفك دماء أشد ترويعا في بغداد.

فأبو العباس السفاح لم يضع أسسا لبناء الدولة، وإنما إعتمد البطش غاية ووسيلة في الحكم، ولولا وفاته المبكرة لإنتهت دولته على يده!!

والكثيرون يقرأون تأريخه بزوايا أخرى تميل إلى تحويله إلى مَلاك، حتى أن تسميته بالسفاح يقرنونها ببذل المال، غير أن الوقائع وما آلت إليه أحوال الأمة، تشير إلى أن الخلفاء كانوا بشرا كأي البشر، لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، ولا يجوز تحويل التأريخ إلى منصة خيالية بعيدة المنال، حتى تتوهم الأجيال بأنها مقعدة ومعوقة بالمقارنة إلى ما كانت عليه الأمة قبل عصور، فالواقع يكذب المنطق الخيالي الرومانسي للتأريخ، لأن ما مدوّن بهذا المنظار لا يقبله عقل رشيد.

ويبدو أن الإنتقام كان مهيمنا على تصوراته ورؤاه، والتضخم الكبير للأنا فعل فيه ما فعل، حتى توهم بأنه يمثل إرادة الله في الأرض، ويترجم غضبه على بني أمية، لما فعلوه من آثام حسب تأويلاته، وما يغذيه به فقهاء الكراسي، وقد وقف مَن وقف بوجهه من رجالات الأمة وفقهائها الصادقين.

***

 د-صادق السامرائي

في المثقف اليوم