أقلام حرة

حشاني زغيدي: في حياض التربية العملية

حشاني زغيديكنت في عمر الفتيان، وقد ارتبطت حباتي بالمساجد، فأحسبه المدرسة الأولى التي أهلتني، وفتحت مداركي على التربية الصحيحة، تربية شاملة غير مجزأة، أذكر أن من كان يرافقنا في تربيتنا شيخي الإمام العالم الطاهر بالرابح بارك الله عمره، فكان يومها يشرف على حلقات العلم في مسجد أبي بكر الصديق في بلدتنا، فكنت أنهل بنهم وحرقة .

ومع ذلك العلم المتصل بمشكاة النبوة، كان يحبب لأنفسنا الخير ويحضنا عليه، من خلال البعد العملي. يحبب لنا الجنة بأسلوب فيه المتعة واللطافة وبأسلوب مرح.

يخاطبنا: " من يريد أن يجمع مهر الحور العين، بجمع له قمامات الأوساخ من المساجد؟ " فنسرع في تنظيف المسجد وتطيبه، كنا نفعل ذلك كل خميس،تحضيرا ليوم الجمعة، فكنا حينها نطير فرحا بتلك الواجبات العملية، ؛ التي كانت انطلاقتنا الأولى في العمل التطوعي الخيري.

يرافق شيخنا التدريب تأصيله الشرعي للعمل النفعي التطوعي بما ورد في تعيين فضل تنظيف المسجد في حديث نبوي أخرجه الطبراني وغيره من قوله صلى الله عليه وسلم: (ابنوا المساجد، وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله بيتا بنى الله له بيتا في الجنة، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين).

وقد مرت السنوات ومازال طيف تلك التربية يرافقنا رغم تقدم العمر، لنشارك في مشاريع التطوعية النافعة، وما أحوج شباب اليوم اقتفاء أثر شيوخ التربية، ليأخذوا بأيادي أبنائنا لطريق السعادة.

و لا يقتصر مفهومنا للتدريب العملي لتنظيف بيوت الله وتعطيره؛ بل يتجاوزها لمفهوم أوسع في النفع العام، ببناء مشاريع تطوعية نافعة، خصوصا والساحة تزخر بطاقات شبانية هائلة تنتظر من يؤطرها، فتشق طريقها من خلال الجمعيات النفعية كلا في مجالها وتخصصها، والمجتمع وفئاته تنتظر من يقدم لها خدماته، في أحيان أتعجب لحالنا حين أنظر إلى الكم الهائل من إطاراتنا التربوية يعيش البطالة بعد التقاعد وأبناؤنا محرمون من المرافقة والدعم والتوجيه، بل تجدهم رهينة دخلاء عن المهنة، يقدمون دروسا خصوصية بعيدا عن فنون التخصص، فما يمنع الجهات المختصة لتسند الدعم الدراسي والمعالجة التربوية لأهل الخبرة من أبناء القطاع في مدارسنا، تنشيطا لبرامج اللاصفية والمبرمجة في المناهج التربوية حبرا على الورق، وهو باب واسع للعمل التطوعي التعليمي .

و تظل المشاريع التطوعية مفتوحة المصارع، تستوعب المشاريع الصحية فكم من الأعوان في كل التخصصات لتؤطر الفعل التطوعي في الميدان لرعاية المحتاجين تأخذ بيد الشباب لتعلم خبرات جديدة تكون لهم دعما في مسارهم، تكون تلك الطاقات مرافقة للمؤسسات الصحية، لعل أفضل مثال نعيشه اليوم جائحة كورونا التي أربكت العالم كله، جعلت المؤسسات الصحية عاجزة للتكفل بالوضع الخطير لولا تضافر الجهود المجتمعية، هذا الوضع يحتم علينا أن ينظم في شكل مشاريع مرافقة لعمل المؤسسات تكون دعما وسندا .

أحسب أن ميدان العمل النفعي التطوعي لا يمكن تجاهله في البناء الحضاري لأمتنا، فكم من الشواهد حاضرة في تاريخنا المشرق لا يسع مقالي لذكرها أو عدها، إنما تكفي الإشارة لندلل على أهمية الموضوع، حاجة أمتنا لاستغلال الموارد البشرية والمادية المتاحة وضم لخدمة الصالح العام .

ليشارك الجميع في مشاريع النفع كسبا للأجر والمثوبة، نقبل على الخيرات نطرق بابها، نسهم مع الخييرين، نساعد المحتاجين الذين ينتظرون خدمتنا، نرافق الجمعيات التي تقدم الخدمات ندلل صعوباتها، نحمل معها بعض أعمالنا فالحمل ثقيل ولا يمكن لجهود المؤسسات والجمعية وحدها التكفل بذلك لولا تعاضد جهود الجميع .

 

الأستاذ حشاني زغيدي

 

 

في المثقف اليوم