أقلام حرة

ثقافة نشر الغسيل

لي صديق إعلامي يعمل مذيع أخبار، ذو أخلاق إنسانية ومهنية عالية، جمعتنا حوارات عن السياسة والمجتمع والدين، كيف هي رؤية داروين ومبدأ ماركس وقصة آنّا كارينا لتولستوي، وضمنها أيضاً دكاكين الإعلام وفوضى الإعلام الإلكتروني الذي أصبح ثقافة عامة قائلاً لي: احتاج احياناً أن اكتب تفاصيل عن نفسي واعبر عن ارائي واقول مايحلو لي.. إنها مايسمى " نشر الغسيل".. وبالفعل أن الواحد منا كثيراً ما لا تكون لديه المقدرة للبوح برغبة أو رأي أو حاجة أمام شخص أو جمهور لكنه سرعان مايضرب بأصابعه على (كيبورد الكومبيوتر أو الهاتف المحمول) ليكتب أكثر مما ينبغي، ليعبر عن رأيه كأنه أسد يجلس خلف الآلة !، فغالبيتنا نرغب بالحديث وليس مهماً ماهي طبيعة الحديث الأهم أن نخرج الكلام الذي في قلوبنا وداخل صدورنا لكي نشعر بالراحة وهذا ينطبق على الكلام في السياسة والدين والإقتصاد والمجتمع والناس، لكننا نجهل شيئاً مهماً وهو أخلاق الكلام وكيفية التعبير عنه وحدود القول .

لقد خلق الفضاء الإلكتروني حالات عديدة منها الإنفصال، الوحدة، التشويش، التضليل، الإنتماء لحياة الآخرين، فضح الناس بصورة أسرع والإبتزاز بصورة أكبر، وتفاهة أو ثقافة نشر الغسيل من نوع إنحطاطي جديد، فلا يغيب عنا أن جميع الشابات وبعض النساء ولا أخشى الوصف الجمعي لهنَّ (بالهوس الإلكتروني) الذي يصاحبه شيء من المرض النفسي بفقدان الثقة ومراقبة حياة الفاشينستات والبلوكرات والإعلاميات وماشابه، لتكون مثلها أو شبيهة لها، ماخلق لهن عقدة النقص والدخول في حياة افتراضية ليست حياتهن، فالشابة منهن تراقب ماذا فعلت الإعلامية همسة ماجد وماذا ارتدت شهد الشمري وكم يساوي ذهب جيهان هاشم ومع من ترقص عصفورة بغداد وأين سافرت هيفاء حسوني برفقة زوجها بكر خالد؟.. ولااستغرب هذا الكم من الإهتمام لأن بعض الشخصيات تحتاج أو تستحق منا معرفة أخبارها، لكن ما استغربه حين يتعدى هذا الأمر إلى لجوء الناس لصناعة صفحات ماتسمى (بيجات الكترونية) لوضع محتوى مختص بنشر اخبار الإعلاميين وعارضات الأزياء والراقصات، بل تعدى الأمر إلى الحصول على المشاهدات ورفع الإعجابات عن طريق بعض شخصيات الصدفة أو مايسمى (بالطشة) مثل سعدون الساعدي وهو يرقص على صمون أو بنين الموسوي وهي تتجادل مع أحدهم .. وغيرهم من حُصَّاد المشاهدات، وتحول الأمر من ثقافة مجتمع إلى تفاهة مجتمع للأسف .

فالصفحات الإلكترونية اليوم أسوأ من الصحافة الصفراء التي تبحث عن فضيحة أو خبر سيء لتحصد المتابعة، بل الأسوأ من ذلك أن جميعنا أصبحنا جنود للإعلام لكن الإعلام المُلَّوث، وهذا ماحدث مؤخراً لمشاهدتي مواقع وتعليقات كثيرة على قضية زوجة السفير العراقي والمطرب اللبناني راغب علامة، فقد أصبح علامة وإحتضان زوجة السفير له حديث الساعات والأيام والصفحات، والأهم من القضية هو أسلوب نشر القضية ومنحها الإهتمام المبالغ فيه لأن الصفحات تتعَمَّد نشر هكذا أمور لكي تحصل على المشاهدات وبالتالي فإن طبع الناس تذهب للفضيخة وتترك النصيحة مثلما كانت قضية إحدى النائبات العراقيات حديث الألسنة مع أحد الخليجيين في فيديو إباحي أطاح بسمعتها حينها، فإن قضية السفير وزوجته أطاحت بهيبتهم .. لكن القضية هذه تختلف تماماً، ومن دون النظر إلى جوانب الموضوع أريد طرح فكرة ولا أريد انتقاد الزوجة أو سلوك الناس بالرد .. بل ما أودُّهُ ذكر نقطتين هامتين الأولى أن الإعلام الإلكتروني أصبح اليوم تجارياً هدفه الصعود على فضائح وتحركات الشخصيات المشهورة أو المحبوبة، عن طريق نشر الغسيل وفضائح الغسيل، أما النقطة الأخرى هي أن الزوجة مهما أخطأت فجميع من انتقدها يخطأ وماارغب بقوله أننا جميعاً خَطَّائيّن لكننا لا ننظر لعيوبنا بقدر ما ننظر لعيوب الآخرين ونصُبُّ اهتمامنا بذنوب غيرنا لكي نصبح نحن الملائكة وهم الشياطين، فأنا لاأعلم لماذا حدثت كل تلك الضجة التي تصاحبها ملايين التعليقات من الشتم والسب والحقد والكراهية تجاه الزوجة وليس الزوج !؟ والأهم أن كثيراً من السياسيين العراقيين لايعرفون البروتوكولات والإتكيت وحدود المنصب السياسي، فلماذا الإستغراب؟ أم أن القضية تحوي إنتقاداً للمرأة لكي نصُب احقادنا المدفونة ضد كل إمرأة بحجة خطأ زوجة السفير؟ والغريب أن الناس اشتعلت من الغضب واشعلت المواقع الإلكترونية بصورتها دون أن تدرك أنه فعل مقصود وهذا ماردَّت به الزوجة تجاه الهجوم بكل جرأة قائلة: إنها حرة وتفعل ماتريد وليست مضطرة لإرضاء الناس .

بالنهاية سيكون الموضوع مثل زوبعة تدور وتأخذ ماحولها ثم تذهب لكن الأمر عاد بفائدة تجارية للبعض وكشف سلوك الكثير، أخلص إلى القول أن السياسة الإلكترونية تتعلق بثقافة البلد وخُلق الناس وذوقهم في التعامل سواء مع بعضهم أو تجاه قضية معينة وأرى أننا نحتاج الوعي الأخلاقي والمعرفي في زمن الإنفصال الإلكتروني والتصفيق للفضيحة والترويج للتفاهة ونشر الغسيل .

***

ابتهال العربي

 

في المثقف اليوم