أقلام حرة

فاضل الجاروش: ابن الراوندي بين الكُبرىٰ والصُغرىٰ‎

يقول ابن الراوندي: « يؤكد الرسول على قيمة العقل وجلاله، بينما في الإسلام فروض وشرائع تنافي قيمة العقل كالإحرام والطواف حول حجر لا ينفع ولا يضر، والعدو بين جبلين لا ينطقان، وما الذي يفرق بين الارتحال بين الصفا والمروة وبين الارتحال بين إي جبلين آخرين؟

***

بحسب فهمي أنه تناقض صارخ ومغالطة بينة لمن يعرف الف باء المنطق، فمن جهة يُثَّبِت الراوندي بأن الرسول صل الله عليه وعلى آله قد أكد على قيمة العقل وجلاله ومن جهة أخرى يدَّعي علىٰ الرسول بأنه يُنافي ما أثبته من تلك القيمة للعقل بدعوى أنه قد جاء بشريعة ليس فيها منطق العقل ودليله على ذلك بعض المصاديق العملية من مناسك الحج والتي لايرى فيها منطق العقل حاضرا وبذلك يخرج بنتيجة مفادها أن الشريعة التي جاء بها الرسول تناقض قيمة العقل التي دعى إليها والحال أن الأمر فيه كُبرىٰ وصغرىٰ فأن ثَبَت لديك أن من تتكلم عنه هو رسول من قبل الله فأن هذه هي الكُبرىٰ وكل ماسوى ذلك يقع في الصغرىٰ مما يبدو لك مناقضا للعقل لأنك بعد أن ثبت لديك حقيقة أن هذا رسول الله وأنه أكد على قيمة وجلال العقل فأن كل ماتراه متناقض مع العقل انما سيدل على انك انت لم تدرك عقلانيته ومنطقيته، لأنه ليس من العقل ولا من المنطق أن يكون من يؤكد على قيمة العقل وجلاله يُقدم للناس شريعة تناقض دعوته !! الا اذا كنت لاترى فيه رسول لله أو انك تظنه كاذبا والعياذ بالله ..

في الواقع أنه نفس التناقض الذي وقع فيه ابليس عندما احتج بعدم منطقية أو عقلانية السجود لادم ولكنه في الحقيقة كان يخوض في الصغرىٰ وهي مقارنة نفسه ب ادم عليه السلام وأنه قد خلقته من طين وخلقتني من نار وأن النار أعلى مرتبةً من الطين !! وقد غفل عن الكبرى وهي أنه قد أقر ابتداء بأن الله هو من خلقه من نار وهو من خلق آدم من طين، لذلك فأن مدار الأمر هنا ليست مقارنة النار بالطين وانما طاعة من خلق النار والطين وهذا ينبؤك أن إبليس هو لم يدرك منطقية الأمر الإلهي كما أن ابن الراوندي لم يدرك منطقية مناسك الحج وهي أن المدار فيها أيضا هو طاعة الله وليس مكان الطواف أو لماذا يكون السعي بين الصفا والمروة ولايكون بين جبلين ! أن هذا التنافي الظاهر بين منطق الخوض في الحيثيات والخروج بنتائج تناقض الكليات يجري يوميا ويعاني منه الكثير من الناس ظنا منهم بانهم يُغلِبون لغة المنطق والواقع أنهم يُغلِبون منطق ابليس من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون ..

***

فاضل الجاروش

في المثقف اليوم