أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (68): مجزرة الطحين، سردية من هو الشرير؟

عادة ما توصف الشخصية النمطية في السردية بأنها أحادية البعد وتفتقر إلى العمق. ومن هذه الشخصيات النمطية الشخصية الشريرة التي تجسد الشر والشيطنة. وفي سردية مجزرة الطحين التي وقعت على دوار النابلسي جنوبي غربي مدينة غزة حين حاول المدنيين الوصول إلى إمدادات إنسانية قبل أيام ادعى جيش الاحتلال أن ما حصل نتيجة التدافع والهجوم على المساعدات.

فراوي السردية هنا هو جيش الاحتلال الذي حاول رواية قصة حتم عليه خياله أن يسردها بقالب نمطي لم ولن يتغير تجاه الآخر"الفلسطيني". وهي قوالب جاهزة دائما في مخيلة وأجندات قادة هذه الدولة. فالأمر عندهم دائما يتعلق بالمجموعة الضعيفة من وجهة نظرهم.

وقد حاول الجيش من خلال سرديته المقولبة والنمطية تلك، أن يشوه الواقع الاجتماعي للمجموعة الاجتماعية "الفلسطيني" سواء على مستوى المدنيين أو مقاومتهم وعلى رأسهم القسام. حيث اتهم المدنيين بالهمجية والهجوم بتدافع على شاحنات المساعدات ما أدت إلى موتهم. وأن المقاومين من القسام أطلقوا النار على أولئك المدنيين بهدف سرقة المساعدات. وواصل سرده بأن أفراد جيشه الطيب أطلق النار في الهواء خوفا من إصابة المدنيين ثم اضطروا للتصويب على الأرجل فقط لحماية أنفسهم،  وهنا يصور الجيش نفسه "بالطيب" ويبعد عنه صورة المجرم والقاتل.

 وهذا الادعاء قد أظهر المدنيين ومقاومتهم بالشكل النمطي المقولب"الشرير". واستراتيجية "الشرير" استراتيجية استعمارية غربية بامتياز. ولينتبه هذا المحتل السارد الكاذب بأن الفلسطيني ليس ذلك الهندي الأحمر الذي صورته أفلام هوليوود بالمتخلف "الشرير" والهمجي الذي يسلخ فروة الأبيض "الطيب" المتحضر الذي جاء بالحضارة للقارة الأمريكية فاستولى على الأرض وأعطته مبررا لاحتلالها أمام ذلك الشرير.

ويبقى الأوروبي الذي سرق أرض الهندي هو ذاته الصهيوني الذي سلب فلسطين، فكلاهما مستعمر،  نتن وعنصري.

إلا أن الفلسطيني لم يسكت عن حقه منذ البداية بدءا من الاستعمار البريطاني الذي مهد الطريق لليهود للاستيلاء على فلسطين. ولن يسكت الآن، وهذا ما أثبته الفدائي الأول حين انطلق من غزة. واليوم يكمل مسيره المقاوم من الفصائل الفلسطينية على رأسهم القسام.

فماذا يتحتم على المتلقي لسردية مجزرة الطحين؟ هل يصدق المجرم الحقيقي ويضعه مكان الضحية؟ فيكون المؤلف قد قلب الأدوار مبررا للشرير الحقيقي جريمته؟ أم أن السحر سينقلب على الساحر وينقلب السيناريو لصالح الضحية؟

***

بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم