أقلام حرة

مزهر جبر الساعدي: قراءة متواضعة في فك الارتباط الاستراتيجي الاسرائيلي الامريكي

يرى بعض الكتاب والصحفيين والمحللين السياسيين؛ ان الدول العربية، او المنظومة الرسمية العربية؛ لم تعمل (كما عملت وتعمل اللوبيات الصهيونية) قبل عقود على  تأسيس مراكز ضغط لصالح العرب وقضاياهم وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لتشكل دعما للقضية الفلسطينية في الداخل الامريكي وفي مراكز صناعة القرار في امريكا. كما يقول البعض الاخر وفي ذات المسار والاتجاه؛ ان المنظومة الرسمية العربية؛ لم تعمل باستخدام ما هو متوفر لديها من ادوات الضغط؛ في فك الارتباط الاستراتيجي بين دولة الاحتلال الاسرائيلي وامريكا. ان كلا القراءتين على درجة كبيرة من الخطأ؛ طبقا لبنية النظام الرسمي العربي، وارتباطاته عربيا واقليميا ودوليا، وطبيعة العلاقة التخادمية الاستراتيجية بين اسرائيل والغرب. فالمنظومة الرسمية العربية؛ لم تُفعَل هذه الادوات حتى هذه اللحظة، على الرغم من المذابح الصهيونية والامريكية في غزة؛ فكيف يراد منها ان تعمل على تأسيس مراكز ضغط داخل امريكا لصالح القضية الفلسطينية، او حتى لصالح قضايا الشعوب العربية التي تحكمها هذه الانظمة، قبل عقود وعقود من الآن. او يعمل النظام الرسمي العربي؛ على فك الارتباط الاستراتيجي بين امريكا والكيان الصهيوني. غاب عن هذا البعض؛ ان هذا الارتباط الاستراتيجي، هو ارتباط له اصرة وجودية؛ دينية وكونية.. امريكا والغرب بصورة عامة؛ تنظر الى دولة الاحتلال الاسرائيلي كمركز متقدم لهما في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي؛ في رعاية مصالحهما في المنطقة العربية منذ لحظة زرعها في قلب الاوطان العربية، حتى الآن والى الامد البعيد، اذا لم يحدث تحولا استراتيجيا في المنطقة وفي العالم، لكن هذا التحول من الباب الثاني؛ سوف يحصل في المقبل من السنوات، بطريقة أو بأخرى؛ لأن حتمية تطور التأريخ؛ تفرضه فرضا. ان امريكا والغرب او البعض الاغلب من الغرب؛ يستخدما الكيان الصهيوني ودولته التي تحتل اراضي فلسطين، وما اقصده بالكيان الصهيوني ليس دولة الاحتلال فقط، بل جميع اليهود المنتظمون في مؤسسات صهيونية بعضها سرية، وأخرى علنية؛ وهي مؤسسات لها هيكل وشكل الدولة؛ في التنظيم والاهداف وسياسة تنفيذها، ووسائل تطويرها وتعميقها وتوسعتها، وانفاق تغلغلها في المجتمعات الامريكية والغربية والعربية والاسلامية، وبقية اصقاع الارض؛ تضم اليهود الذين يؤمنون بسرديات التوراة، والحركة الصهيونية، واطماعها في فلسطين وفي غيرها؛ في جوار فلسطين من الاوطان العربية، في امريكا وفي الغرب وفي جميع دول العالم؛ في تعزيز نفوذ امريكا والبعض من دول الغرب في المنطقة العربية وفي جوارها الاسلامي، وهو نفوذ وتمكيَن في داخل المجتمعات العربية؛ بعقول وأقلام وأعلام حرفي، منهجي، علمي، وشركات، يمتلكها، او يساهمون فيها يهود الصهينة، بأكثر من خمسين بالمئة، ليس بالضرورة يهود يحملون الجنسية الاسرائيلية، بل من امريكا ومن دول الغرب؛ يعملون على انتاج كتلة بشرية، تشكل مراكز تأثير ونفوذ امريكي وغربي وصهيوني غاطس، في المجتمعات العربية، اضافة بالعمل الدؤوب على استدامة وجودها المنتج في المجتمع الامريكي والغربي، والروسي. لقد لعبت دولة الاحتلال الاسرائيلي منذ زرعها في قلب الوطن العربي؛ ادوارا مركزية في خدمة المشاريع الاستعمارية الامبريالية في دول المنطقة العربية، وحتى في جوارها الاسلامي. فبعد تأميم قناة السويس، هذا التأميم الذي ضرب في مقتل مصالح بريطانيا وفرنسا؛ هاجمت الدولتان مع اسرائيل مصر في العدوان الثلاثي المعروف؛ خدمة لمصلحة القوتين الامبرياليتين الاستعماريتين، بريطانيا وفرنسا، هذا مجرد مثال فقط وهناك الكثير من الامثلة في كل تأريخ هذا الكيان الاحتلالي الاستيطاني الاستعماري، اذا ما وسعنا دائرة نفوذ دولة الاحتلال الاسرائيلي الى المشروع الصهيوني الذي يمتد نفوذه خارج اسرائيل الى دول الغرب وامريكا والى حد ما كل دول العالم، بما فيها الدول العربية ولو بالشكل الغاطس تحت الارض في الدول العربية، لكنه في ذات الوقت واضح كل الوضوح لكل ذي بصيرة، من خلال تأثيراته في الساحة السياسية والثقافية والامنية في دول المنطقة العربية، وحتى في جوارها الاسلامي. ان دولة الاحتلال الاسرائيلي التي تمثل الوعاء الوجودي للمشروع الصهيوني الكوني؛ تمثل جسر واداة امبريالية استعمارية امريكية وغربية؛ في خلخلة النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي في داخل كل دولة عربية تقريبا؛ من خلال تنمية وتقوية الخواصر الرخوة في داخل الكثير من الدول العربية، ودفعها للتمرد على النظام السياسي في تلك الدولة العربية او هذه الدولة العربية؛ مع تعطيل او وضع العراقيل امام أي حلول تُقدَم عليها هذه الدول؛ للتخلص من هذا التمرد أو ذلك التمرد، والتفرغ للتنمية. ان هذا كله في الدول التي تندفع لبناء اقتصاد قوي؛ وتنمية الموارد بعيدا عن الهيمنة الامريكية والغربية، بقرارات مستقلة في الاقتصاد والسياسية وما له صلة بهما؛ على طريق السيادة الكاملة، التي ليس في جسدها جروح. من المهم هنا الاشارة الى ان تلك الانظمة؛ تتحمل الوزر الاكبر؛ في اتجاهين اولا كونها انظمة دكتاتورية تحكم شعوبها او هي قد حكمت شعوبها بالحديد والنار. وثانيا عدم ايجاد حلول ناجعة؛ لإطفاء نار التمرد؛ بإعطاء الحقوق كل الحقوق بنية صادقة بلا لعب ولف ودوران؛ يفتح، أو فتح نوافذ التشكيك الذي تباعا وبصبر؛ حطم معابر السلام والاستقرار.. ان هذين الاتجاهين هما من فتح الابواب امام التغول الاستعماري الامبريالي الامريكي والغربي؛ بجسور واذرع صهيونية وان كانت تحمل في البعض من الحالات؛ الجنسية الامريكية او الغربية. وبالعودة الى مجازر الصهاينة في غزة؛ ان هذا العدوان الاسرائيلي على غزة وايضا بدرجة اقل على الضفة الغربية؛ له اهداف هي غير اهداف اسرائيل المعلنة. هذه الاهداف بالإضافة الى انها لخدمة التوسع الاستيطاني الاسرائيلي، فهي ايضا وفي ذات الاهمية الموازية؛ لخدمة مشاريع امريكا بالدرجة الاساس والغرب ايضا ربما بدرجة اقل، لكنها مع ذلك تقع على ذات المسارات. وما اقصده هنا هو طرق التنمية التي تكون فيها دولة اسرائيل حكما وضرورة جغرافية ملزمة، لابديل عنها، كمركز ثقل في هذه المشاريع التي هي تفكيرا بها وانتاجا لها؛ لمواجهة المشاريع الصينية والروسية في المنطقة العربية وفي جوارها.

***

مزهر جبر الساعدي

 

في المثقف اليوم