أقلام حرة

صادق السامرائي: نحن والتأريخ!!

الأحداث إبنة زمانها ومكانها، ومهما حاولنا فإقتراباتنا منها ستكون ذات نسبة من الخطأ، والأجدى التركيز على الحاضر والسعي للمستقبل، دون تفسير ما هو قائم بما مضى وما إنقضى في وعينا الجمعي.

الأمم تمر بأحداث متنوعة، فتتعلم منها وتتجاوزها، وتنهمك ببناء حاضرها، وفي القرن العشرين، جرت حروب شديدة وفي مقدمتها الحرب العالمية الأولى والثانية، والدول المنهزمة في الأخيرة كألمانيا واليابان وإيطاليا، بنَت حاضرها، وما تدثرت بما أصابها بسبب هذا القائد أو ذاك أو الفئة وغيرها، فالشعوب الحية تسير إلى الأمام ولا تثنيها المطبات.

وواقعنا الثقافي يزدحم بالمنشورات المأساوية الرثائية البكائية اللوامة، التي تجعل الأحداث الغابرة ذرائع  للتفسيرات والتعليلات والتأويلات والتبريرات، اللازمة للترقيد والتخميد والتجميد.

"ما فات مات، وما هو آتٍ آت..." قالها قبل الإسلام خطيب العرب المفوّه، قس بن ساعدة، وما تأملنا مواعظه، ولا نظرنا في نصائحه وحكمه العميقة، بل أن ما فات يعيش فينا ويحكمنا، ولا نؤمن بما هو آت، فالقهقري ديدننا.

الأمم بتأريخها عندما تستوعبه وتتعلم منه، وتأريخنا طويل وغني بالحياة، والأجيال تتجاهله، أو تغفله، ولا تعرفه، وتتوهم الهوان والإنكسار، وأمم الدنيا تحسدنا على تأريخنا، وتسودنا أمية تأريخية متوارثة، وعدوانية سافرة على وجودنا بأبعاده الزمنية الثلاثة.

وتجدنا أمام عدد من النخب الذين ينشرون السلبي المعادي للحياة الطيبة، ويستجمعون المفردات الخبيثة ويبثونها بين الناس، ويرجمون كل شيئ بحجارة الجهل والغفلان.

المطلوب مصابيح نخبوية منيرة، ومشاعل مضيئة، تساهم في وضوح الرؤية أمام الأجيال المتدفقة من الأرحام.

أما الكتابات النواحية، والعبارات البائسة، فرصاصات إهلاك وخراب لمعاني الوجود الإنساني القويم.

فهل لنا أن ننظر بعيون الحاضر والمستقبل، ونحدّق في مرآة الأمام؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم