أقلام حرة

علي حسين: مكتبة العطية وكنوز العاني

عرفت الباحث والتراثي والصحفي القدير جليل العطية كاتباً مهماً من خلال المؤلفات التي سجل فيها تاريخ أعلام النهضة العراقية،كما عرفته عن قرب مشغولاً بقضايا العراق ومسكوناً بالفكر المتنور ومهووساً بالكتب،لكن تلك الحصيلة من المعرفة والعمل الثقافي الذي استمر لعقود لم يشفع له بالحصول على مساندة جهة ثقافية رسمية تُسهل له نقل مكتبته النادرة من باريس إلى إحدى الجامعات العراقية أو إلى المكتبة المركزية، لكي ينتفع منها الطلبة.

العطية المشغول بأحوال مكتبته التي تضم تُحف معرفية توجه إلى الجهات الرسمية ليقدم لها المكتبة مجاناً، إلا أن معظم الجهات أدارت له ظهرها بحجة واحدة لخصتها عبارة تقول؛ "لا توجد مخصصات" تسمح بنقل المكتبة. وإذا عرفت عزيزي القارئ أن مخصصات أصغر مسؤول عراقي يذهب للنزهة التي يطلق عليها في بلاد الرافدين "إيفاد رسمي" تكون أضعاف المبلغ الذي يحتاجه جليل العطية لنقل مكتبته، ولا أريد أن أحسد مخصصات النواب والسادة الوزراء.

منذ سنوات أطرح على نفسي سؤالاً، أجوبته بالتأكيد معروفة؛ ما سبب إهمال الحكومات العراقية المتعاقبة لدور الثقافة، حتى أصبحت وزارة الثقافة خارج مطامح الكتل السياسية؟، هل لأنها وزارة لا يسيل لها لعاب المال السياسي؟. أو أنها وزارة بلا "خبزة" حسب التعبير المتداول عن بورصة الوزارات، حتى قرأنا أن إحدى الوزارات السيادية، وصل سعرها في سوق المضاربات أرقاماً فلكية.

ماذا يعني أن تقول مؤسسات رسمية إنها لا تحتاج إلى مكتبة أديب عراقي؟، الجواب على هذا السؤال يكمن في الجواب على سؤال آخر: مَن مِن الكتل السياسية لديها مشروع ثقافي؟ بالتأكيد المشاريع الآن كلها تتعلق بالمنفعة وبتقاسم السلطة وبتوزيع الكراسي.. ولو أجرينا استبياناً عن علاقة مؤسساتنا الرسمية بالثقافة والمثقفين لوجدنا أن نسبة كبيرة من المواطنين يرون أن نظامنا السياسي لا يشهد تحولاً ثقافياً حقيقيا أو لا يعير أهمية لموضوعة الثقافة لأنه يعتبرها نوعاً من أنواع الترف.. وقبل سنوات كان "العلامة" محمود المشهداني يرى في الثقافة نوعاً من أنواع الإلحاد الذي يجب أن نجتثه.

أنا أعتذر، لأنّ البعض يسألني دوماً، أليس لديك سوى الحديث عن الثقافة؟ ولا ذنب لي أيها السادة، فلست أنا من سرق أحلام مواطني هذا البلد بالتغيير الحقيقي، فأنا مجرّد كاتب يسطّر المأساة ويبحث عن نافذة للأمل، وكانت واحدة من هذه النوافذ ما قام به جليل العطية بتبرعه بمكتبته، رغم عدم تحقيق رغبته، وكان قبله قد تقدم الخطاط العالمي عبد الغني العاني مطالباً الجهات الثقافية بالحفاظ على مكتبته التي تضم كنوزاً فنية وثقافية، وكان الجواب أيضاً "لا نرى.. لا نسمع".

كنت قد كتبت عن متحف نجيب محفوظ في القاهرة، حيث بإمكان الزائر أن يشاهد الكتب التي كان يقرأها عميد الرواية العربية، في الوقت الذي تحول فيه بيت عميد الرواية العراقية غائب طعمة فرمان إلى مكب للنفايات.

***

علي حسين

في المثقف اليوم