تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

محمد سعد: مجتمع الاستهلاك وصناعة الإحباط!

في سبعينيات القرن المنقضي وفي محيطي الجغرافي الريفي والحضاري كان هناك تنوع في الإنتاج الزراعي والصناعي، في المجال الزراعي كان هناك تنوع في المحاصيل الزراعية النقدية مثل محصول القطن وبعض المحاصيل الأخرى. وكانت مدينتي تشتهر في أول مدخلها الشرقي مصنع الزيوت والصابون، ومصنع الغزل والنسيج، ومصنع الخشب الحبيبي. ومصنع الأسمدة الكيماوية. وفي نهايتها مصنع الألبان. للأسف مع بداية عصر الخصخصة تمت تصفية. معظم هذه المصانع. كذلك تخلينا عن المحصول النقدي من القطن، أدى إلى وقف إنتاج مصنع الزيوت الذي كان يعتمد علي بذرة القطن التي يقوم عليها صناعة الزيت. كذلك الإهمال المتعمد لتصفية هذه الشركات تم وقف إنتاج مصنع الأسمدة الكيماوية. كذلك مصنع الغزل والنسيج والخشب الحبيبي الذي اشتراه مستثمر هندي وقام بتصفيته وباع الأرض المقام عليها الأرض مباني، كذلك شركة الكوكاكولا ومحلج القطن. فأصبحنا مدينة استهلاكية حتى الانقلاب على الدورة الزراعية الثلاثية أضعف المحاصيل التي أصبحت تحتاج بكميات كبيرة من الأسمدة الكيماوية. بعد التغييرات التي حدثت على المجتمع الريفي من الهجرة إلى الخارج ، فأصبح الفلاح مستهلكا بعد أن كان منتجا، ويكفي قوت يومه من تربية الحيوانات والطيور والدواجن. وكذلك  مستهلك للطاقة حيث كان يعتمد علي  أعواد (قش الأرز والذرة والقطن علي طهي الطعام) وصناعة الخبز،  وأصبح مستهلك بكميات كبيرة من الأسمدة الكيماوية بديلا عن الأسمدة العضوية من روث المواشي بعد أن هجر المهنة فأصبح مجتمع كلة استهلاكيا...!

في مجتمع قائم على الاستهلاك ومهما كان مستوى دخل الفرد، فإنه يبقى دوما عاجزا عن تلبية كل رغباته... هناك دائما شيء آخر جديد أو سلعة جديدة يرغب فيها ويود شراءها... فتبقى الرغبة بذلك حي معلقة قد تحقق وقد لا تتحقق أبدا. وهذا يمكن أن يولد إحباطا... يمكن أن يتحول إلى إحباط شديد حينما يكون دخل فرد أو أسرة ما ضعيف أو في وضع من عدم الاستقرار.

يقول:- الكاتب (بوديرلان)

في كتابه \"مجتمع الاستهلاك:\" لقد أصبح العالم الآن لامعقولا، والإغراءات التي يفرضها علينا لا نهاية لها، وقد نتج عن ذلك أنه أصبح من الصعب تحقيق السعادة حتى بالمعنى المادي، نظرا لأن المجتمع الرأسمالي قد نجح في خداع الإنسان وإبقائه تحت وهم مطاردة السعادة دون بلوغها... فكلما أرضى الإنسان حاجة من حاجيات الاستهلاك إلا وخلقوا له حاجيات أخرى، لتظل السعادة في عالم العولمة مجرد طريدة وهمية يلاحقها الإنسان وكلما اقترب منها ابتعدت عنه. اليس من الأجدر أن نحذر من هذه السعادة الموهومة ،وأن نتركها فنستريح من عناء اللهاث خلفها...

إن المجتمع الاستهلاكي سبب رئيس للعنف وللمشكلات الاجتماعية، ولسوء الأخلاق، ولغياب القيم، وخاضتا بين الشباب المحبط نتيجة عدم القدرة على الزواج أو وجود فرصة عمل، فحين ينظر المستهلك، إلى أنواع المستهلكات المعروضة، بأبهى حلة، في وسائل الإعلام، وفي المتاجر، ومع غياب التربية الإيمانية  والقناعة أو ضعفها خلق جيل مادي بحت، يكون المستهلك أمام خيارين:

إن يلغي أوقات فراغه، ويتخلى عن تربية أولاده، ليعمل أعمالا إضافية لعله يستطيع تحصيل بعض مما تراه عينه ويترك حسرة في قلبه وقلب أسرته.

أو أن يسعى إلى كسب غير مشروع لتحقيق طلبات أسرته المتزايدة، وهما أمران أحلاهما مرا...!

وخلاصة الأمر أننا لن نستطيع التغلب على هذا المجتمع وتلك الثقافة إلا بتربية إيمانية خلقية يستعلي فيها الإيمان على المادة، وتنتصر فيها المبادئ والقيم على الأشياء، ويعلو فيها صوت القناعة والرضا على صوت اللهاث وراء السراب، والمهمة صعبة ولكن حسبنا أنها الحق، وأن الحق يمتلك قوة ذاتية قادرة على تحقيق ما نظنه مستحيلا، فالإنسان التائه بدأ يبحث عن شيء آخر تسمو به روحه، بعد أن عجزت المادة عن تحقيق راحته وسعادته...!

لذلك نحن  في زمن (زمن لا تشترون ما لا تحتاجونه، لكي لا يأتي اليوم الذي تبيعون فيه ما تحتاجون)...!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في علم الجغرافيا السياسية

في المثقف اليوم