أقلام حرة

نهاد الحديثي: تكريم المبدعين.. هل نحن امة تقدس الأموات؟!

فجعت الأوساط الفنية والأدبية اليوم بنبأ رحيل الشاعر كريم العراقي في إحدى مستشفيات أبو ظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة عن عمر ناهز الثامنة والستين بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان ،كما فجعت الأوساط الفنية برحيل الفنان الكبير ياس خضر

يقولون انـنا امة تقدس الأموات، امة تكره مبدعيها ولا تتنبه إلى وجودهم إلا بعد فقدهم، ويحارب كل مبدع سواء كان في الأدب أو السياسة أو الحكم أو الإدارة أو العلم فإذا ما مات يبدأ بالبكاء عليه وذكر حسناته –ولعلنا نتذكر دعوة المفكرُ العراقيُ الكبير "حسن العلوي"لتكريم الادباء والصحفيين والفنانين في حياتِهم وليس كما هو معتادٌ في العراق "يموتُ المبدعُ ثم يتمُ الإحتفالُ بهم بدون حضور رسمي حكومي!

نتساءل / لماذا لانعرف قيمة الانسان ألا بلحظة الوداع؟ ولماذا لانكرمه الآبعد وفاته؟ وهل اصبحنا لانحسن الظن بعضنا بالأخـر، ونكاد نتنافس على ابغض الاشياء وربما اتفهها!!

للاسف اليوم ترى المعاول ترفع لتهديم كل من يرتفع، يحاربون كل مجد أو شريف ونزيه أو مبدع، إنها السلبية التي تطبع سلوك العراقي". معللا بالقول بان الخلل يكمن في إن السلطة هي المحور في حياة العراقي على مدى عقود. هذا بعض الخلل أو بعض أسباب الخلل بيد إن طبيعة السلطة أيضا وأسلوب الإدارة ومن المسيطر على السلطة اليوم ترى في المؤسسات والوزارات السيادة والغلبة للجهلة والسراق. لدينا الآن منتحلو صفة وليسوا حقيقيين تدرجوا ووصلوا بسبب تزوير شهاداتهم وشراء مناصبهم. فكيف بنا إذن أن نصنع النجوم ونحن نحارب كل مبدع ولامع؟ صناعة النجوم تحتاج إلى بيئة تشجع الإبداع لا أن تهدمه، وتخيل حتى النجوم الذين تصنعهم ظروف حياتهم في الخارج والتشجيع الذي يلقونه هناك تراهم يتعرضون للتجاهل إن لم يكن للمحاصرة والتهديد بمجرد عودتهم إلى العراق ويتعرضون للتحجيم الكامل فتراهم يقفلون عائدين من حيث جاؤوا والى حيث يجدون التقدير الكامل لكفاءاتهم".

يقول احـد الحكماء يوعظ ابنه، (يابني اذا اردت ان تصاحب رجلا فأغضبه، فأن انصفك من نفسه فلا تدع صحبته وألا فاحذره)، فكم منا فقد عزيزا اختلف معه في الرأي وحلت بينهم القطيعة؟ وكم منا من تجافى عن الأخرين ونكر فضله عليه؟وكم حاسـدا لايروق له ان تبدع في اختصاصك؟ حتى نسـينا كلمة الشكر والتقدير تجاه الأخرين ولم يفهموا ان الحياة أخـذ وعطاء !!، نحن نريد قطارا لايتوقف، وعطاء لاينضب بعيدا عن روح التعالي وحب الظهور والاستهانة والتحدي بأنانية مع الأخرين، ونحن في ارجاء محافظاتنا العزيزة نمتلك كتابا وفنانين وادباء لانسمع عنهم قعقعة ولاعجين، انكفؤا دون معرفتنا للأسباب، ودون ان نكلف انفسـنا عناء قرع ابوابهم للتحية وبيان الاسباب؟! وربما ماورد اعلاه جزء من تلك الاسباب، وغياب التشجيع والدعم المحلي مكملا لها، وهنا نطلق دعــوة بضرورة تكريم الرواد في كل محافظة عراقية وان تتبنى مجالس المحافظات ووزارة الثقافة هذا الأمر سنويا، وان تلبي احتياجاتهم المادية والصحية .

الاديب الكبير الراحل توفيق الحكيم كان يخاطب طلبته (الدنيا مركبة زاهية الالوان، مذهبة الحواشي، مهمطة الخيول، سائقها الشيطان)، وعلينا اذن لانخشى تكريم المبدعين في حياتهم وليس بعد مماتهم، وعلينا ان نحطم الزجاج المانع ونعرض زهرتنا بلطف للشمس والهواء، وندع الاخرين يقرأون ويبدعون، فالارتفاع بالنفس الى القمة لايأتي بالاحلام والتمني، ولنتعلم ان نشكر الاخرين على اسنادهم وتشجيعهم لنا، وان نقف احتراما ووقارا لأساتذتـنا، وقبل ذلك الشكر لله، فذلك من فضله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

 نعم – كرموا المبدعين في حياتهم، تكريمهم واجب وطني على الدولة القيام به، وهو صفة من صفات المجتمعات المتقدمة، الإنسان يجب أن يكرم في حياته قبل مماته كما تعودنا في مجتمعاتنا، في المبدعون يحتاجون الى التشجيع لأن لهم مواهب تميزهم عن غيرهم.لذلك قال أحد الحكماء «كلمة مديح لي خير لي من الف كتاب يكتب بعد موتي»، لذلك نلاحظ ان اغلب الذين يتم تكريمهم أو تم تكريمهم من قبل الدولة من الأموات، فلماذا لا نكرم الموجودين على الحياة، بدلاً من تمجيدهم الماضي في كل أشكاله، ونرى ان اغلب المكرمين من الاحياء هم ممن وصلوا الى سن التقاعد من العمل، بعد أن انطفأ-ربما - أنتاجهم ونجوميتهم، وبالرغم من أن هذا التكريم الأخلاقي أو المادي فيه شيء من التقدير ورد الجميل ولكنه آتى متأخرا في أواخر حياة المبدع، لاننا نريد أبناء الجيل الحالي من الشباب ان لا ينسوا هذا المبدع، وان يتذكروه ولا ينسوا عطاءه، لأن هؤلاء هم أساس الحضارة الإنسانية، وروحها المشرقة، وهم القوة الفعلية لتطور الأمم عبر التاريخ.

***

نهاد الحديثي

في المثقف اليوم