أقلام حرة

صادق السامرائي: عاهة المديح الفاعلة فينا!!

المديح سلوك تسوّلي، عهدته مجتمعاتنا منذ أزمان بعيدة، حتى تبرمجت أدمغة الأجيال، وبتعاقب التكرار ترسخت هذه العاهة المرفوضة في معظم مجتمعات الدنيا التي تقدمت علينا.

النزوع للمديح  آفة خطيرة تصيبنا بأمراض سلوكية، فتجردنا من النظر الفاحص الناقد لما نقوم به، وننتجه من رؤى وتصورات وأفكار.

فالواحد منا فيه نزعة طاؤوسية وتحليقات فنتازية، على أنه يدري ويعرف، وبيده فصل الخطاب، ويتقلد ذروة الإبداع، والأوحد الوحيد، وفحل الفحول، وأمير كل شيئ إلا نفسه، التي أطلق العنان لما فيها من نوازع تطغى على وجه أيامه، وتحكمها بتطلعاتها المفلوتة.

وواحدنا لا يحتمل أن يقول له أحد فوق عينيك حاجب!!

وبسبب هذا التخندق في حفر الذات الداجية، تجدنا نتصادم ككرات البليارد، واللاعب فينا يهزأ ويتندر ويجني ما يريد، والكراسي تريد مديحا وتبويقا وإعلاما مضللا، وإطراءً وأكاذيب وإفتراءات تجعل الجهلاء علماء، والسفهاء حلماء، والفاسدين أتقياء وأولياء.

فيختلط حابلها بنابلها، وتعمه الأشياء ببعضها، وتتأسن الإرادات، وتتعطل الإبداعات الأصيلة، ويتردى كل مدّاح في عرينه، ويتأله الممدوح في عرشه، وتضيع التفاعلات الحية الواعية ، الواعدة بالأصيل المطلوب لصناعة الآتي الأقدر.

إنها حكاية متوارثة لها تداعياتها الخطيرة، فلو توقفت أبواق الكراسي عن التبويق، وصمت الفقهاء والخطباء، وامتنعوا عن التطبيل لمستعبديهم، الذين يتسولون منهم ما يعينهم على إدامة إفتراءاتهم ودجلهم وأضاليلهم، لإستقامت مسيرة الأيام وعرف كل كرسي قدره وقيمته ودوره.

إن المديح يصنع بالونات فارغة تعلو في فضاءات الغفلة والأوهام، وتفاجئ الناس بإنفجارها المروع وتحولها إلى عصف مأكول؟

فهل لنا أن نعي هذا السلوك المرير، الذي فعل فعله الشديد في واقعنا، وأحالنا إلى موجودات خاوية خالية من طاقات أكون.

وهل من جرآة على ترجمة: " إذا رأيتم فيَّ إعوجاجا...."

إنها إرادة أمة وصوت حق يبحث عن صداه!!

"ومشكلة معظمنا أننا نفضل أن يدمرنا المديح على أن ينقذنا الإنتقاد"!!

***

د. صادق السامرائي

3\9\2021

في المثقف اليوم