تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

بديعة النعيمي الحرب على غزة (34): أبادوا الكتب أيضاً

من خلال الكتب يتكلم التاريخ وبموتها يصمت..

عندما اجتاح المغول مدينة الحضارة الأولى بغداد بقيادة هولاكو خان أقدموا على حرق بيت الحكمة والذي يحوي الكتب القيمة في مختلف المجالات، كما ألقوا الكثير من الكتب في نهري دجلة والفرات وفتكوا بالكثير من أهل العلم والثقافة، فأخرسوا جزءا طويلا ومهما من التاريخ.

ولأن اليهود هم مغول وبرابرة هذا العصر فقد كادوا للكتب والمؤلفات الفلسطينية فبعد قيام دويلتهم على أنقاض أهلها الشرعيين، أقدموا على إبادة أكثر من ٢٦٣١٥ كتابا في شكل جديد وفتاك للتعامل مع الأملاك الحضارية. وامتازت هذه الأشكال بهدم منهجي للحضارة والكتب والمكتبات، وهذا الهدم لم يكن عن عبث أو أنه غير مقصود، بل نستطيع القول أنه نتاج مبرمج للاحتلال والشراسة السياسية وجزء لا يتجزأ منه.

ففي بداية حزيران من العام ١٩٥٧ عبر مدير قسم مستودعات الكتب اليهودي للسيد سلمون مدير قسم المعارف العربية في ذلك الوقت عن أسفه جراء عدم السير قدما في" إبادة الكتب العربية.. وفي غضون ذلك انتهت مناقصة المحاسب العام لبيع نفايات الورق ولذلك تستطيع السير قدما" انتهى قوله..

 وهنا وردت كلمة إبادة الكتب وهي كلمة بربرية تغتال ذاكرة شعب بل حضارته وتاريخه. وهذا ما سعت وتسعى إليه دولة الاحتلال لإلغاء الآخر وإحلال شعبا آخر لا جذور له مكانه.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ دمر القصف اليهودي البربري أكثر من ٧٠% من المكتبات العامة والخاصة في القطاع. فمثلا قام العدو بقصف مكتبة بلدية غزة ولم يسلم أي من كتبها أو مقتنياتها التاريخية من القصف. حيث كانت المكتبة مؤلفة من ثلاث طوابق تضم عددا كبيرا من الوثائق التاريخية ومجلدات تحتوي على صحف فلسطينية قديمة. كما تم تدمير الأرشيف المركزي للمدينة التابع لبلدية غزة والذي كان يحتوي على وثائق تاريخية مهمة جدا يتراوح عمرها ما بين مائة إلى مائة وخمسين عام. كما أقدموا على قتل عشرات علماء ومفكري القطاع.

كما لا نستثني المدارس بمكتباتها ومستودعاتها التي تحوي آلاف الكتب سواء التعليمية منها أو تلك التي تمثل جميع المجالات سواء الأدبية أو الفلسفية وغيرها. فنقلا عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية قالت بأن قصف طائرات الاحتلال أتى على ٢٨١ مدرسة حكومية و ٦٥ مدرسة تابعة لوكالة الغوث (أونروا). وبذلك يكون قطاع التعليم بمكتباته وكتبه أحد ضحايا الإبادة لهذه الحرب.

فإذا افترضنا إعادة إعمار المكتبات والمدارس، كيف سيعاد ما أبيد من كتب إلى رفوف المكتبات الجديدة؟.

***

بديعة النعيمي

 

في المثقف اليوم