أقلام حرة

علي حسين: فائق حسن يعود إلى بغداد!

أخيراً استعادت بغداد ترميم ذاكرتها، مدينة سكنية باسم الجواهري، ومكتبة تضم تراث نازك الملائكة ومقتنياتها الشخصية وكتبها ودفاترها، فيما الوزيرية تتباهى بإطلاق اسم فائق حسن على أحد مجسراتها. أشهر فنانيها وأشهر عشاقها وأشهر معالمها الثقافية. الفنان الذي أوصى أن يُذر رماده فوق نهر جلة، فيما نجد اليوم سياسيين ومسؤولين ونجوم فضائيات يتباهون بأن حبهم لبلدان الجوار يتقدم على العراق.

هذه البلاد التي يريد فيها جبار المعموري أن يزوّر التاريخ لمصلحته، ويرفع نجاح محمد علي اصبعه مهددا ومتوعدا، أنجبت الجواهري والرصافي والسياب وجواد سليم وعبد الله كوران وكوركيس عواد وعلي الوردي وطه باقر وجواد علي وهادي العلوي وسانحة زكي والكرملي وعاتكة الخزرجي والعلامة محمد رضا الشبيبي.. مصابيح للوطنية، لم يكن أحد منهم جزءاً من لعبة دول الجوار، صنعوا بإخلاصهم وتفانيهم تاريخاً زاهراً لهذه البلاد، ومثلما لا يمكن أن تتخيل روما من دون دافينشي وهولندا من دون رامبرانت، وإسبانيا من دون بيكاسو، وروسيا من دون شاغال، فإننا لا يمكن أن نتخيل بغداد من دون جدارية فائق حسن حيث فيها تطير الحمامات.. وفيها يقول العراقي: إننا سنبني المدينة ".

أعاد إلينا اسم فائق حسن سيرة مدينة بغداد التي غنى فيها محمد القبانجي بصوته الساحر:" دوما أنادي تحيا بلادي.. أنا المغني بنغمة شرقية.. أنا العراقي نفسي أبية". بغداد التي تعبق بألوان جواد سليم وعطا صبري وفرج عبو وحافظ الدروبي، وليلى العطار، المدينة التي أراد لها جيل فائق حسن أن تزهو بألوان الفرح، ولم يكن يدور بخلده يوماً أن يُصر البعض على أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا.

عاش فائق حسن مغرماً بما يرسم، يعتقد أن الفن والثقافة سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، ومجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يسرقونه في وضح النهار، عاش أسيراً للعراق لذي عشقه، متنقلاً في مدنه، يوثق لحظات الفرح والحزن. لم يكن فائق يُدرك أنه سيوحد العراقيين في لحظة عصيبة من تاريخهم وهم يقرأون اسمه أمس في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن عيونهم ستدمع وهم يسمعون أن اسمه سيزين واحدا من  أجمل احياء مدينتهم.

مات فائق حسن قبل أكثر من 30 عاماً بعد أن أثقلت حياته الأفراح والمسرات، اختبأ وراء جدران الفن، لكن جداريته ظلت تطل علينا كل يوم توزع الآمال وتحيي الشجن في القلوب والعيون.

نكتب عن فائق حسن ونبحث معه عن الذين صنعوا لنا الفرح، لأن امثال المعموري ونجاح لا يجلبون لنا سوى الهم الغم.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم