أقلام حرة

علي حسين: العراق الحلو

يُعرف عن كرة القدم أنها لعبة تُقسم الناس، وتجعل منهم فرقاً وأحزاباً كل منها يتمنى الفوز، لكنها في العراق تفعل العكس حيث توحد الجميع، وتتحول المدن إلى كرنفال رياضي، يتابع الناس فيها سحرة الكرة الذين طغت أخبارهم على أخبار السياسيين وبيع المناصب ةتخوين المواطن المغلوب على أمره، ووجدنا من يهتم بالكرة أكثر مما يهتم بتغريدات "البروفيسورة" عالية نصيف عن النزاهة والإصلاح وتقلبات محمود المشهداني من الكوميديا الى التراجيديا .

يحسب لمنتحب العراق الوطني، أنه كشف لنا حجم المحبة التي يحملها العرب لأشقائهم العراقيين، وكيف تحولت القنوات الرياضية الخليجية إلى كرنفال يتغنى بحب العراق، فلم تعد تعني هذا الشعب خطابات التحريض وتغريدات الانتهازيين وتخويفهم من كل ما هو عربي . في واحدة من المشاهد المثيرة التي تعرضها الفضائيات شاهدنا مشجعاً اسمه " رسول" الدموع تنهمر من عينيه وهو يتحدث عن العراق الحلو، القوي، الذي كما وصفه " لن يصبح حايط نصيص أبداً "، وربما فات الشاب رسول أن بعض اعضاء برلماننا الموقر يتمنون أن يبقى العراق "حايط نصيص" مرة لصواريخ طهران ومرات طائرات أنقرة . على الشاشة تظهر سيدة عراقية لم تتمالك دموعهاعندما ذكر أمامها اسم العراق، وهي تردد: " أفتخر لأنني عراقية " .

إن أحد أهم ثروات الشعوب الحية هي ثروة الثقافة والفنون والرياضة، إلا أن البعض لا يريد أن يتذكر مؤيد البدري وثقافته وابتسامته، ويصر على أن يجعل من حكيم شاكر نموذجاً يسيء من خلاله إلى روح الرياضة المتسامحة والمتسامية .

ما تحقق في قطر ليس مجرّد فوز بمباريات رياضية، كما أنه ليس فقط احتفال بفريق لكرة القدم، وإنما نحن أمام إنجاز وطني للذات العراقية التي قرّرت أولاً أن تؤمن بقدراتها، وثانياً أن تستخرج هذه القدرات التي أريد لها أن تختبئ تحت ركام الطائفية والخراب .

وأنا أنظر إلى الوجوه التي انمحت منها علامات الطائفية والمذهبية.. وجوه تعيد اكتشاف جوهر هذا الشعب.. وجدت نفسي أمام مواطنين بسطاء يريدون أن ينفضوا عن هذا الوطن غبار الطائفية والمحسوبية والانتهازية، ولعل أجمل ما في هذه الوجوه أنها أثبتت أننا شعب لم لم يفسد رغم محاولات البعض إفساد مناخ الألفة فيه .

في كل بطولة يجعلنا المنتخب العراقي نعشق كرة القدم على طريقته الخاصة، نعشقها لأنها رياضة المحبة، لا صناعة السياسيين.. نحبها لكونها وفرت مساحة من الطمأنينة والصدق مارس من خلالها الناس حق الفرح والأمل، وسط بيئة عربية محبة للعراق، تؤمن أن هذه البلاد تستحق كل ما هو جميل ومميز.. ألم يصرخ المشجع رسول بأعلى صوته: "العراق حلو ياجماعة"؟.

***

علي حسين

 

في المثقف اليوم