أقلام حرة

صادق السامرائي: إبداعنا المنحرف!!

ما أكثر الشعراء في بلادنا!!

فالكل شعراء!!

نسمع ذلك ويتكرر كثيرا على الالسن،  وربما تساءلنا لماذا يكثر الشعراء في بلادنا؟

إنّ الشعر إبداع وخلق وتصنيع للأفكار وصبها في قوالب الشعر ولوحاته المرسومة بالكلمات.

فالإبداع رفيق الشعر، وكثرة الشعراء تعني كثرة المبدعين، ولكن لماذا ينحصر الإبداع في الشعر أكثر من غيره؟

يبدو أن  الإنسان الذي يعيش على مر العقود في حالة حصارٍ وإنضغاطٍ داخلي وتكبيل لقدراته وطاقاته، وتجميد لأفكاره وتطلعاته، لا يجد منفذا أفضل من الشعر لسكب ما عنده من الأفكار والإبتكار.

فالواقع خانق مانع، وتتوفر فيه عوامل إنحباس كبيرة، تنامت في عقود النصف الثاني من القرن العشرين، لذا رأينا تنامي عدد الشعراء، بالقياس إلى عددهم في النصف الأول منه، حيث كانت تتوفر مساحة من حرية التعبير عن الطاقات الإبداعية والإبتكارية.

إن إقامة الموانع والمصدات أسهمت في إنحراف الطاقات وإنحسارها في زاوية الشعر، لأنه صار الفضاء السليم لإستيعابها، للذي لا يجد المجال للتعبير عن أفكاره الصناعية والإقتصادية والزراعية والعمرانية وغيرها من أفكار العصر ومتطلباته، لأنه موضوع في صندوق الوطن، الذي تحول إلى مستنقع خانق طغت فيه الدماء على الماء.

فزيادة عدد الشعراء يتناسب عكسيا مع حرية التعبير عن القدرات والطاقات والظروف المواتية لتنميتها،  ويعكس حالة التأخر السائدة في المجتمع.

وعندما تتوفر الفضاءات الإجتماعية اللازمة للنماء الإقتصادي بجميع إتجاهاته، فعدد الشعراء سيقل وسيتحرك المجتمع بإتجاه المواكبة والتفاعل المعاصر مع الآخرين.

فظاهرة كثرة الشعراء تعني أن الطاقات البشرية تسير في غير إتجاهها الصحيح، وأن البلد في حالة إنحسار وتمزق وإندثار وتراكم مقاساة وتنامي معاناة وهموم.

ولا يعني هذا تقليلا من شأن الشعراء ودورهم الثقافي، لكنه يشير إلى ظاهرة إنحراف إتجاه الطاقات الحضارية المعاصرة.

فأيهما أفضل للمجتمع أن يوظف الإنسان طاقاته في إنتاج مادي نافع، فيه جدوى إقتصادية وإختراعية مؤثرة أم أن يوظفها في كتابة الشعر؟

إن المجتمع مطالب في هذا الوقت أن يتنبه إلى توفير الآفاق اللازمة لإستثمار الطاقات الفوارة، لتحقيق الربح الإقتصادي والعمراني والبناء الشامل للوجود الوطني في كل مكان.

ومن غير رفع الضغط وتحطيم جدران الحرمان وأسبابه، ومفرداته السيئة وما يترتب عليها من حاجات يومية قاهرة، لن نصنع التقدم والحياة الأفضل، وسنبقى ندور في دائرة مفرغة  تنتج كلاما لا يمنع من برد ولا يطعم من جوع.

فهل سنخرج من خنادق الكلام إلى ميادين العمل والجد والإجتهاد، وإحترام الأفكار وإستثمارها للتعبير الأمثل عن القدرات الخلاقة الكامنة في بلادنا.

وهل سيكون كلامنا مخبرا عن عمل أنجزناه لا مجرد مداد على لوح الفراغ!!

***

د. صادق السامرائي

24\10\2018

 

في المثقف اليوم