أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (50): لعبة الموت

عادة ما يتم إخلاء المدنيين من أرض المعركة عندما يكون المتحاربون جيوشا نظامية. لكن الوضع في غزة خاص ومختلف، فالحرب بين جيش وأعضاء حركة. وأرض القطاع جميعها مباحة لقصف جيش الاحتلال. والمعابر مغلقة أمام سكانه وليس أمامهم في هذا الحيز المغلق المكتظ سوى خوض لعبة الموت مع صواريخ وقناصي جيش الاحتلال ومرتزقتهم.

والمدني هو شخص غير عسكري ولا يشترك مباشرة في القتال. وسكان غزة عزّل وليسوا أهدافا عسكرية مشروعة، ففي المعارك الطبيعية هنالك التزام بإخلاء المدنيين من أرض المعركة وتأمين ممرات ومناطق آمنة لهم، ويعتبر تعريض غير العسكري عمدا للخطر انتهاكات لقوانين الحرب. ويجب على قادة أي حرب أخذ مشكلة وجود المدنيين في منطقة الحرب عن طريق تحذيرهم، وقد يتم ذلك بإسقاط منشورات أو إطلاق بلاغات بمكبرات الصوت أو في الإذاعة لكن في غزة نجد أن القصف عشوائي ومفاجئ وانتقامي وجنوني، الهدف منه القتل والإبادة، فالصياد لن يتجنب فريسته في لعبة الموت، ولن يحذرها لأنها باتت هدفا له، يتعطش لدمه، يلاحقه حتى بعد موته. في غزة لا قوانين تطبق على الصياد ولا محكمة تنقذ الضحية، فالجميع متآمر ومتواطئ.

والمنطقة الآمنة تعبير غير رسمي، يغطي تنوعا واسعا من محاولات إعلان مناطق خارجة عن حدود الاستهداف العسكري. حيث تهتم اتفاقية جنيف الرابعة لعام ١٩٤٩ والبروتوكول الإضافي الأول لعام ١٩٧٧ بثلاثة نماذج هي ١- مناطق الاستشفاء ٢- المناطق المحيدة (الآمنة) ٣- المناطق المعزولة من السلاح. وترتيبات هذه الاتفاقية تتطلب اتفاقا بين الدول المتحاربة. ولما كانت الحرب على غزة حربا غير متكافئة كما قلنا فهي جيش ضد حركة، فالسؤال هل تنطبق هذه المعاهدة عليها؟ ام أنها استغلت هذا الوضع لممارسة لعبتها القذرة؟.

والمتابع لمجريات الحرب لا بد بأنه شاهد أو قرأ ما قام به جيش الاحتلال في بداية كانون الأول ٢٠٢٣ حين وجه دعوات لسكان القطاع بالتوجه إلى منطقة الجنوب باعتبارها منطقة آمنة مع تعهدات مسؤولين في الجيش بعدم مواجهتها..لكنهم كذبوا، فوسط البرد والجوع وانعدام المأوى، قصف وموت بل وإبادة. فعن أية مناطق آمنة يتحدثون وأي أمان يدعون والقطاع كله بات على فوهة بركان من الموت؟ وخير شاهد على غدر العدو شارعي صلاح الدين والرشيد الساحلي الذين غرقا بدماء الشهداء وجثامينهم وقت نزوحهم إلى الجنوب بسبب القصف الغاشم.

وها هي الأمم المتحدة التي صممت على مقاس دولة الاحتلال والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من الدول العظمى تصرح ومنذ بداية الحرب أنه "من المستحيل إنشاء ما يسمى بمناطق آمنة يفرّ إليها المدنيون داخل قطاع غزة وسط حملة القصف "الإسرائيلية"".

كما قال الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة"يونيسيف" "جيمس إلدر" للصحافيين في جنيف "إن ما يسمى بالمناطق الآمنة غير منطقية وغير ممكنة، وأعتقد أن السلطات على علم بذلك".

فأين الأمان وغزة اليوم وهي على أبواب الشهر الخامس من الحرب الفاشية عليها وصرخات الأطفال تدوي في خيم النازحين تطالب الأهل بكسرة خبز وشربة ماء؟

***

بديعة النعيمي

في المثقف اليوم