أقلام حرة

بديعة النعيمي: الحرب على غزة (58): تكميم أم تواطؤ

الشيء الطبيعي فيما يتعلق باللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تتسم بالإخلاص لمبادئها التي تمنعها من التحيز في النزاعات الداخلية أو الدولية. وفي حال انتهاك القانون الدولي الإنساني يتحتم عليها أن تتخذ الإجراءات التي تهدف إلى إنهاء حالات الانتهاك ومنع وقوعها. ومن هذه الإجراءات على سبيل المثال، الملاحظات الشفوية أو التقارير المفصلة من قبل رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر الموجّهة إلى الدولة المنتهكة للقانون الدولي الإنساني. وفي حال رأت أن هذه الانتهاكات خطيرة ومتكررة فإنه يتوجب عليها أن لا تتوانى في إبداء رأيها علنا وتطلب إنهاء الانتهاكات وخاصة عندما تكون قد خرقت القانون الدولي الإنساني. فكيف عندما يكون هذا الانتهاك بشكل علني، فاضح يتم لا أمام هذه اللجنة فقط بل وأمام هذا العالم أجمع.

لكن ما رأيناه من هذه اللجنة في حرب وعدوان دولة الاحتلال على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ هو موقف صادم في الحقيقة وعار من الإنسانية. وبالفعل فغزة أسقطت الأقنعة التي تقنعت بها وجوه ادعت المثالية والإنسانية على مستوى دول وأشخاص ومنظمات ولجان وقوانين بل ووصلت لتسقط هذا القناع عن جينات الأخوة، فأثبتت زيفها وكذبها وأنها ليست إلا جينات صهيونية بامتياز.

وسأطرح مثالا واحدا من عشرات أثبتت الموقف السلبي تجاه غزة وتواطئ ليس له مثيل مع دولة الاحتلال المعتدية والظالمة. فمع بدء الاجتياح البري على شمال القطاع كان مجمع الشفاء الطبي هدفا رئيسيا له. حيث تعرض للقصف من جيش الاحتلال فقصف هذا الجيش ألواح الطاقة الشمسية ومولدات الكهرباء. كما فرض على المجمع حصار كامل ومنع دخول الإمدادات الغذائية والطبية للمحاصرين بداخله من كوادر طبية وجرحى ونازحين. وهنا لم نرى لجنة الصليب الأحمر قد تحركت لتقوم بدورها الإنساني، بل لقد رأيناها تبرر صمتها المتعمد "بعدم وجود التنسيق مع الاحتلال". عذر أقبح من ذنب!

كما أنها قد غابت بشكل كامل وقت إطلاق الصرخات والمناشدات من قبل الطواقم الطبية بهدف التنسيق من أجل إخلاء الأطفال الخدج، عندما قرر جيش الاحتلال الإخلاء القسري لمجمع الشفاء. فوضعت في الأذن الأولى طين وفي الثانية عجين وتجاهلت كل ما ما سمعت. بالرغم أن من الإجراءات التي يتحتم عليها تطبيقها لإنهاء الانتهاكات الإنسانية الخطيرة هي تلقي ونقل الشكاوى. فما الذي فعلته هذه اللجنة التي تدعي الإنسانية غير التواطئ مع دولة الاحتلال عن قبول ورضا؟ فما أقبحها من إنسانية!

والأمثلة كثيرة ومعقدة على التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبتها هذه اللجنة من عدم القيام بأي إجراء من تلك التي يحتمها عليها القانون الدولي الإنساني. لكن لا غرابة فحتى القانون الدولي الإنساني سقط في غزة وسقط معه الصليب الأحمر ومن هنا فإن كل طفل في غزة يوقع على عريضة مفادها إضافة لجنة الصليب الأحمر إلى رؤوس الشيطان التي تتواطأ محبة ورضى مع دولة تعشق دم "الأغيار".

ولا غرابة أيضا مما يحدث ما دامت الأنظمة التي تحكمنا أنظمة كسيحة أخلاقيا وإنسانيا جبانة وذليلة تتحكم بشعوب مدجنة عاجزة عن صنع الحرية.

***

بديعة النعيمي

في المثقف اليوم