مقاربات فنية وحضارية

الفنان التشكيلي محمد الشاوي والرؤية الفلسفية للعالم

mohamad alshawiهي لوحات وأشكال  نحتية تستحق الوقوف لها والاعتبار بملامحها اللونية واللغوية.  الفنان والباحث محمد الشاوي أسس نفسه بنفسه وطرح في لوحاته أسلوباً فلسفياً في معالجة فكرة: كيف يرى العالم من خلال اللون.؟ جميع الفنانين الأكاديميين وغير الأكاديميين علينا أن نهتم بهم وتحديدا كل من يعمل في الفن التشكيلي أيا كان طريقه الذي يسير عليه. الفنان التشكيلي هو الذي يأتي بثمار المعارض، كانت نحتا أم تصويرا زيتيا أو من رسومات، وحليٌ... إن منتجات الفنان هي التي تتحدث عنه أيا كان مقامه الاجتماعي والدراسي.  

يجب القول إنَّ الفنان الشاوي فنان شجاع لأنه يواجه أشد الصعوبات الزمنية والاجتماعية ومع هذا يطرح منتجاته . فمن يعرف الفن التشكيلي، يعرف مصاعب العرض، وخاصة لسبب اهمال الثقافة لدى المسؤولين . بغض النظر عن الأزمة الاقتصادية العالمية وأزمة الفن التشكيلي الخاصة وعدم تجاوب الجمهور مع مطالب الفن التشكيلي. مع كل هذه المصاعب يغامر الفنان الشاوي في عرض تصميماته الفنية،  وهذه شجاعة تستحق الاعتبار والتقدير . ولم يقف للحواجز التي توضع أمام الفنان.

لم يأت الفنان الشاوي ليحتل مكان الأخرين، لم يأت بأعمال ومنتجات مسيئة للنظر والبصر والفكر؟ ولم يقدم أشياء تقليدية أخذها من تجارب زملائه، بل جاء بلوحات من تصميم نفسه، ممكن أن تنال أو لا تنال إعجاب الجميع؟ هذا يبقى غامضاً حتى ولو كان الفنان أكاديميا؟

149 mohamadalshawi2

هل توجد قواعد قانونية تقول إن الفن التشكيلي فقط للأكاديميين؟

هل يعتبر أحدا منا أن الفنان المتأهل فقط هو الفنان المبدع؟ مازال اعتقادي واعتباري أن التأهيل والتقليم للفنان يأتي من الدراسة الكاديمية ولم أنس أن الاكاديميات لهم مهمة هامة في تعليم وصنع الاساليب وفي تهذيب من لهم هبة في الفن . لكن مهمة اكاديميات الفن التشكيلي تختلف عن حال الرياضيات، وعلم الأحرف . كلنا يؤمن ان أهم مادة للفن هي فكرة الانسان، والانسان المبدع في الفن التشكيلي هو الذي نقول عنه فنان، وهناك فرق كبير بين الرسام والفنان. الرسام يرسم الاشياء الموجودة التي أمامه، أي  أنه لم يأتي بشيء جديد. بل الفنان هو الذي يأتي في التطوراللوني البصري والفكري. هذه هي المادة الأساسية، وبعد ايجاد هذه المادة تستطيع الدراسات توجيه الاصوات للمطربين، والهيكل للممثلين وتعطي التدريب لاصابع الفنانين.

اسمحوا أن أقول ماهو الفن التشكيلي بوصفه نظرية؟

لا يوجد  اتفاق تاريخي بين المؤرخين والفلاسفة والفنانين عن صيغه فكرية متفق بها بين الجميع. ولو سألنا الجمهور، أي أسلوب  فني أفضل من الأخر؟ أيضاً  لن نجد اتفاقاً كاملاً، بل يبقى حسب رغبة كل فرد على حدة. يقول الفلاسفة والفنانين عن الفن، ومنهم Adolf Loos :  "الفن هو حرية الفنان المبدع" . ويقول الفنان،Marcel Duchamp: "إن الفن هو الفكرة. ويقول الفنان والفيلسوف Jean Dubufett :

149 mohamadalshawi1

"الفن هو لغة التجديد والحداثة".

هؤلاء من طلائع الفنانين وألقوا الاضاءة لنا مشيرين، أن الفن هو حرية الابداع، والشيء الهام في كل لوحة تكون الفكرة، وأن  الفن هو لغة الحداثة والتجديد. فكيف نحكم على عدم استقبال ورؤية اعمال الفنان الشاوي اذ لم نقف الآن أمام لوحات الفنان محمد  الشاوي، الذي أسس نفسه بنفسه. هل إنه لايستحق وقوفنا.؟ هل هذا لايتجاوب مع تقديرنا النقدي؟ ام نقول إن كل من حاز على الشهادة الاكاديمية هو الوحيد فنان مبدع، وما تبقى ليس له اعتبار؟

وأنا  أقول بأن الجمال ليس أسلوبا واحدا وأخاف من يظن أن  الأسماء لها صلاحية في الابداع. مارأي المستمعين لو قلت لهم إن الفنان فان جوج لم يسمحوا له انشاء اي معرض في حياته، لأن النقاد  في زمنه رفضوه وتخلوا عنه في الكتابة وقالوا هذا لايستحق ان يكون فناناً؟ فقط لأنه لم يكون أكاديمياً؟ لا أعتقد  هذا أيضاً، أم لأنه جاء بأشياء جديدة، أم لأنه كان شاباً ؟ أختلفُ كل الاختلاف عن هذا المبدأ الذي يجعل من الأكاديمين أولياء، فأقول عندما ننظر إلى  اللوحات في أي مكان كان،  ننظر إلى المحتوى الذي يوجد على سطح القماش، أو على الورق، أو في نوعية العمل المنحوت، ننظر إلى العمل قبل أن ننظر الى الأسماء، ولو كانت اسماء هامة؟ أيضاً لن أرض بأن يقول الشباب إن أصل الحداثة والابداع يأتي فقط من الشباب؟  لا ثم لا، إن فقدنا تقدير المخضرمين الذين سبقونا في العلم والانتاج، وحافظنا على التعصب الفكري فأننا لن نصل الى النجاح. كل افراد العائلة لها نفس الاهمية كي تكون عائلة، الفنان الاكاديمي المخضرب هو استاذ هام نتعلم منه ومن تجاربه كلها. والفنان الشاب الذي نستقبله ونعطيه التوجيه،هو الذي يحمل مشعل الاضاءة الثقافية، فان كنا هكذا؟ هناك نحصل على موسم هام.

بوسع كل منا أن يطرح أفكاراً من مختلف نظريات الفلسفة، لكن ليس وجودنا لأجل توسيع المسافة بين العائلات التشكيلية بل إننا نعالج ازالة الشوائب وازالة الاشواك التي تبعدنا عن مساهمة الجميع وعن تقدير كل الاتجاهات، جاءت هذه من الشباب أم من الأكاديميين. سأطرح في ما يلي أسماء من قدوة الفن العالمي ولم يكونوا أكاديميين:

الفنان دافينشي عميد النهضة الأوربية، الفنان Munch النروجي، الفنان هنري روسو الفرنسي، الفنان Constable الانكليزي، الفنان جوجان Gauguin الفرنيسي،والفنان سيزان Cezanne، الفنان انطونيو تابيس Antonio Tapies برشلونة، الفنان ادولف فان مينزيل Adolf Van Menzel الالماني، الفنانة فريدة كحلو المكسيكية Frida Kahlo الفنان فان جوج الهولندي Van Gogh الفنان تارنير Tuarnerالانكليزي...

أضع لكم أسماء قليلة من مئآت من قدوة الفن التشكيلي العالمي .فنانين أسسوا انفسهم بأنفسهم ..

هم برهان كافي ؟ هذه الدلائل تطلب مني أنا بصفتي   فناناً أكاديمياً وناقداً تشكيلياً بأن أقف أمام لوحات الفنان والباحث محمد الشاوي وأتمتع بها، وأنظر إلى خطوطها العريضة والضيقة، وبألوانها التي تجلب الشجن من طرف، وتُعبر عن الفرح في حين آخر، وتصف القوة والحنان، وتشرح اوجاع الذين تُغلق عليهم الأبواب،  التي هي مظاهرة فلسفية بلغة الفن، أفكار عاشت في مطبخ الفكر الفلسفي وتخمرت طويلا قبل أن ترى نافذة الحرية . وظهرت هذه اللوحات الفنية ناطقة بلغة الجمال ولغة الحرية. الفلسفة هي التي انعشت التعريف الفني منذ عهد النهضة، الفلسفة في الفن التشكيلي لها دور أساسي في مناقشة اللوحة، ظهرت في عهد النهضة وعالجت فكرة الجمال،  هي مظاهرة علمية في خصوصية اللوحة والفنان تارنير الانكليزي اتى في مقدمتها، أيضاً  فنانين قرن الثامن عشر، وأول بحث حقيقي عن فكرة الفلسفة في لغة الفن جائت من الكاتب Edmund Burke 1756 وهو حوار فلسفي عن معنى الجمال. لأننا نستطيع أن نشاهد حساسيات مختلفة أمام لوحة ما. وهكذا يحدث لكل فنان حين نسأله عن الجمال.

كلنا يعرف أن  اللوحة هي التي تتحدث عن الفنان، وأن لا ننس أن الفن التشكيلي له أبواب مختلفة وأشكال وقواعد بصرية، ففن النهضة يُحدثنا عن اشياء دينية تاريخية، وفن الواقعية عن اشكال حقيقية، والفن الانطباعي عن الطبيعة والحياة في الهواء الطلق، والفن السيريالي عن الأحلام ومعارضة البرجوازية، والفن التعبيري معارضة ناطقة امام النازيين وعن الم المجتمع. الفن التجريدي لغة اللون البصري، وهذا نحن امام لوحات تشكيلية ذات لغة خاصة. هذا مايقدمه لنا الفنان الشاوي،  لوحات تحكي بلغة تجريدية وعلينا أن نعالجها كما هي الفكرة. لأن الفكرة هي التي لها الأهمية، الفكرة البصرية اللونية هي التي تُعبر لنا.. وأقول لمن يبحث عن جمال الطبيعة لن يراه في اللوحة التجريدية. .

يقول الفنان الروسي مهادين كيشيف Muhadin Kishev : "على اللوحة الفنية أن تكون جميلة في اي أسلوب كان تصميمها".  واللوحة التجريدية؛ الجيدة التصميم لا تأتي من فاعل الصدفة والعفوية بل إنها تحمل مقياس وقواعد أساسية كما هي اللوحة الواقعية. ويضيف. إن الفن التجريدي أصعب من الواقعي لأنه يحتاج لدقة التعبير وأن لاينقص أو يزيد فيه شيء . يُخطء من يظن بأن الفن المعاصر والفن التجريدي هو سهل التصميم .

الفنان  محمد الشاوي فنان يُجسد اللوحة من أسس فلسفية، يعبّر في اللوحة عن أشياء اجتماعية، يرفض التحكم في الأفكار، ويرفض الرأي الوحيد. يعبر أحيانا عن الجمال اللوني،  وأحياياً يرفض الجمال لأن الوساطة هي اللون في نظره. إنّه يرسم بمنهاج يحتج به على المظاهر المتشددة، المتعقدة،  عن الذين يظنوا أنه في حوزتهم كل أوصاف الثقافة، وعن الذين لايعرفون شيء منها لكن لايبحثوا عنها. في بعض اللوحات يستخدم لون واحد أو لونين. وهذا معارضة للأفكار التي تظن أن الحياة ليس لها سوى اللون الأسود، وأخرين ليس لها سوى اللون الأبيض، إنه  بالأحرى يبحث عن الظل والنور ويشير في التعبير أي أننا نقول هناك من تميل الشمس عنه. وأيضاً نشاهد المتكبرين ويعتقدون انهم قدوة للآخرين، لكن هم بحاجة ماسة إلى التواضع. وبشكل عام أرى احتجاجه يقف أمام المتعصبين من الفنانين. نظرتنا في أعمال الفنان التشكيلي محمد الشاوي تبعث في أنفسنا آراء مختلفة لأن الفن التجريدي يقوم على  أفكار متجددة حسب كل مايخطر للناظر، إستعمال اللون له فاعل وأسلوب عالمي ولا يمكننا الهرب من هذا. الالوان الحارة تصف الحيوية، التحرك والتغيير. وإذا أضفنا إلى هذا مجموعة من تصرفاتنا الخيالية وأحلامنا . نجد أن البعد الأفقي من المحتمل أن يكون تقارب في إعطاء تعريف ما،  بأنه منظر ساخن من طبيعة حارة. وتتجول في عقولنا نتائج عديدة ومختلفه لدى كل فرد. لأن أفكار المشاهد (المتلقي) أيضاً  تبدأ في التحليل متى إن وقف أمام اللوحة، وفي كثير من الأحيان يعطي للناظر أفكار  لم تخطر عند الفنان حين تصميم لوحته.

الفنان عندما يرسم يطير في أجواء أخرى

و يدخل في ذكريات عميقة، بينما يداه مع الأشياء العفوية تترك نتائج لم يعرفها لأنه لم يفكر بها، بينما أفراد من المشاهدين يصلون الى تفسيرها. في نظرتهم لأشكال صغيرة:

ألوان رمزية، ولقطات ممزوجة،  وهذه لها إيقاع خاص وتعبير لم يخطر لدى الفنان.

 

بقلم: عبد القادر الخليل - فنان تشكيلي وناقد سوري مقيم بمدينة بيلباو الإسبانية.

 

في المثقف اليوم