مقاربات فنية وحضارية

أثر الوعي في تشكيل القيم البلاغية للخط المغربي

mohamad albandoriلا شك أن التفكير النقدي المغربي قد مر بمراحل توجت بوجود الوعي بالقيم الجمالية للخط وإنشاء بلاغة خطية مغربية. بل إن الخط المغربي أضحى أحد العلوم البلاغية في النصوص الجمالية في اتصال بكل الأساليب والوسائل التي أسهمت في نشوء ظاهرة البلاغة الخطية على نحو تتم به عملية الإدراك والتبين والفهم والقراءة. فكما ظهر البديع الذي ارتبط بالتحول الحضاري والتحول في عقلية الإنسان المغربي حيث ظهرت الخصائص الفنية في التعبير(البديع)، ظهر كذلك البديع في رسم الخط، وظهر ما اصطلح عليه آنفا: التشكيلات البديعية، التي دلت على التجديد في التعبير بطرق مختلفة من التزيين، في نطاق التوافق بين جماليات الخط وبواطن النصوص. فأصبح الرسم والخط العربي مبنيان بواسطة العلامات اللغوية الخطية.  فمع التمكن من التجويد الخطي، بدأ التكلف في التشكيل، وإدخال مختلف الزخارف والصور التي تحاكي الطبيعة في الخط، ولم يقتصر ذلك على الكتابة الخطية والزخرفية فحسب، بل تعداها إلى إنتاج معاني جديدة.

ويتبدى أن إطلاق العنان للتشكيل الخطي بالمغرب قد أدى إلى إنتاج علامات تماثلية، فتبدت عناصر الجمال في الحرف نفسه وفي الصورة الخطية جلية، مما أتاح فرصا كثيرة في تأويل رسم الحرف والتعدد في المعاني، وفي تأويل التشكيلات الخطية، حيث يمكن للحرف الواحد كما للصورة الخطية الواحدة أن ينتجا معاني كثيرة في آن واحد، كما أصبح الحرف الواحــد الذي يختلف في رسمه من رسم إلى آخر يشكل خزانا بصريا يمكن قراءته عبر نظام العلاقات البصرية وحدها وعبر نظام خطي يشكل بؤرة للجمال تتبدى أبعاده في كل حرف وفي كل كلمة وفي كل جملة وفي كل نص.

إن خصوصية العمل الفني للخط المغربي قد اقتضت ربط الصلة بين الخط والخطاب البلاغي نظريا وتطبيقيا، وذلك بما يجعله تأملا في الخط والفكر، فخصوصية العمل الحروفي وطبيعة الصورة الخطية تبين أن الخط صورة جمالية بالشكل الذي يوضع عليه رسم الحرف، وأن ذلك الرسم الذي يكون عليه الحرف هو في المقام البليغ إبداع ذهني يخضع للتطور المنهجي والفكري والحضاري في المنظومة الحروفية والنقدية، باعتبار أن الناقد هو المعني الرئيسي بعملية وضع رسم الحرف وإدراك خبايا شكل رسم الحرف برؤية عالمة وخبرة عارفة بحيثيات الحروف والخط، مع مراعاة الوصل في العملية الإبداعية للحرف على المستوى الثقافي والفني، بربطه بالقضايا المعرفية وقيمتها الفكرية. ذلك أن هذا الحرف قد احتاج إلى كيفية صناعة المفاهيم الفنية والجمالية، خصوصا وأنه يخترق كل المعارف. فإدراك ذلك هو إدراك شمولي للحرف في نطاق الوعي بالقيمة الخطية والقيم البلاغية، وفي نطاق معرفة علمية بشكله الذي يختزل العمل الفني والتشكيل الجمالي. ومن واجب العلماء إمداد المنظومة الحروفية بنظريات جديدة من خلال مجالهم التداولي للمحتويات الجمالية للحرف وذلك لوضع أسمى الجماليات الحرفية وإبداع معرفة تحيط بالحرف من كل الجوانب. وهو ما تأتى في المشهد الثقافي المغربي في مراحل من تاريخ المغرب العريق.

 

د. محمد البندوري

 

 

في المثقف اليوم