مقاربات فنية وحضارية

شمس الدين العوني: عوالم فسيفسائية في تجربة الفنان الطيب زيود

الفن عمل وجهد ومزهبة ونظر عميق كالنفس تجاه ما هو جدير بال قول وفق الترجمان حيث الابداع مجال شاسع للابتكار والامتاع والمؤانسة في ليل الأحوال والتداعيات المربكة.. هكذا فهم الفتى الجربي الفنان الطيب زيود فكرته الفنية ومضى مسافرا معها بما تتيحه له جزيئات الحجارة بتلويناتها المتعددة من رؤى وتهويمات وتفاعلات تقصدا للفن في ضفافه المعنونة بالموسيقى والشعر والسينما.. و غيرها.. كل ذلك في هذا السفر مع ما يحدثه من ولع وهيام .. مع الفسيفساء الفن واللون والاختيار والفكرة والتحدي و.. و الذهاب بالمهج على عبارة ابن الفارض في الحب.. فلا خير في الحب ان أبقى على المهج.. الفسيفساء ومهجة الفنان ابن الجزيرة الطيب زيود.. بأحلامه وضحكاته العارمة يعانق فن الفسيفساء وفق منزع الابتكار والتجديد .. المصمم المبدع والفنان الكبيرعلي الشيني هذا الذي يعمل جاهدا بطريقة فنية وعصرية ليكرم كل يوم المشاهير والمبدعين والتعريف بالموروث الثقافي والفكري للبلاد التونسية قدم الفنان اطيب زيزد في بورتريه عاكس لحاله وحلمه كفنان وذلك في ضرب من القول الفني من فنان تجاه فنان آخر لتكون اللمسات جميلة ومعبرة.. و قد كان للفنان الزيود مؤخرا نشاط حيث تم عرض أعماله بدار الثقافة أحمد خير الدين بباب العسل بتونس العاصمة بمناسبة تظاهرة ليلتقي عددا من الكتاب والشعراء والفنانين وصولا الى الحديث في شهادات عن تجربته الفنية وأعماله الأخيرة عن الشاعر الراحل محمود درويش وغيرها من المشهديات الجميلة عن أحوال جربة وغيرها من الأمكنة.. و ذلك ضمن فعاليات " باب الفنون: ملتقى أدباء على الطريق " ومن هذه الشهادات ما قدمته الروائية حبيبة المحرزي والفنان علي الزنايدي .. قالت عنه الكاتبة والروائية حبيبة المحرزي ".. الطيب زيود يرج الصخر وينطق الحجر ويقتنص العاصفة الهوجاء لتكون لحظة فنية فارقة .. لوحة العاصفة هي عاصفة بكل مؤثثاتها بعصفها واضطرابها وتشظي أجزائها بفوضى لم تخل من ترتيب بحكم عاصفي مرتج يتصاعد يعجن زرقة مياه البحر التي تتعامد مع جدران الصمود وبين كل الفجوات والشروخ. زرقة حاضرة بقوة تحتوي هيكلا مركبا مرتبكا مرتجا تعابثه العاصفة المطلقة المستبدة. الاضطراب يوحي بالدمار والاندثار لكن الخطوط العمودية الدقيقة والمربعات والمثلثات القائمة في انتظام وصمود نوعي، تعاند الضجة في تحد وثبات، لإقناع المتلقي بانفراج قريب. سيهرول ذهن المتلقي ليبني اللواحق. سيؤثث مشهدا تنسحب فيه المياه إلى مستواها السفلي وترمم الاشرعة المتخرقة وتتعافى القوائم المتصدعة والتي حافظت على البياض الناصع الموزع على المساحة كلها. لون الصفاء والنقاء.

الفنان وان غلب ألازرق والابيض فإنه جعل لبعض الالوان كالاحمر والأصفر والبني حضورا ،الوان تتوزيع بفوضى واضطراب قد يعني به الحياة والتنوع والاختلاف .. لكن العاصفة قد تكون بسبب حادثة حاصلة أو مفترضة وهو ابن الجزيرة السابحة في زرقة المتوسط من كل الجهات.والمتلقي سيفتقد الخضرة كمؤشر على غضب الطبيعة لأن اللحظة هي لحظة فارقة بين الحياة والموت بين التجدد والفوات ، بين البداية والنهاية. بين الانتصار والهزيمة.تلك هي فلسفة Taieb Zayoud حين يناور الطبيعة ويستفز قواها في لحظة فارقة تشبه عدسة مصور فوتوغرافي يتصيد لقطة مشهدية تنعتق من الغياب والنسيان لتخلد كقبضة زمكانية مقتنصة بحرفية عالية.هذا التحدي هو الذي به ينتصر الإنسان على العدم ويبني نظرة التحدي والانتصار حتى وإن كان في قلب العاصفة الهوجاء. تلك نظرته التي بها ينتصر على المعوقات بتفاؤل ورقي فني نوعي بمكعبات حجرية توثق فسيفساء الحياة بحلوها ومرها بهدوئها واضطرابها.. ".من أعماله المميزة مايقدمه عن تراث الجزيرة ذاكرة أم نسيان منذ يوم السبت 18 مارس الجاري بالمعرض الوطني للصناعات التقليدية بقصر المعارض بالكرم ليتواصل الى غاية يوم الأحد 27 مارس 2022.و مما قيل فيه كفنان مجتهد ".. فسيفساء الطيب زيود المكون في مجال الفضيات .. هو عشق الصخر والحجر وبعث مشروعه في سنة 2000 بمليتة بجربة حومة السوق ليفتح فيما بعد محلا لترويج منتوجاته بسوق الصناعات التقليدية بحومة السوق ،انطلق في مشروعه بعد مدة عاشها بمدينة الجم وآمن ان الحرفة ليس لها حدود بل هي "غرام" ورغم الصعوبات والعراقيل وقف بثبات بل واسس لتظاهرة كبرى "حرفي فنان" وفي السنوات الاخيرة خرج من التقليد ولامس الابداع والفن بلوحاته الفسيفسائية التشكيلية بشهادة خبراء وفنانين واظب على الحضور بصالون الابتكار بالكرم وساهم في تصدير منتوجاته، امنيته اليوم المشاركة بالمعارض بالخارج وفي الاروقة الفنية العالمية.. ".. في هذا الملتقى الثقافي الأدبي والتكريمي بدار الثقافة خير الدين بباب العسل تونس قدم الفنان الطيب زيزد لمحة عن تجربته وذلك خلال الندوة الفكرية العلمية للفنون التشكيلية تحت عنوان " جسور التواشج بين الفنون " كما تناول بالتحليل لوحة العاصفة الكاتب الصادق القايدي متحدثا عن مميزاتها وخصائصها كعمل فني .. كما تحدث الفنان التشكيلي علي الزنايدي عن لوحة العاصفة مشيرا الى جوانبها الجمالية كعمل فني ضمن التجارب الفسيفسائية .. و تم تكريم الزيود من قبل الأستاذة عايدة المهذبي i مديرة دار الثقاففة باب العسل والإعلامي والكاتب الهادي جاب الله منسق الملتقى .. هكذ .. نعم الفسيفساء فن عريق فيه ممكنات ابداعية شتى حيث الفنان يقترح وفق خياله الشاسع ما به تزدهر الحكاية لتنبت لها من التاريخ والقدم أجنحة لتحلق بالنهاية في عوالم الجمال والابداع.الفنان الطيب زيود يستعير من الموزاييك عناوين أخرى تنبت في الراهن بمياه الذاكرة وهواء النظر لتبرز في حالات من الجمال بها الزخرفة والتجريد وما يشي بالحلم.. هذا العنوان الكبير الكامن في شغل وحرفية فنان هام بالحجارة وجزيئاتها ينحت منها وبها هيئات مختلفة لأعمال فنية رائقة نظرا وتأملا وتقبلا جماليا.و من جربة الأعماق.. قادته شؤون الحرفة وشجونها الى عوالم الفن الفسيفسائي يزخرف ويزين مساحات عمله الفني وفق تصاميم متعددة ومواضيع بين المشاهد والتقاليد وغيرها من الأجواء الجربية.عمل لسنوات جاهدا وباحثا عن آفاق جديدة لعمله الفني فبدت في أطوار منه رغبات البحث عن التجديد والقطع مع الصورة النمطية لفن الفسيفساء .. هذا حيز من الشغف الجمالي للفنان الطيب زيود تجاه لون فني أحبه وسار في دربه

***

شمس الدين العوني 

في المثقف اليوم