مقاربات فنية وحضارية

حسن طوافرة.. فنان يسكنه المكان، البحيرة والحصان

أحب فن الرسم منذ خطواته الاولى في طريق الحياة الصعب. اكتشفت موهبته معلمته خلال دراسته في الصف الاول. بعدها لفت أنظار المحيطين من أهل واصدقاء، فما كان منهم إلا أن قاموا بتشجيعه على مواصلة طريقه مع الفن. غادر مقاعد الدراسة مبكرًا. لم يتلق تعليمًا منظمًا عاليًا، وخرج إلى ساحة العمل مبكرًا. عمل في توزيع اسطوانات الغاز مدة نافت على نصف القرن من الزمان، غير أن حلمه الفني رافقه خلال هذه الفترة، قبلها وبعدها، ولازمه ملازمة الظل لصاحبه. خلال عمله وجد من يُشجعه للالتحاق بدورة فنية على مستوى رفيع فالتحق بها. دفتر مذكراته عامر ولكل لوحة قام برسمها قصة وحكاية. شارك في العشرات من المعارض الفردية والجماعية داخل البلاد وخارجها. باع عددًا من اللوحات وتوجد لوحات من إبداعه في داخل البلاد وفي العديد من دول العالم. أصدرت جمعية "ابداع للفنانين العرب"، كراسة تعريفية عنه، وعن انتاجه الفني. قطع مسافة زمنية واسعة جدًا مع الفن ومع ذلك يعتبر أنه ما زال في البدايات الاولى المبشرة.

قدمت العشيرة البدوية التي ينتمي إليها الفنان حسن طوافرة إلى البلاد من الريف السوري، منطقة حماة، قبل أكثر من مائة وخمسين عامًا، وأقامت في مواقع وأماكن مختلفة من البلاد. أهله أقاموا في مدينة طبرية وفيها ولد عام 1945. عندما كان في الثالثة من عمره وقعت مواجهات بين الاهالي العرب في المدينة والقوات اليهودية المدجّجة بالعتاد والسلاح، وكانت النتيجة أن أهله اضطروا لمغادرة المدينة والانتقال إلى بلدة المغار للإقامة فيها.. في بيت ابتنوه على قطعة من الارض قاموا بشرائها بشق الانفس.

في قرية المغار تلقى تعليمه الاولي، وهو يتذكر أن معلّمته نهاد خنجر، ابنة بلدة الرامة، حكت له ولأبناء صفه حكاية خيالية وطلبت منهم جميعًا أن يضعوا رؤوسهم على سطوح المقاعد أمامهم وأن يسرحوا في دنيا الخيال. بعدها طلبت منهم أن يقوموا بر سم ما تخيلوه وما خطر في أذهانهم. يقول حسن مرفقًا قوله بلمعة لافتة من عينيه اللماحتين، إن ما رسمه لفت انظار معلمته، فقامت بتشجيعه وأوحت إليه أن الفن سيكون هو المكتوب عليه.4439 حسن طوافيرة

علاقة حسن وأهله بمدينتهم الام طبرية لم تنقطع بمغادرتهم لها مكرهين، يقول حسن طوافرة إن تشجيع معلمته له دفعه بقوة لمواصلة السير في طريق الرسم والابداع، وإنه في كل مكان كان يحل فيه يلقى التشجيع المماثل لتشجيع معلمته تلك. في العاشرة من عمره أو نحوها التقى في مدينة طبرية بالفنان اليهودي المشهور شمعون هارتمن، وأطلعه على موهبته في الرسم فدهش الفنان لقوة موهبته هذه وبشّره بما بشّرته به معلمته في الصف الاول.

يذكر حسن طوافرة أن بدايته الفعلية الحقيقية مع الفن تمّت بعد تعرّفه على الفنان اليهودي ومعلم فن الرسم اوري مزار، "في اوائل الثمانينيات تعرفت على هذا الفنان المبدع، وطلبت منه أن يضمّني إلى دورة إرشادية في مجال الفن التشكيلي"، يقول حسن طوافرة ويضيف:" طلب مني مزور أن اقوم بوضع رسمة كي يقرّر إلى أي من قسمي المشاركين انتسب، المبتدئين أم المتقدمين. عندما شاهد ما رسمته قرّر أن التحق بقسم المتقدمين. من مزور تعلّمت الكثير من أسرار الخط واللون".

بعد انهائه الدراسة في تلك الدورة، شعر حسن أنه بات بإمكانه الانضمام إلى عالم الفن والفنانين، فراح يواصل إبداع اللوحة تلو سابقتها، حتى تراكمت لديه العشرات ويكاد يقول المئات من اللوحات. ابتداءً من التسعينيات انفتحت المجالات أمام فناننا، وكان أن انضم إلى العديد من الجمعيات والمجموعات الفنية، في مقدمتها جمعية ابداع للفنانين العرب. وهو ما ساهم في تمكنه من المشاركات في العديد من المعارض الفردية والجماعية.

بإمكان مَن يشاهد ابداعات حسن طوافرة في الفن التشكيلي، أو حتى عدد منها، ملاحظة أنه فنان مسكون بالمكان، وأن بحيرة طبرية تستولى على مساحة من أفكاره، أما المساحة الاخرى الكبرى في ابداعه اللوني، فقد امتدت إلى المكان والانسان والطبيعة. يؤشر حسن إلى لوحة تظهر فيها صورة امرأة، يقول إن لها اسوة بسواها من اللوحات المنتشرة في طول بيته وعرضه، حكاية طريفة، فبعد أن وضعها، قام زوج صاحبتها بإخباره أنه سيقوم بتعلّم الفن التشكيلي معه وإلى جانبه، وذلك بعد عودته من حرب لبنان، سوى أن هذا لم يعد من تلك الحرب وقضى فيها. "هذه واحدة من عشرات القصص التي تكمن وراء وضعي لكل من لوحاتي"، يقول حسن وينظر إلى البعيد. واضح أن الفنان حسن طوافرة يضع رسوماته ضمن المفهوم الواقعي للفن التشكيلي ويغلب على رسوماته الطابع الرومانسي الحالم. كما يرى العديد من زملائه الفنانين.

عندما ابتدأ حسن طوافرة طريقه مع الفن التشكيلي، لم يكن في بلدته المغار فنانون وكان بالتالي الفنان الاول هناك، أما اليوم فقد ظهرت اسماء كثيرة من الصعب عليه عدها وحصرها أو حتى تذكر اصحابها مجتمعين، لهذا هو لا يريد أن يذكر اسمًا مُعينًا خشية أن ينسى آخر مستحقًا للذكر.

رغم أن فناننا بات منذ سنوات بعيدة جدًا واحدًا من أصحاب الاسماء المعروفة في البلاد إلا أنه لم يحترف الفن، " الفن لا يطعم خبزًا ولا يقوّم اودًا في بلادنا.. لهذا كان علي أن أعمل أكثر من خمسة وخمسين عامًا في شركة توزيع اسطوانات الغاز في مدينة طبرية للمحافظة على مستوى حياتي لائق لي ولأبناء اسرتي. في الكراس التي أصدرته جمعية ابداع للتعريف بالفنان حسن طوافرة.. كتب الاستاذ الاعلامي نايف خوري، ما مفاده ان طوافرة عاش الفن هوايةّ أقرب ما تكون إلى الاحتراف، بمعنى أنه عاش الحالة الفنية لكنه لم يعتش منها.

***

ناجي ظاهر

......................

*اسم الطوافرة جاء من الطفرة وهي الوعاء الذي يوضع فيه مخيض اللبن الرائب، بهدف تقديمه إلى من يود شربه من أهل، اصدقاء وضيوف. يقول حسن إن الاجداد والآباء اخبروه أن عشيرتهم اشتهرت بالطفرةعُرفت بالتالي بالطوافرة.

في المثقف اليوم