روافد أدبية

قصص قصيرة / عيسى عبد الملك

لم لا ينزل فهذه المدينة تغريه. ليس لديه ما يثقله .حقيبة يد صغيرة علقها بكتفه وآلة تصوير سماها الرفيقة زينث .نزل السلم المتأرجح ممسكاً بالحبال .خرج من إحدى

بوابات الميناء..تهادى في شارع جميل قصت أشجاره بمستوى الكتف يعبق برائحة الأزهار ، شارع في ضاحية . قطف زهرة لامست كفه وراح يشمها .لم تكن هنا حركة مركبات . فقط أصوات موسيقى راحت تقترب وتتضح ثم فاجأه الشارع .كان مغلقا بحلقات رقص .حفل عرس شعبي. فتيات ، نساء وشباب ، ناس من كل الأعمار . ملابس زاهية.بعضهم لبس ملابس الأجداد العريضة الزاهية .ريش زين القبعات . جزمات تصل حد الركب. بعد قليل صارت الحلقات حلقة كبيرة وراحوا يرقصون .بقي وحده .وقف يتأملهم مأخوذا متناغماً معهم . رقصة زوربا اليوناني .كم أحب هذه الرقصة ،بل كم مرة رأى الفلم ...وقف على الرصيف يستمتع بالمنظر ..يد ناعمة كقطعة زبد لامست يده .كانت تبتسم .وجه بلون الذهب بلون شعرها الغارق.بالعطر ومن عينين لم ير حتى الآن مثلهما يشع بريق له تأثير سحر . سحبته إلى وسط الحلقة الكبيرة وقالت له : دانس، دانس.

توجهت أنظار الراقصين إليه.وجهه الأسمر ،شعره المجعد قليلا.هي ترفع يده اليمنى إلى الأعلى ، تقدم رجلها اليمنى وتنظر إلى رجله، تشجعه وسط صيحات الحاضرين تصيح :دانس .توقفت الموسيقى . وحّد الراقصون الهتاف .أصبح نغمة .دانس دانس دانس. صار طلب الفتاة رجاءا. كانت محرجة . أحكم الجميع إغلاق الدائرة . مسح الجميع بنظرة ،انحنى ، حياهم فعلا التصفيق .رفع يد الفتاة حتى بان إبطها وراح يرقص . رقص بشكل أذهل الحاضرين والفتاة وسط صيحات الإعجاب . أثار حماس الحفل فاستأنف الجميع الرقص .كان قد تعلم الرقصة . كانت رقصته المفضلة رقصها مرارا عاريا بعيدا عن عيون الناس على ضفة نهر في الجنوب تماما كزوربا ...

 

 

أبوذية

انضم إليهم دون تخطيط ودون أن يعرف أحدا حتى . ربما تسع حافلات أو عشر لا يدري .سفرة لشباب العالم ،هكذا تقول أكثر من لافتة.خليطا من جنسيات وجامعات مختلفة كانوا .في المساء واجهت المنظمين مشكلة في حفل التعارف .كيف سيتعارفون ، ينسجمون .يزيلون حاجز اللغة   ..رتبوا كل شيء .امتدت مائدة مستطيلة طويلة في الهواء الطلق . كان إلى يمينه ألماني وإلى يساره فرنسية يحدثانه بالإشارات وحركات الرأس...فجأة برزت لأحد المنظمين فكرة .بالدور ،بلا استثناء.يغني كل واحد والجميع يردد .بعد ساعة ساد جو المرح .غنى الجميع ورقص البعض مع الأغاني.كان قلبه يدق والدور يقترب .ترى أي أغنية يغني ؟.ـــ الدور لك ،أغنية محبوبة لديكم. أشار منظم الحفل الايطالي المرح .صفق الجميع ،تهيئوا بانتظار أغنية من العراق .عدل من جلسته ،فرك يديه ثم أخرج مسبحة كانت دائما معه .فركها بين يديه بحرقة .أغمض عينيه وقطب جبينه ثم... غنى أبوذية ..وجم الحاضرون . نظر بعضهم بعضا.ثم نظروا إليه . كان يبكي في حفل تعارف بهيج . هذا غناؤنا المفضل قال وأفرغ كل خزين دمعه   والبث مباشر..ثم...ساد السكون وظل وحده يغني والناس في ذهول .. ...

البصرة شباط 2012

 

 

سرقة قد لا يحاسب الله عليها

حينما نعود سأرتق لك جوربك قا لت .رغم أن المطر كان غزيرا والجو صار باردا وأنه قد يمرض ،جازفت .هي لا تخرج بدونه .معه تشعر بالأمان. يسير متبخترا كرجل كبير .هو في العاشرة لكنه يسأل أسئلة تحرجها فتبلع الإجابة .أكل هذا البيت لشخصين ؟ سأل وهو يقرع جرس البوابة الحديدية الضخمة .كي نعيش فقط لا تكثر من الأسئلة بل لا تسأل أرجوك .بعد لآي فتحت الباب عجوز مترهلة عرجاء .أرطال من اللحم تمشي .كانت تلهث .قادتهما في ممرات عدة .هنا الحمام وهذه الملابس، قالت وغادرت .في سلال عدة أكوام من الملابس قرب غسالة حديثة في غرفة كبيرة.جلست المرأة تفرز الملابس .ملابس داخلية ،بياضات ، ملابس صوفية .،كنزات لفافات وكفوف صوفية. في سلتين أزواج من الجوارب كثيرة منها جديد ربما لم يلبس إذ لم تكن فيه رائحة .جوارب صوفية دافئة بعضها مبطن بفرو وزغب قالت افرزها وراح يفرز عدّ أربعين زوجا ولم يكمل إذ حثته أمه .غافلها عزل... زوجين لهما فرو دافيء .رفع ثوبه تحزم بالزوجين . شعر بالدفء ..في الطريق قال لأمه : أماه سأدخل النار . لقد سرقت جوربين. ربما لا يحاسب الله على جوربين   أو أربعة فهو حكيم يا بني ، قالت باكية .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2143   الاربعاء  6/ 06 / 2012)

 

في نصوص اليوم