روافد أدبية

محمد العرجوني: ام هاني في المعزل

دخلت ام هاني إلى المعزل وهي مصممة على التصويت للمرشح الذي "أكرمها" عن طريق جارها، بثلاثين درهما وهو يضع بيدها الرمز الانتخابي للمرشح الذي يقوم بالدعاية له، حينما اتصل بها في منزلها، حاثا إياها على التصويت عليه. أم هاني  سيدة أرملة، مسنة، لا تهمها الانتخابات إلا بقدر ما قد تدر عليها ببعض الدريهمات. من بين المترشحين، تعرف اثنين لأنهما من حيها، ولا يهمها انتمائهما لحزبين يتصارعان جهرا وعلنا ويزايدان على بعضهما البعض في الكذب والاحتيال والحيل، للضفر بمقاعد بمجلس المدينة. الأول هو سلام ، وهو من أعطاها ثلاثين درهما. والثاني هو علام، ربما لم يكن من دافعي المال لشراء الأصوات، أو لم يفكر فيها. لكن أمام كثرة الألوان التي ترمز إلى أحزاب المترشحين الكثر، لم تستطع أم هاني ضبط ارتباكها والتحقق من اللون بسبب ضعف نظرها والعتمة بسبب الثوب الأسود الذي يشكل المعزل، وبعد تردد أطال مكوثها، ما دفع المسؤول عن مكتب التصويت إلى إطلاق نحنحة أتبعها بتساؤل جهوري كي تسمعه أم هاني:

"ياك لاباس... ؟" ،

أخذت ورقة معتقدة بأنها ورقة سلام، وأدخلتها في الظرف ثم أسرعت لإدخاله في صندوق الاقتراع، بابتسامة وكأنها تعتذر عن التأخر، وهكذا تكون قد أدت واجبها "السلامي". غير بعيد عن باب مكتب التصويت، كان أحد داعمي سلام يراقب الناخبين خاصة أولئك الذين توصلوا ببعض الدريهمات أو أشياء عينية. حينما رأى أم هاني، نادى عليها ليتيقن من تصويتها على سلام. فما أن وضعت أوراق التصويت بين يديه حتى اتضح له بأن ورقة سلام موجودة مع باقي الأوراق، ما يعني أنها لم تصوت عليه، بل صوتت على منافسه علام. فازبد وأرعد وطالبها بإرجاع المبلغ. تفاجأت هي أيضا فطلبت منه أن يمهلها بعض الوقت. غادرته وهي مرتبكة وحائرة في كيفية إرجاع المبلغ الذي  صرفته في نفس اليوم الذي توصلت به. بحثت عن علام، فلما وجدته قابلته بابتسامة عريضة ووضعت بين يديه كل الأوراق:

- انظر، صوتت عليك... هلا أعطيتني ثلاثين درهما...

ضحك علام، تردد هنيهة ثم ناولها الثلاثين درهما. كان يعرف أنها صوتت عليه عن خطأ...

***

محمد العرجوني

16-01-2023

 

في نصوص اليوم