اخترنا لكم

أحمد المسلماني: خطأ في التفسير

وصفَ أستاذ العقائد الفكري المعروف «ويلفريد سميث» رجل الدين الآسيوي «أبو الأعلى المودودي» بأنه «أكثر المفكرين منهجيّة في الإسلام الحديث». لم يكن ذلك صحيحاً بأيّ حال، ولكن الإضاءة الغربيّة على المودودي كانت تجري وفق حسابات ورؤى. وكان الهدف أنْ يصبح المودودي ومن تأثّر به كحسن البنا ومن أثّر فيهم كسيّد قطب.. النموذج العالمي للإسلام. ولأنّ ذلك لن يكون محل رضا وقبول لدى عموم المسلمين، فمن شأن ذلك أن يمهّد لحروب أهلية دينية لا تتوّقف، ليدبّ الوهن في تلك الأمة التي تمتد من جاكارتا إلى داكار، ولتصبح معادلة فشلها «هزيمة بلا حرب».

تمتّ صياغة العديد من مسارات الغرق الفكري.. من جدل الخلافة، والحكومة الإسلامية.. إلى تسونامي الحاكمية والجاهلية والطواغيت. ولقد نجحت هذه الخطة المُحكمة لعقود طويلة، حيث يتم دعم المتطرفين وإضعاف المعتدلين وتشويه المثقفين، ليسقط المجتمع في حالة عدميّة من استحالة التوافق وفشل التنمية.

في عام 1963 أصدر مولانا وحيد الدين خان كتابه الشهير «خطأ في التفسير». رأى خان أن كتاب المودودي «المصطلحات الأربعة في القرآن»، وكتاب سيد قطب «في ظلال القرآن» يحملان خطأً في التفسير.. ذلك أنهما قاما بالتفسير السياسي للدين، وهو ما يختلف عن فهم علماء الإسلام عبْر القرون، والذين أجمعوا أن الدين في جوهره هو علاقة بين الله وعباده، وغايته الهداية، وليس فرض نظام سياسي.

اشتهر مولانا وحيد الدين خان الذي ألّف أكثر من (50) كتاباً قبل أن يرحل عام 2021.. بكتابه «الإسلام يتحدّى» والذي يدافع فيه عن الإيمان في مواجهة الإلحاد.

انتقد المفكر الهندي المسلم جماعات الإسلام السياسي التي أسّست «هوية قتالية» قائمة على الصراع ومحاربة العالم لكي يصبح المسلمون حكّام الأمم، وذلك تحت عنوان «استعادة حكم الخلافة» الأمر الذي حوّل الدين إلى عامل صدام.

يقول خان: لقد جعل المودودي الغاية المنشودة للأنبياء إحداث انقلاب سياسي في مجتمعاتهم للوصول إلى الحكم، وأن هذا كان هدف كل نبيّ ورسول. فالدين في فكر المودودي هو السُّلطة والحُكم، وأمّا العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج.. فهي مجرد تربية وإعداد للمسلمين.. وذلك للوصول إلى الهدف وهو اقتلاع النظام، وتأسيس حكومية إلهية، وليست أركان الإسلام سوى الطريق للهدف الأسمى وهو الوصول للسلطة.

يردّ خان: إذا كان الأمر كذلك.. لماذا لم يعبر سيدنا موسى ويقيم الحُكم بعد غرق فرعون، وقد أصبح الجو السياسي مهيئاً، ولماذا لم يُقم سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء ولا المسيح عليه السلام بتأسيس حكومة؟ فهل لم يقُم أولو العزم من الرسل بالغاية المنشودة في هذه الدنيا.. معاذ الله؟!

وفي لفتة رائعة يقول مولانا وحيد الدين خان: إن الجماعات المتطرفة تقدم الرسول (صلى الله عليه وسلم) كرجل حرب لا يترك السلاح، نبيّ مقاتل، لا يخرج من حرب إلاّ إلى أخرى، مع أنه حاربَ بنفسه (3) حروب فقط، في بدر وأحد وحنين.. وكانت مدتها (36) ساعة في (23) سنة، وأمّا باقي المعارك فقد كانت كلها دفاعيّة.

إن دعاة التطرف يتصرفون وكأنهم «محاسبو الكون».. والقرآن الكريم يقول: «فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ».. فالمسلم يكون ناصحاً لا قاضياً، وهدف الإسلام ليس وصول المسلم إلى السلطة، بل وصول المسلم إلى الجنّة.

***

أحمد المسلماني - كاتب مصري

عن صحيفة الاتحاد الاماراتية، يوم: 21 مارس 2024

في المثقف اليوم