حوارات عامة

حــوار مع الشاعر والأديب السوري إسحق قومي

ishaq_qawami- أنـا لا أكتب القصيدة، بل هي التي تكتبني ..

- ثلاثـة يستحقـون العبـادة والتقديس: الله تعالى، ووطن يتساوى فيه الجميع، وأم صالحة تضحـي في سبيل أسرتهـا..

- مـا أقسى الحياة عندمـا تكون خالية من الأعمال العظيمـة ..

- أجدادي في بلاد مـابين النهرين هم من علّم البشرية الفلسفة وجميع العلوم

تمهيـد:

يعتبر الأديب الكبير والشـاعر الباحث السوري إسحق قومي أحـدَ من لهم باع في الشعر والأدب والفلسفة والبحث التاريخي – مع تشعب هذه العلوم في الثقافة العربية وغيرها من الثقافات - في بلاد المهـجرِ، فحسب معرفتي به وحسب ما شهدت له الأقلام الكبيرة يمكـن القول بأن هذا الأديب والشاعر يمثل بالنسبة لمحبي الأدب والفلسفة والتــاريخ مصدرا معرفيـا مهماً لا يمكن الاستغناء عنه بأي حـال من الأحوال، وخير ما يؤكد هذا ويقرره سيرة هذا الرجل المهـاجر الوفي، وتـاريخه المشرق البهي، في أحـضان التعلم والتعليم، والكتـابة والتأليف، – وإن كان لاينشر كثيرا - والعمل المثمر، سواء في الفترة التي قضاها بسوريا بلده الأم، أم في الفترة الطويلة التي قضاهـا بالولايات المتحدة الأمريكية وألمـانيا..

ومحبةً في معرفة غيض من فيض حـياة هذا الـــرجل الألمعي، ورغبةً في الإحـاطةِ القاصرة بجميلِ تجــاربه وذكرياته وآرائه، كان لنا معه هذا الحــوار الشيق المفعم بصدق الشعـور وخالـص الإحساس.

س : بداية، نرحب بك أديبنَـا وشاعرنا الكبيرَ، في هذه الفسحة الحوارية التي نتمنى صـادقين أن تسافر بنـا – عبرها- وبالأحبة الـقراء إلى عـالمك المليء بروعة الحياة وجمال الروح وبهجـة العلم ونور الحكمـة، وأول سـؤال نود منك الإجابة عليه هو :

من هو الأديب الكبير إسحق قومي من جهة مولده وسيرته التعلمية والتعليمية؟

ج : إسحق قومي من مواليد 1949م بـإحدى قرى الجزيرة السورية، وبالضبط بقرية تل جميلو. أنتمي لأسرة فلاحية، تعلمت في مدرسة القرية في الصف الأول، ثم انتقلت أسرتي إلى مدينة الحسكة وهناك دخلتُ مدرسة السريان وتابعتُ المرحلتين الابتدائية والإعدادية بهذه المدرسة ثم انتقلتُ في المرحلة الثانوية إلى ثـانوية أبي ذر الغفاري، وبعد ها انتسبت لجامعة دمشق كلية الفلسفة والدراسات الاجتـماعية والنفسية، وكانت دراستي حرة، وفي نفس الوقت كنتُ أدرِّسُ موازاة مع الـدراسة

بـالمرحلة الابتدائية،كما ودرستُ كمدرس مكلف بتدريس الفلسفة بالــمرحلة الثانوية. وتقدمتُ لمسابقة انتقاء مدرسين موهوبين فنجحت في المسابقة وأصبحتُ من المدرسين الأصلاء في مديرية التربية. وتم تعييني كمدرس لمادة التربية وعلم النفس والتربية التطبيقية في معهد إعداد المعلمين والمعلمات بالحسكة.ثمَّ كمدرس لمادة علم النفس ورئيساً للدروس المسلكية ونائباً لمدير معهد إعداد المدرسين والمدرسات بالحسكة.

طفولة تبدأُ مع الفقر والجوع والحرمان...تلونها الآمال التي تتهجى أبجدية المستقبل.. هكذا تبدأُ الرحلة فالمراهقة التي لم أعرفها، بل كان الكتاب فيها صديقي، ثم الشباب الذي طالما لم يحق لي التمتع به كوني من أبناء الفقراء والفلاحين المغلوبين..

س : كغيركَـ من الشعراء، لابد أن تكون لديك بدايات على درب الأدب والكلمة الجميلة الوضيئة، متى وأين كانت أول تجربة شعرية لك؟

ج: البدايات كانت في الصف الأول الابتدائي حيث كنتُ أُحبُ الاستظهار(القصائد الشعرية). وأذكر جيداً قصيدة بالتصريف (أيها النهر لا تسر...وانتظرني لأتبعكْ.. إِنني أحضرتُ مركبي...وهو يا نهر من ورق...) وقصيدة الجدة لأحمد شــوقي...فكنتُ أحفظ تلك الأناشيد وأنفعل بها أثناء الإلقاء. وفي الصف الرابع يكــتشف معلمي يعقوب عبدي موهبتي وميولي للشعر فينصحني بقراءة الأشعار والأدب العربي عموما ويأتي المعلم الثاني بعده حنا عزيز ليقدم لي كتبا لطه حسين ومنها حديث الأربــعاء بأجزائه الثلاثة، وأخرى لمصطفى الغلاييني، منها (جامع الدروس العربية)، وقــصصا لنجيب محفوظ والمنفلوطي وغيرهم.وما إن أكملت المرحلة الابتدائية وبداية المرحلة الاعدادية حتى بدأتُ بكتابة القصة القصيرة ومحاولات في الشعر وسيرة ذاتية عن حياتي، وهكذا بدأتُ بكتابة الشعر، وكنتُ أَتغنى بالقصيدة قبل كتابتها...فأنا لا أكتب القصيدة بل هي التي تكتبني.كتبت في الغزل أول ما كتبتُ وفي فلسطين الجريحة...وفي قضايا الإنسان وخاصة الــفقراء والمعدومين منهم. وهكذا بدأت رحلة الكتابة. لكنني أود أن أشير إلى أنني بــدأْتُ أقرض الشعر على يدي والدي الذي كان لايعرف البحور ولا من وضعها، إنما كان ينشد الشعر مع البذار والطيور التي كانت تحاوره عبر ألحانها وفيما بعد تراني لا أغيبُ عن مدارس العلوم الفلسفية والاجتماعية والنفسية بجامعة دمشق واتخذتُ من مجالس رجالاتها محجاً لي.

س : هنـاك اختلاف بين الشعراء والأدباء في نظرتهم إلى رسـالة الشعر والأدب عمـوما، فمنهم من يظن أنهـا تهم الشاعرَ أو الأديب نــفسه لا غيره، ومنهم من يدعي أنها رسالة جماعية تقع على كاهل الشاعر كمسؤول عن تبليغها وأدائهـا كما يجب في محيطه الخاص، ومنـهم من يرى أنهـا رسالة إنسـانية عـالمية، لا حظَّ لنفس الشاعر فيها ولا لرغباته، إلا كونه مبلغـا عن رغبة الإنسانية جمعـاء. وعلى هذا الضوء، نريد أن نعـرف منكم – شاعرنا – رؤيتكم إلى رسالة الشعر والأدب عموما، فكيف ترونهـا؟

ج: منذ القديم كان الشاعر فارس قبيلته ، يتقدمها ويعبر عن طموحاتها ورسالتها، فارس أنعم الله عليه بأروع وأمضى الأسلحة( الكلمة).وهكذا سيبقى الشاعر أو الأديب أو الفنان ...لكن مع النظريات والمدارس الحديثة نجد هناك مدارس تقول الفن للفن، وهناك مدراس ترى الالتزام بالفن والأدب والشعر والموسيقى ضرورة فلا بدّ أن يكون الشاعر ملتزماً بقضايا الجماهير أو قضايا أمته أو قضايا العالم.

أرى أن الشعر والأدب والفنون بكافة تجلياتها تتجسد من خلال الذات تجاه أي موضوع وتأثيره في تلك الذات الإنسانية المرهفة... ثم لها أزمنة للحمل والولادة في ومن رحم الشاعر الموهوب أصلاً...فهو أولاً يُعبر عن مكنونات نفسه ويُشبع رغبته وأحاسيسه ويثبت وجوده في المجتمع الذي يعيش فيه.ولا يمكن الفصل هنا بين هموم الشاعر أو الأديب وبين الموضوع، ولكن الكتابة إذا كانت إرضاء للذات وحسب تتحول إلى ما يشبه السيرة الذاتية، ولكن أسمى أنواع الكتابة تلك التي تتجاوز الذات إلى الوطنية ومن ثم العالمية والإنسانية كافة.تماماً مثلما نرمي حجراً على سطح بحيرة فتراها تترك أثرها حتى شاطىء تلك البحيرة.وهذه هي مهمة الشاعر أن ينتقل ويتنقل عبر قضايا مجتمعه الصغير والكبير ليبقى خالداً في أعماق الإنسانية. فالأعمال العظيمة تلك التي يرى فيها أي شعب معاناته وآماله وطموحاته.ورسالة الشاعر أو الأديب رسالة سامية فعليه أن يُتقن أبجديتها وفنونها ويتجاوز الذاتية والمحلية لتحقيق التواصل الحضاري بين الشعوب وهذه السمة تُعطيها القدرة على الخلود.

س : يرى بعض النقاد أن الشـاعر إذا أضاف إلى شـاعريته وأدبه روحَ الفلسفة وحكمتها يكون أقربَ إلى تصوير خلجاتِ النفس البشرية والتعـــبير عن أحاسيسها بدقة. وبما أنكم شاعر وفي نفس الوقت لكم بحوث فلسفية وقصائد تتشح بروح الفلسفة فكيفَ تَتَصَوَّرُونَ إضافاتِ الفلسفةِ على الشعْرِ ومـظاهرَ تأثيرها فيه وفي نفس المتلقي؟

ج: لازلتُ أحبو على دروب عشق الحكمة وأبراجها وفضاءاتها وأنشدُ مع أعلامها تراتيل العِشق وأنسج من روحي عباءة عرسها، وأزركش لها قميص نومها قبل أن تستيقظ لتجده على مقربة من سريرها،عرفتها يا صديقي ـ واسمح لي بهذه الكلمة ـ منذ أن كنتُ أتهجى أبجدية الضوء والفجر، الليل والنهار، الكون والنجوم.. قرأتها على أيدي العديد من أعلامها وكنتُ دوماً أحبذ لغة الاستماع إليهم وهم يتحاورون ويتجادلون، يتفقون ويختلفون في مشاربهم وآرائهم، فمنهم من كان على المدرسة المثالية ومنهم من كان يؤيد المدرسة المادية، ومنهم من جمع بين الطريقتين أو المنهجين، وجلّ ما عرفته منهم أنهم ينطلقون من ذواتهم وما اعتراهم من تجاربٍ وما عانوه وأحسوه ولهذا تراني ومنذ نهاية السبعينات من القرن العشرين أعارضهم في كثير من القضايا وأذكر على سبيل المثال الأطروحة التي قدمتها للتخرج من الجامعة والتي عالجتُ فيها ما يقوله العقليّون وما يراه الحسيّون بشأن الفكر، كما وعِبتُ عليهم أنهم ينتهون إلى نهايات تهدم بدايات فكرهم وأغلبهم إنتهى إلى هكذا نهايات...فالفلسفة شطآنها واسعة رحبة كما علومها فيما بعد. وأخبرك يا صديقي عن أن أول فكر ٍ فلسفي كان قد ظهر في بلاد أجدادي (بلاد مابين النهرين) حيث أخذ عنهم المصريون الحكمة والفلسفة وجاء ثالقريط من اليونان وتعلمها في مصر، واليونانيون كما تعلم كانوا أمة شعر وملاحم، وبفضل هذا الرجل إنتشرت الفلسفة في اليونان، فأجدادي يا صاح هم أول من وضع الأسس للفكر الفلسفي في بلاد مابين النهرين(موزوبوتاميا). والتاريخ يشهد لهم.. والفلسفة أو حب الحكمة رضعتها أول مـا رضعتها من بيتي من خلال اللغة التي كان يُعالج بها أبي وأمي ما يعترضهما من مشاكل، وكانت لأبي نظرة فلسفية وكم من مرة أختلف إليه ليحدثني عن السماء والنجوم حتى بدا لي ما يقوله في حينه على أنه (ضربٌ من اللامعقول )، لكنه في بعض الأحيان كان يصل به تفكيره إلى استنتاجات فلسفية مهمة أو تكـاد تكون مهمة حيث كان يقول لي هامساً: الله موجود وهو أزلي وسرمدي ولكنني أرى أن هذا الكون لم يُخلق ليدمر خلال آلاف السنين أو ملايينها. وأن هناك من سبق آدم. فآدم الذي جاء ذكره في الكتب المقدسة ما هو إلا آخر آدم سجله التاريخ المكتوب من الفكر الإنساني.وغير ذلك من الأفكار التي وضعتني أمام أسئلة ملحة...

وأما ما تجده في أشعاري من روح فلسفية ـ يا سيدي ـ فهي دوماً تتشح بمرجعية فلسفية.. وفي نفس الوقت، توجد لديّ أبحاث فلسفية ولاهوتية أجد أن الوقت لم يحن لنشرها بعد . ولو عدنا إلى سؤالكم فسترى أنَّ الشعر كحالة وجدانية تتضمن منذ القدم نفحات فلسفية وحتى لاهوتية ووجودية، لكن لن نوغل في البدايات لئلا نطيل على القارىء الكريم فنجد في شعر الملاحم الأولى ـ والتي كانت أس الحضارة الفكرية والفلسفية ـ مثلاً ملحمة جلجامش ـ فهي شعر موزون وفيها الحكمة جليةً واضحةً، وكذلك في الشعر العربي عبر عصوره المختلفة وعبر جميع مراحله. ومن الشعراء من كان فيلسوفا شاعراً أذكر على سبيل المثال زهير بن أبي سلمى. وهناك شعراء صنفهم الأب لويس شيخو من شعراء النصرانية قبل الإسلام كان منهم شعراء وفلاسفة بنفس الوقت وهكذا حتى نرى أبي العلاء المعري رهين المحبسين (الذي أبيتُ أن أهاجر وطني سوريا قبل أن أودعهُ). والشعر إذا ما مسه الفكر الفلسفي عَبرَ أكثر عن تجربة ٍ وعمق في التفكير ونتاجاته ووقعه على الرّوح والنفس أكثر مما لو كانت القصيدة تُعنى بغرض من أغراض الشعر وكفى.وعرَّفنا الشّعرَ منذ أمد فقلنا فيه: بأنه موهبة ٌ وصنعة ٌ ومكابدةٌ وملاحقةٌ ٌ وتجديدٌ وإضافةٌ ٌ وهو كلام ٌ موزونٌ مقفى سواء أَكانَ خليلياً أم تفعيلياً..

وهو علم ٌ بما يحتويه ويستلزمهُ من تقنيةٍ ومعرفةٍ لصيرورته التاريخيةٍ مروراً بكل العصور..

والشّعرُ محرابُ متعبدٍ وصلواتُ راهبٍ في أعالي الجبال لكنهُ يُغني بمعزوفته ِ للسهول المليئة بالفلاحين والعمال، وهو العاشقة القديمة التي تنتظرُ حبيبها الذي رحل منذ أمد بعيد، وهو الشبابُ والرجولةُ والكهولة ُ والشيخوخة المتجددة دوماً بنار الآلهة .

والشّعرُ ليس إلاَّ إحدى آلهات الجمال والروعة والدهشة ِ والإبهار ، وهو خيالٌ جامحٌ يأخذكَ إلى عوالم بعيدة ٍ بعدَ أن يكون قد طوّفَ بك َ في العوالم الأرضية فهو يعلو بك إلى فضاءات ٍ رائعة، وهو صورٌ ومعانٍ وفكرٌ ومحسناتٌ وهو أروعُ الفنونِ ِ في ميادين الإبداعِ وإن كان دورهُ الآنَ قد تقلصَ بسببِ التقنيات الحديثة والعالم الاستهلاكي لكنه سيبقى الحاجةَ والضرورة َالنفسيةَ والعاطفيةَ ِوالعقليةَ للإنسان.

فالشعر الذي تخالطه الفلسفة يستقر في العقل والوجدان من خلال موسيقاه ومعناه، وربما كان اختصاراً لفكرة فلسفية أو نظرية وجودية.

وإذا ما اتشح الشعرُ بالفلسفة فلأن روح الشاعر تكون حُبلى بمواسم تلك الحكمة، فالحكمة حين تلامس القصيدة تجعلها أكثر خلودا.

س: كـان لشعراء المهجر عبر تاريخهم دورٌ كبير في الحفـاظ على وضاءة الكلمة الشعرية العربية الـوديعـة، وكان لجمعياتهم ورابطاتهم الأدبية الذائعةِ الصيتِ في كل أرجاء العـالم يدٌ طُولَى في زرع حب الأدب العربي في نفوس غير العرب من أبناء البلاد الغربية والدفـاع عنه. وبما أنكم أحد هؤلاء الشعراء والأدباء، فنريد منك أن تحدثنـا عن واقع شعراء المهجر اليوم، وهل وفِّقُوا توفيق سـابقيهم في تمثيل الشعر العربي ببلدان المهجر؟ وما هي مجالات تحركهـم ونشاطهم الأدبي؟

ج : التجارب دوما تختلف بحسب الزمان والمكان، والزمان هنا أعني به حركة التاريخ وتاريخ الحركة، حتى وإن كان الموضوع واحداً فإننا نجد اختلافاً جوهرياً في نوع وشكل وتأثير المدارس الشعرية في بلاد الاغتراب..وإذا كان شعراء المهجر في نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين قد كونوا روابط عدة في البرازيل والأرجنتين وأمريكا الشمالية، فتلك كانت الوسيلة الوحيدة أمامهم، وقد خلدوا لنا قصائدهم وأعمالهم، وأتذكر أنني في الصف الحادي عشر الثانوي أقمتُ أمسية أدبية في المركز الثقافي بالحسكة عنوانها( شعراء المهجر).

هؤلاء الشعراء وما أكثرهم ومنهم الشاعر والأديب والفيلسوف جبران خليل جبران.وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي ورشيد سليم الخوري(القروي) وغيرهم أغنوا التجربة الشعرية العربية، وكانوا مصابيح نور تُضيء للغربيين مدى قدرة العرب على الإبداع، وفي نفس الوقت كانوا أبناء مخلصين لأوطانهم التي هاجروا منها جسداً، في حين كانت أرواحهم تهيم في فضاءاتهـا حبا وشوقـا وحنينـا.

المهم هو أن تلك الروابط كانت نتيجة حتمية لعملهم الدؤوب، وقد أخلصوا للتراث والأصالة. أما الشعراء والأدباء اليوم في بلاد المهجر، فقد تغير بهم الزمان كثيرا، واختلفت المعطيات، وتعددت وسائل التواصل، وحتى المعاناة تغيرت وتعددت أشكالها، وأعتقد أن التواصل بين الأدباء والشعراء المهاجرين ومدى تأثيرهم في بعضهم وفي محيطهم الجديد ـ أوطانهم الثانية ـ أبلغ وأكثر فعّالية مما كانت عليه الحال بالنسبة لشعراء المهجر في القرنين المذكورين آنفاً.لكن لا بدّ من الشفافية هنا، فشعراء وأدباء اليوم الذين جاءوا من البلاد العربية ويكتبون باللغة العربية ينقسمون إلى تيارات عرقية وقومية مختلفة، وهموم أممهم تتصدر أولوياتهم رغم كونهم منخرطين في قضايا إنسانية عامة مثل القضية الفلسطينية. وربما لتوزعهم على مشارب مذهبية وروحية نجد عدم التلاحم بينهم عكس مـا كان عليه الحال بالنسبة لشعراء المهجر الأوائل الذين كانوا بالأصل من وطنين لبنان أولا ومن سوريا ثانياً وربما القليل منهم كان من فلسطين.فكانوا يتوحدون تحت راية الوطن الواحد. ونحن نجد المواقع الشعرية المختلفة في النيت أكبرَ دليل على أنّ كل منطقة قد افتتحت لنفسها موقعاً خاصا بشعرائها وأدبائها. وطبعا هذا لا ينفي المواقع التي في أساسها أممية والتي احتضنت شعراء من جميع الملل والنحل. ورغم ذلك كله، فإن فرص تأثير النتاج الشعري والأدبي اليوم أكثر حضورا وتأثيراً من ذي قبل، وهذا لكون الشعراء والأدباء يُجيد أغلبهم اللغات الغربية ...

س : هل يمكــن أن تحدثنـا عن بعض مشـاريعك الثقافية والأدبية المستقبلية؟ وما هي المؤلفات التي تنوي إصدارهـا في إطار تخصــصاتكـ واهتماماتك؟

ج : هناك كم كبير من المشاريع التي هي عبارة عن مخطوطات، بعضها في مجال الشعر والأدب، وبعضها الآخــر في الفلسفة والتاريخ..

توقفتُ عن الطباعة منذ عام 1984م بعد أن طبعتُ الديوان الأول "الجراح التي صارت مرايا" عام 1983م ومجموعة للأطفال "أغنيات لبراعم النصر" عام 1984م.

أما المجموعات الشعرية التي أنوي طباعتها في المستقبل القريب في مجلد واحد هي :

1= مواسم الحصاد.2= نُغني للبشر وهو مجموعة للأطفال.3= العاشقة القديمة منى. 4= نبوءات العهد البابلي،5= تراتيل لآلهة الخابور القديمة.6= مواويل في سجون الحرية.7= الشاعر والمقصلة.8= عبد الأحد شراع في مدى القصيدة.9= لماذا بكتْ عيناك.10= ونهر الراين لن يودعكِ.11= بانوس لازال صيفنا حارقاً.

كما لدي مجموعة قصائد باللغة الإنكليزية بعنوان: أي ول ستل سنك.(أنا سوف أبقى أُغني)، وقد ترجمت إلى اللغة الألمـانية .. أما في مجال القصة والرواية، فهنـاك كثير من الأعمال لم يكتب لها أن ترى النور بعد، أذكر من ذلكـ :

1= دموع تأكل بقايا صمت عام 1968م

2= عاشق أختي. 3= المحطة.4= المستحيل كان جنوناً.5=مسافر إلى الفراغ.6= في الطريق إلى الزللو.7= أنا وأهلي على ضفة الهاوية.8= جلجامش يعود ثانية.9= كان اسمها سونا.

وقصص للأطفال:

* الأزهار تضحك مرتين.

* قصة جرجس.

* ناسج الثياب.

* حسان والبرتقالة.

أما في مجال الأدب المقالي: فهنـاك مجموعة مقالات أدبية بعنوان:ممنوع القراءة.

أمـا في الفلسفة واللاهوت: فهناك كتاب مخطوط بعنوان:ابتهالات لمن خلق الوجود.

كما ويوجد مئات من الأبحاث في مختلف أنواع الأمور.

أما في التاريخ، فقد انتهيتُ من تأليف كتابين :

الأول : القصور والقصوارنة وقبائل الجزيرة السورية.

الثـاني : تطور المفاهيم الروحية والدينية والفكرية والدعوات المضللة.

وأعمل الآن على الكتب التـالية :

* أعـلام الأمة السريـانية

* مائة عـام على بنـاء مدينة الحسكـة

* المسيحيون في الجزيرة السورية

* الإبداع والحركة الثقـافية في الجزيرة السورية

س : مــاذا تود أن تقوله لإخـوانك الشعراء في العـالم بأسره؟

ج : ربما ما أود أن أقوله من خلالكم لإخواني الشعراء المبتدئين منهم على الخصوص هو أن الصبر نصف الحكمة ونصف الحكمة صبر، والنجاح الشعري إنما يأتي نتيجة المكابدة وإتقان أسس الصنعة والمطالعة ثم المطالعة لينابيع الشعر وأمهات القصائد. كما أرجو ألا نُسرع في النشر،لتكون شخصيتنا واضحة في عملنا الإبداعي. علينا أن نُبدع في سياقات الموسيقا الشعرية، والتراث ليس معناه أن نبقى ندور في كنفه، ولكن معناه أن نستمد من أساسياته وأصوله، ونجدد في فروعه بعد أن نتمكن من رسم هوية خاصة بنا.. ماأعنيه هو بعد أن يكون الشاعر قد حدد شخصيته وقصيدته، أرى لا ضير إن أبدع في الأوزان وحتى في شكل القصيدة. فالقصيدة العربية مرت بمراحل وحالات من التجديد وزناً وشكلاً. والقصيدة إنما هي استجابة للحالة الزمانية والمكانية والمطلق من الزمان. وخلود القصيدة ليس في أن أبقى لابساً عباءة الخليل أو الأخفش.بل عليّ أن أضيف إلى هذه اللوحة الإبداعية من دماء الحاضر ما يجدد فيها الحياة الشعرية، وهنا تكمن عبقرية الموهبة والذات في صنع جمالية جديدة.

س : آلاف وآلاف من الشباب يودون أن يكونوا شعراء وفلاسفة في نفس الوقت، ماهي وصيتك لهم ؟

ج : الشاعر والشاعر الفيلسوف لا يولد من خلال الطموح والرغبة والدوافع الهوجاء بل يولد وينمو ويكبر من خلال المطالعة لأمـــهات الينابيع الفــكرية

والقراءة لفحول الشعراء على مر العصور، والطلب الجاد للفلسفة من ينابيعها الأولى.

العملية التعلمية ليست طفرة انقلابية، بل هي صنعة ومكابدة وموهبة متأصلة..

وهي أن نرفد العملية الإبداعية بجديد وليس أن نكرر التجارب..

وهي كذلك أن نتمتع بسعة الخيال ونعرف بديهيات العلوم كافة..

وهي أن نبدأ بأبجدية الروح ونلونها وأن نؤسس عقلاً نقدياً، فنحن لا نكتب نصاً بل هو الذي يكتبنا ونكون عليه نحن رقباء أمناء ومخلصين ..

من لا يكتوي بنار آلهة العشق والحياة والتجارب والمعاناة لا أعتقد أنه سيصبح مبدعاً.

وما أقسى الحياة عندما تكون خالية من الأعمال العظيمة.

س : مــا هي كلمتكـ الختـامية ؟؟

ج : لك أقول أيها الشاعر الصديق أحمو محمد... المنتظر المتحقق وجوداً لك كل الفضاءات والمستقبل ..

مبروك لك الحصاد الأخير في الإبداع الشعري وإلى محطات أخرى في رعاية الله

مع مودة

أخيكم

اسحق قومي

المحاوِر: بدورنا نشـكركم شاعرنا وأديبنا الكبير على سعة صدركم، وطهـارة ضميركم، وحسن أخـلاقكم، وكمـال إخلاصكم، وألف شكر على ما نثر خاطركم عبر هذه الرحلة الحوارية التي نسـأل الله أن يمتع بهـا القراء كما تمتعنـا بها نحن – المحاورين- ودمت متألقـا كعادتكـ أيها الكبير ...

(*) حـاوره الشـاعر والأديب المغربي أحمو محمد .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1375 الخميس 15/04/2010)

 

 

في المثقف اليوم