حوارات عامة

ليندة كامل: بكل أسف نجح الغرب في خلق أبطال صاروا قدوة لأطفالنا العرب..

ـ عشت طفولتك وسط قرية لا يتعدى عدد بيوتها العشرة، وكنت تشعرين بأنك مختلفة عن الآخرين، لماذا كنت تشعرين بذلك، وهل فكرت يوما بأنك ستكونين كاتبة ومبدعة؟

* طبعا الحاجة أم الاختراع،الكثير من المبدعين والأدباء عاشوا طفولة محرومة رسمت لهم طريقا إلى مستقبل واعد، اذكر على سبيل المثال احمد أمين، الذي عاش طفولة صارمة ومنضبطة جعلت منه اسما لامعا في عالم الكتب، حرمان طه حسين من نعمة البصر جعل منه أديبا وعميدا في كلية الآداب، مولود فرعون ومحمد ديب الذين عاشا فترة الاستعمار الغاشم دفعتهما إلى تعويض ذلك الحرمان وتوجيهه إلى وجهة أخرى في عالم القصص الماخوذة من الواقع الاستعماري، أم عن شعوري المختلف حيث كنت دائما آملة ومتطلعة إلى مستقبل مشرق وحالمة إلى كشف الخفايا التي توجد وراء قريتي الغمريان مسقط راسي، كنت في نفسي أرى أن الحياة ليست هدا الحيز الضيق الذي يلم عددا من الأشخاص بل هو اكبر من ذلك، حلمي أن أكون كاتبة كان مربوطا إلى حد ما بمشوار الدراسة،النجاح يعني الانطلاق، الفشل يعني إطفاء شمعة قد تضيئي ركنا ما من هذا الكون لكن الأمل دائما في عمقي موجود مادام هناك قلب ينبض،وشعاري في ذلك المهم أن تفعل وأن تؤمن بأن ما تفعله سيكون يوما عظيما .

 

ـ أولى تجاربك الإبداعية كانت قصة للأطفال، هل ما زلت تكتبين للأطفال، وهل كل كاتب يستطيع أن يكتب للأطفال؟

* كانت تجربة بالنسبة لي رائعة حيث قمت بكتابة قصة الحصان الأبيض ورسمت رسمتها مما أثارت إعجاب عدد من الأطفال الذين يوجد في أعماقهم الميل للجمال من خلال الرسومات والأسلوب البسيط والهادف، وقد حاولت كتابة عدد من القصص التى كانت ترويها لنا الجدة عند الصغر كتراث ثقافي والمشروع لا زال قائما لحد الساعة وذلك بسبب توجهاتي العاطفية لمشاكل الشباب وصراعات النفس وكيفية العلاج عن طرق أسلوب قصصي مثير وجذاب، طبعا كتابة القصة للطفل تعتمد على فهم تفكيره والأشياء التي تجذبه مثل الألوان وبطل القصة فقد نجح الغرب إلى حد كبير في خلق أبطال صاروا قدوة للأسف لأطفالنا نحن العرب، وتوجوا هده الأفكار بتشخيصها على أرضية الواقع من خلال الرسومات المتحركة والأفلام .وهذا ما أتألم من اجله حيث أجد معظم الأطفال يقلدون هده الشخصيات الخرافية هناك كثير منهم يرمون بأنفسهم من أماكن مرتفعة ظنا منهم أنهم سوبرمان ..

حقا نحن محتاجين إلى وضع حد لهذا التقليد ولدينا شخصيات تاريخية يجب ان تكون قدوة للأجيال القادمة مثل العلامة إبن باديس، خالد ابن الوليد، طارق بن زياد، صلاح الدين الأيوبي وغيرها بالإضافة إلى شخصيات أسطورية تمجد التاريخ العربي

فالطفل يحتاج إلى من يتحدث بلغته وهي الأحلام والخيال والبساطة في التعبير مع المشاعر الجذابة والرسومات البهية، حسب رأيي ليس كل كاتب يستطيع أن يكتب قصصا للأطفال، هذا إذا استثنينا إخراج الطفولة الكامنة فيه،معظم الكتاب الكبار لم يوجهوا كتاباتهم للطفل لأنهم بطريقة أو أخرى، ينقلون أفكارهم ويضعون بصماتهم الشخصية على النص وان كانت هناك كتابة من هذا القبيل ستكون توعيظية إرشادية وليس النزول إلى مستوى تفكير الطفل، حيث لا بد من توفر أسلوب بسيط وعبارات سهلة و اللغة تختلف حسب الفئة العمرية، والتحكم في مشاعره من خلال العاطفة المتواجدة في النص.

 

ـ اتجهت أيضا إلى كتابة الشعر من اجل أن تنقلي الثورة التي تفيض بداخلك كما قلت، حدثينا عن ذلك أكثر؟

* الشعر بالنسبة لي هو مثل الدفقة التي تخرج من عمق الجرح، أو هي صرخة الألم وتأوه النفس أو الروح،لأن جرح النفس لا يطيب بسهولة وصعب جدا شفاءه إلا بمرور ردح من الزمن وهو وحده الكفيل بأن يلملمه وينفض الغبار عنه، لا يوجد طبيب يشفي تلك الخدوش سوى الشعر، لأنه ينقلها على الورق مثل بصمات لا تنسى فالشعر عندي كلمات تتدفق من عمقي دون قيد أو ترتيب لها، لذلك أميل إلى الشعر الحر لأكون حرة في إطلاق آهات النفس الموجعة وهو أيضا وسيلة من الوسائل المستعملة في تحقيق التوازن النفسي .

 

ـ ما الذي يدعوك إلى الكتابة والإبداع، أهي رغبتك أم الكائن من حولك هو الذي يجبرك على ذلك؟

* هما معا،فالكتابة عندي أصبحت طقس من الطقوس المقدسة التي لابد أن أمر عليها،أو هي الدافع الذي يعشش بداخلي ويجرني إلى نقل الصراعات التي تختلج بعمقي زد، إلى تأثري الكبير بما هو حولي من أشخاص قريبين أو بعدين عني،أو بالوضع الكارثي الذي يؤول إليه الفرد العربي ككل في القدس وغزة والعراق..

 

ـ لماذا كان زملاؤك ينادونك بـ ( نزار) وهل يقصدون نزار قباني؟

* نزار هكذا كان يلقبني زميلاتي في الحي الجامعي عندما كنت أقيم أمسيات شعرية، ربما لأنها قريبة إليهن من ناحية التدفق العاطفي وسلاسة اللغة أو هي اقرب إلى القلب لأنها نابعة منه، وكل ما من القلب يصل إليه أو لأنها تعبير عن مشاعرهم أو إسقاطا لها، طبعا نزار قباني له صدى كبير لدى العشاق المراهقين الذين يطلبون دواوينه بطريقة عجيبة و مع احترامي لشعره إلا ان بعض القصائد لا اعلم كيف يروجوا لها؟

 

ـ كتبت قصصا كثيرة عن الهوى والأهواء، منها شبابنا اليوم، ونحن وأهواؤنا، وكان هدفك من خلال ذلك هو إرشاد الشباب والشابات، فهل نجحت في ذلك؟

* قمت بعدة لقاءات مع عدد من الشباب والشابات،حيث استدرجهم في حواراتي معهم في أمورهم الشخصية والحساسة من اجل توجيههم والحمد لله كان هناك إستجابة من قبل عدد منهم، إلا أنني لاحظت أن الأمر يكون نسبي أو جزئي يقتصر على عدد محصور لذلك وجدت أن أحسن أسلوب هو القصص، وأنا في حصصي التوجيهية لاحظت أيضا أن معظم الشباب يستمع للقصة ويتأثر بها أكثر من أسلوب الوعظ وهذه من ميزات القصة الهادفة التي تؤدي إلى تربية الأجيال بأسلوب حسن وطريقة طرح مشوقة ومثيرة تستلفت الشباب الذي يميل إلى العاطفة المتدفقة .

 

ـ اللغة هي أهم أداة من أدوات التعبير للمبدع مهما كان نوع إبداعه، كيف تفعل هذه الأداة فعلها في إبداعاتك؟

* اللغة وسيلة التواصل بين الأفراد وأداة لجلبهم، فعنصر اللغة ضروري بالنسبة للقصة أو الشعر لأنه في كثير من الأحيان يجلب القارئ إلى نهاية النص خاصة تلك اللغة العذبة المتناغمة والمليئة بالألوان الأدبية واللوحات الفنية التي تعطي للنص جاذبية وسحر، وأحاول في كل كتاباتي أن أرقى إلى المستوى الذي يتمناه القارئ لأنه العنصر الأساسي في كل دلك .

 

ـ لماذا توقفت عن الكتابة لمدة ست سنوات، وما الذي جعلك تعودين إليها؟

* توقفي عن الكتابة راجع إلى البحث عن الذات، في كل هده السنوات كنت ابحث عن نفسي ككاتبة أو مرشدة أو مصلحة اجتماعية، وكيف الطريق إلى ذلك، كنت متقوقعة على ذاتي بعد أن أنهيت دراستي لكن الكتابة كانت تجوب بأعماق نفسي، ورغم هده السنوات لم تمت بل كانت تلملم الشحنات والصدمات التي يعيشها الأفراد في كل المجتمعات العربية وتحولت من إنسانة تكتب عن ذاتها إلى إنسانة تنقل هموم وأحزان المحاطين بها.

 

ـ حين تكتبين قصة ما، هل تكتبينها بتخطيط مسبق، أم تتركين نفسك ـ على سجيتها ـ حرة كالريح، عفوية كالأمواج؟

* كما قلت لك أخي بسام أن الكتابة عندي هي تدفق للمشاعر والأحاسيس التي تجول بخاطري مثل زوبعة لا بد ان تتساقط الأمطار لإخمادها، وهكذا تتساقط الكلمات من عمقي فتأتي دون رتابة على شكل قصة أو شعر أو خاطرة مع أن حديثي في القصة هنا مختلف هي المكان الأوسع الذي يظم اكبر عدد من القطرات ويسمح لي أن أجوب فيها كما أشاء هي فسحة لنفس المليئة بالأحلام والأمنيات والتقلبات والنكبات ليأتي التلقيح وتحديد الوجه النهائي له في بعضها، وفي أحيان أخرى مثل لوحة فنان يرسمها حيث توجد هناك فكرة تريد أن تصبو إليها ويترك إحساسه يقوده إليها بطريقة جذابة تلفت إليها النظر، وفي كثير من الأحيان اتركها على سجيتها تكون اقرب إلى القارئ حسب رأيى لأنها تكون مليئة بالعواطف الجياشة والأحاسيس المرهفة التي تصل دون جسر إلى من يتطلع إليها.

 

ـ من هو القاص الذي يطرح في كتاباته أسلوبا مغايرا وجديدا فيه نكهة وطعم ولغة أخرى؟

*هناك العديد من الكتاب المتميزين في كتاباتهم وينفردون بأسلوبهم، طبعا لم يتسنى لي أن اقرأ لأشهرهم ولكني أرى في الكاتب نجيب محفوظ المتألق في أسلوبه وفي عبقريته في استدراج النص أرى فيه

القاص دو نكهة مميزة كما هناك كتاب آخرين حقا تجد في كل قصة من قصصهم نكهة مميزة وانأ أقصدك في هذا المقام أخي بسام وانأ من المداومين على قراءة قصصك.

 

ـ فيما يخص القصة القصيرة في الجزائر، هل لك أن تتحدثي لنا عن مساراتها أو إنجازاتها والى أين وصلت؟

* القصة القصيرة في الجزائر مرت بعدد من الأشواط، وقد لعبت دورا فعالا في الحقبة الاستعمارية، إذ لعبت دور الكاشف والناقل لمعانات الشعب الجزائري، وكشفت الواقع الاجتماعي المرير، وإبراز المشاكل التي واجهته، ويظهر ذلك جليا في قصص محمد ديب الحريق والدار الكبيرة وقد كان القاص احمد رضا حوحو عميد القصة في الجزائر حيث اشتهر بغادة أم القرى وهي في مجملها مأخوذة من الواقع، كما هناك عدد من القصاصين الجزائريين الذين تألقوا في فترة مابعد الاستعمار، حيث تعد فترة السبعينيات هي أخصب مرحلة حيث ظهر عدد من الكتاب اذكر منهم زهور ونيسى طاهر وطار عبد الحميد بن هدوقة ...

كما وصلت القصة الجزائرية إلى الصدى العربي من خلال قصة أحلام مستغانمي ذاكرة الجسد، كما توجد هناك أقلام واعدة شابة تبحث عن توجه الأنظار إليها، حيث لا توجد دعائم كافية لتكفل بها بالرغم من تواجد دور الثقافة في كل ركن من البلاد، وهذا لا يعد كافيا لان الكاتب يعتمد على عائله المادي من اجل أن ينشر مؤلفاته بعكس مصر حيث تنتشر دور النشر بطريقة عجيبة وكل من يرغب في نشر مألوفا كان دلك من أيسر الأمور .

 

ـ كيف تنظرين إلى التجارب القصصية الشابة في الجزائر، وهل من أسماء يمكن أن تشكل مستقبل الأدب الجزائري؟

* هناك أقلام شبابية تبحث عن مستقر لها حيث أرى كما قلت لك انه لا يوجد دعم كافي لتكفل بهده الشريحة بالرغم من وجود دور ثقافة عبر الوطن لكنه غير كافي، إذ يعتمد الكاتب على طاقته الشخصية وحتى المادية من اجل نشر مايملك من مألوف حيث تنعدم مسابقات شعرية أو قصصية في المؤسسات التربوية التي تعد الأساس في نهوض اى دولة .

 

ـ القصة القصيرة مدرسة عظيمة للتهذيب، ما رأيك؟

ذلك هو رأى في القصة أو الشعر أو اي لون أدبي وفني طبعا، اتصالي بفئة الشباب رسخ في ذهني مدى تأثر الشباب بالأسلوب القصصي حيث تثير هاجس الإصغاء لديهم،حتى الدعاة في دعواتهم يعتمدون أسلوب القصة وفي القران الكريم نجد الأسلوب القصصي في التوجيه والتوعيظ اقرب إلى قلب الإنسان وأوجه له .

 

ـ كيف هي علاقتك مع المبدعين الجزائريين؟

* والله لا علاقة لي بأحدهم، كانت لي علاقة مع الشاعر ابن الشاطئ وهو شاعر من مدينة جيجل حيث أنشأت هده العلاقة من خلال إحدى الزميلات التي أعجبت بكتاباتي حملتها إليه ليعطي تعليقاته

وانقطعت، وأنا على النت حاولت الاتصال بالعديد منهم ولكن؟

 

ـ لكل مبدع رسالة ما يريد تحقيقها عبر عمله الأدبي، وأنت ككاتبة وقاصة ما هي رسالتك؟

* طبعا كل كاتب له هدف يريد أن يصل إليه من خلال طرحه لمشكلة ما وبطريقة علاجه لها ودلك باختلاف الاعتقادات والاتجاهات، وهدفي ككاتبة هو التوجيه من خلال نقل قصص من الواقع مع إعطاء كل قصة عبرة لسلوك ما وخاصة أن رسالتي موجهة إلى شريحة الشباب عماد المستقبل الذين هم سارحون إلى حد ما في بهارج الدنيا وزينتها متغافلين عن الدور الحقيقي الموجه لهم، وشكرا لك آخي بسام على هذه الفسحة، أسئلتك كانت في المستوى، وفقت في مشوارك.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1083  الجمعة 19/06/2009)

 

في المثقف اليوم