حوارات عامة

حوار مع د. هاشم عبود الموسوي في العمارة والعمران (3)

 نريد منكم أن تشيروا في هذه المقابلة إلى أهم جوانبها، لكي لا نغرق في ذكر قائمة من المُسببات مما يُصعّب علينا وعلى القارئ غير المتخصص تلَمُّس أطراف هذه المسألة مُتشعبة الجوانب ؟

د. هاشم: نعم هنالك أزمة حقيقية تواجه العمارة في الوطن العربي وقد تحدثنا عن بعض جوانبها في المقابلات السابقة، ضمن الحديث عن محاور أخرى، وإذا كنتم تبحثون عن أهم أسباب هذه الأزمة فأني أرى بأنها تكمن في مسألة تكوين المعماري العربي. وفي هذا الصدد تُطرح مفاهيم ثلاثة، كل منها يفترض وجود مشكلة في تكوين المعماري في الوطن العربي. وفي تحديد ماهيته، ودوره. وقد شاركت في الكثير من الندوات التي أقيمت من قبل جمعيات المهندسين المعماريين وأساتذة الجامعات، ووجدت أن المفاهيم الثلاثة المطروحة, كانت قاصرة عن تحديد المشكلة الرئيسية في تكوين المعماري العربي, أو صياغة رؤية حقيقية لمعالجة مشكلة العمارة التي تكمن في كون وطننا العربي هو جزء من العالم السائر في طريق النمو, وليس أكثر من ذلك، والمفاهيم المطروحة أدرجها لكم كالآتي:

المفهوم الأول: يظهر التباين بين المعماري والمهندس المعماري:

ويستند هذا المفهوم إلى تعريف العمارة كفن شامل رفيع وله عالمية المنبع المستمدة من فهم للذوق والثقافة، وعالم العمارة هو إبداع "المعماري" في لغة الرمز تشكيلاً, وفكراً, وبناءاً. يعيشها الفرد العادي فيرتفع دون إدراك، ويسمو دون تحول حقيقي، ويرهف دون فهم للغة الرمز التي يعرف أسراره ويحيط بخباياها ذلك الفنان المبدع "المعماري".

من هذا التعريف يتباين المفهوم الأول بين "المعماري" وبين "المهندس المعماري" الذي لا يرتفع ولا يسمو بقدراته إلى ذلك العالم السحري. عالم الرمز ولغته، أو إلى مجاله في التشكيل والفراغ. وينتهي هذا المفهوم الأول إلى أننا يجب أنْ نركز على إعداد "المعماري" وليس "المهندس المعماري".

المفهوم الثاني: يُظهر التباين بين المعماري المتخصص،  والمعماري الشمولي العام

يستند هذا المفهوم على تعريف العمارة كعمل شمولي جماعي يرتكز على فهم المجتمع ككيان ديناميكي متكامل تتفاعل فيه القوى الاجتماعية والسياسية والبيئية والتقنية لتخلق ما نسميه عمارة، أو تصميماً لمدينة أو لعمارة. ومران المعماري في هذا المجال هو مران لإنسان تتقابل في وجدانه كافة أوجه المعرفة، وتلتقي في مهاراته قدرات عدة تربط خيوط المشاكل وتحدد مداخلاً لحلها.. توافق وتنظم أكثر من أن تتحدد وتشكل.. هذا المعماري الشمولي هو جزء من جماعة تعزف معاً وتبحث معاً وتتعايش في إطار جماعي إنتاجي. ومن هذا التعريف يباين المفهوم الثاني بين المعماري كخبير متخصص، وبين المعماري كفنان شمولي جزء من كل منتج. وينتهي المفهوم الثاني بالدعوة لإعداد المعماري كفنان شمولي عام.

المفهوم الثالث: يركز على ربط المعماري بالمهندس ويرى في تكاملها ربط للعمارة بالتقنية والمعرفة العلمية.

ويستند هذا المفهوم على تعريف العمارة على أنها عمل مهني ذو وظيفة محددة ترتكز على أسس من المعرفة العلمية وتبني فعاليتها على إلمام المعماري بالمعرفة العلمية والوسائل التقنية للتنفيذ.. وهي في هذا نشاط مرتبط بالتطور العلمي والتكنولوجي ومحكوم بقرانيته وأصوله. ومن التعريف السابق يؤكد هذا المفهوم على أهمية التكوين العلمي للمعماري وربط مرانه بالمنهج الهندسي وأسلوبه.

ولكن هذه المفاهيم الثلاث قد أغفلت التشخيص الحقيقي لمشكلة العمارة وتكوين المعماري في الوطن العربي، وهو أن مشكلة العمارة لدينا هي جزء من مشكلة العمارة في عالم اليوم، ولا يمكن أن نفهم حقيقتها إلا إذا فهمنا موقع العالم العربي وعمارته من عالم اليوم وعمارته.

 

م.صبا: هل لدينا أزمة للعمارة بين المحلية والعالمية؟

د. هاشم: أقطار الوطن العربي بلدان نامية وهي جزء من عالم تتشابك فيه العلاقات الاقتصادية والسياسية في صورة تجعل من بلاد العالم النامي أطرافاً تابعة ومتخلفة عن مركز ذلك العالم والذي يتمثل في الولايات المتحدة، وأوروبا واليابان. إن مشكلة العمارة في الوطن العربي هي جزء من مشكلة العمارة عالمياً والتي لا يمكن أن تفهم بمعزل عن فهم علاقة مركز هذا العالم بأطرافه. وعلاقتنا بالمركز مثلها مثل بقية بلاد العالم النامي التي ربطت اقتصادها وسياستها بالعالم الغربي الصناعي، أو العالم الرأسمالي هي علاقة تبعية ونضالها الحقيقي هو نضال مع التخلف الذي تفرضه هذه العلاقة. وإدراك مفهوم هذه العلاقة اقتصادياً سهل ومتيسر ونعيشه الآن كما تعيشه الكثير من البلدان النامية، ولكن المفهوم الرمزي أو الفني لهذه العلاقة، والذي تقع العمارة في دائرته هو ذلك الشيء الذي يحتاج إلى نوع من التدقيق والبصيرة ولنبدأ بالولايات المتحدة، ثم إلى العالم العربي.

فاليوم في مركز العالم المتقدم في الولايات المتحدة تتمثل مشكلة العمارة ظاهرياً في ثلاثة أبعاد:

أ. بُعد المعماري عن المراكز المؤثرة في الحياة الاجتماعية والسياسية.

ب. ارتفاع نسبة البطالة بين المعماريين أو انشغالهم بأعمال أخرى حرفية أو فنية.

?. يقابل ذلك الإفلاس المظهري نزوع مدارس العمارة إلى اتجاهات تقدمية شجاعة تركز على ربط العمارة بالمجتمع وفي هذا استمرار لحركة الستينات من القرن الماضي التي نادت بربط العمارة بالتغيير الاجتماعي، ثم السبعينات والتي دفعت بالعمارة في اتجاه التقنيات الملائمة وموازنة كل ذلك مع التيار الجارف الذي يعم كافة نواحي الحياة والإنتاج في الولايات المتحدة والذي يرمي إلى عزل العمارة مرة أخرى عن تيار التغيير الاجتماعي، والعودة بها إلى أن تكون تياراً رمزياً يجاري السلطة ويحفظ لها مكاسبها في مبنى أو يروج لها في رمز أو تشكيل.

 

م.صبا: إذا كانت هذه السمات ظاهر أزمة العمارة في الغرب فإن باطنها بالتأكيد يحتوي على محنة حقيقية للعمارة أليس كذلك؟

د. هاشم: نعم هنالك محنة حقيقية وانا الأحضها في أبعاد ثلاثة، كلها تصب في مفهومٍ واحد وهو إفلاس العمارة في مركز العالم الصناعي المتقدم وهذه الأبعاد الثلاثة هي:

أولاً: عجز النظرية المعمارية عن ملاحقة أو تقنين التغيير الاجتماعي ومتطلباته منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم

وقد واكب هذا العجز إمتداد سريع لنفوذ الدول الغربية في أنحاء العالم النامي مما جعل من عجز النظرية المعمارية كارثة فكرية، إذ أنها برغم شللها عن معالجة قضايا التغير الاجتماعي بيئياً ومعمارياً داخل الولايات المتحدة بقيت رمزاً أصماً للبلاد التي امتد فيها نفوذ دول الغرب لتزيد من تبعيتها وتحد من قدراتها. ولا تستثني من ذلك النظرية المعمارية الغربية في قالبها الأول أو الأوروبي ممثله في مدرسة الباوهاوس، أو مدرسة الفنون الجميلة أو في شعارات التصنيع أو الأمريكيين مثل "فرانك لويد رايت" وما رفعه من شعارات عن العضوية ولا يستثنى من هذا العجز الرعيل الثاني أمثال "لويس كان" أو تلاميذه "فنتوري، ومور، وفنست سكالي" وغيرهم. وما مثلوه من مبادئ رومانسية وإن أسموها المدرسة الإنسانية. حتى المحدثون مثل "الكسندر"، "وهيراكن"، "وتترز" وغيرهم والذين يدعون المدخل الاجتماعي للعمارة. ففي كل حقبة نرى انتقال الفكر من أوروبا إلى الولايات المتحدة ثم إلى بلاد العالم النامي. مسجلاً في كل دوره عجز النظرية عن إفراز تصور متكامل لإجابة المتطلبات المعمارية لمجتمع المركز أو العالم المتقدم سواء كان ذلك في احتياجات سكانية أو عمرانية قبل أن يُصدر للعالم النامي.

 ثانياً: إفلاس المحاولات التطبيقية التي طرحتها الدول العربية أو جهات البحوث لحل مشاكل العمارة

والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة مراحل تمثل كل منها حصيلة لمرحلة من تطور النظرية، ويمثل فشلها إعلاناً عن عجز مرحلة وبداية أخرى.

الإسكان العام: وهو إنتاج المساكن على النمط الصناعي، تشكيلاً وتنظيماً وقد جاء في أعقاب الحرب نتاجاُ طبيعياُ لتزاوج الفكر العلماني مع التجربة العسكرية، وقد ثبت إفلاسه تماماً في كافة بلاد الغرب رغم إمداده الوفير من المساكن، وللأسف فقد صُدِّرَ هذا الأسلوب إلى كافة الدول النامية فور استقلالها ليمتص كل طاقاتها ويرفع مديونيتها دون أن يحل الكثير أو القليل من مشاكلها الحقيقية. أضف إلى ذلك التدمير البشع لبيئتها وبنية مجتمعاتها الحضارية من تأثير ميكانيكية الفكر والتنفيذ.

الإحلال- والتجديد الحضري: وقد جاء هذا الأسلوب في الخمسينات وفي أوائل الستينات من القرن الماضي نتاجاً لفكر رومانسي مجرد،  حاول بسذاجة التغلب على سلبيات الإسكان العام، بأساليب فكرية وبصرية – ومفاهيم مسطحة عن المدينة ككيان بصري يمكن تشكيله أو إعادة تشكيله باستئصال السيئ منه والذي شُخّص بالأحياء الفقيرة ومجتمعات الأقليات والحواري .. وقد شهدت أغلب مدن الولايات المتحدة عمليات استئصال لمجتمعات بأكملها وإعادة بنائها برونق وتصورات مغرقة في التكلف. وقد ثبت إفلاس هذا الأسلوب اقتصادياً من واقع التكلفة والعائد، واجتماعياً من واقع الارتفاع الشديد للجرائم في هذه المشاريع وهجرة السكان لها مع الاحتجاج الدائم للسكان الأصليين الذين اضطروا لترك أحيائهم إخلاءاً للرؤيا المسطحة لمعماري الإحلال والتجديد.

وتقف مدينة «سانت لويس بميسوي» شاهداً على الانهيار التام لمشاريع الاحلال- والتجديد الحضري يوم اضطرت المدينة لتدمير الآف المساكن العامة التي هجرها الأهالي وسكنها اللصوص وارتفعت بهم الجرائم- رغم تكلفتها مئات الملايين من أموال الضرائب.

اليوم يشهد الوطن العربي والكثير من بلدان العالم تصدير ذات الفكر والاسلوب الذي أفلس في بلده من خلال تشييد الأحياء (القبيحة) أو (الفقيرة) (أو الخطرة) أو هكذا يقال عنها.

الجهود الذاتية والتجديد: مع تداعي فكر وتطبيق الرعيلين الأول والثاني من نظريات الغرب في بلادها – أجريت التجارب العديدة لاحتواء الحركات الجماهيرية وتحرك المجتمعات في وجه معماري التصنيع، أو ممارسو الاستئصال العمراني وقد تمثل ذلك فيما اصطلح على تسميته بالجهود الذاتية وهي في نظري محاولة للالتفاف حول المشكلة، وإسقاط إفلاس المعماري على رجل الشارع، بإيهامة أنه يستطيع أن يبني لنفسه مثل ما فعل أجداده قبل الآف السنين .. فقط فإن المعماري سيراقبه ويوجهه .. وبالطبع فقد منيت برامج الجهود الذاتية بالفشل المقُنع إذ أنتجت أطلالاً, وعششاً بدلاً من أن تنتج عمارة وبالطبع فقد صُدِّر ذلك إلى بلاد العالم النامي في رداء كهنوتي وفي رونق علماني روحي متصوف يُذكِرّ أبناء العالم النامي بعظمة تراثهم وكيف شيد أجدادهم روائع النوبة، وكيف بني أهلهم قرى الدوجان وكيف نحتوا الجبال في تونس وصمموا البيوت المتضامة في غدامس وكيف قاموا بكل هذه الجهود الذاتية: التي اكتشفها لهم ذلك العبقري «جون تيدنر» وهو يترنح من فرط إفلاسه في بلاد العالم النامي.

اليوم تُغّلف مشاريع الجهود الذاتية في توابيت من الأوراق والصور والرسومات– تقارير- وقوارير .. وحولها تُعقد الطقوس الجنائزية والتي يحلو لهم أن يسمونها حلقات علمية، ودراسية، أو مؤثرات اجتماعية وتحوم بها طائرات الخبراء حول العالم فقط لتعطي حلقة الإفلاس الأخيرة دفعة من الزخرف ومساحيق الحياة والشرعية.

ثالثاً: الإغراق في الفردية الغربية: يُكمَل تلك الثنائية إغراق في الرومانسية وشوفونية فكرية وفنية تواكب عجز النظرية افلاس الممارسة في إبتذال وتجارية نراها اليوم فيما يسمى «بما بعد الحداثة».. ولهذا الإغراق حديث آخر.. ولكن ما يجب أن نقوله أن ما تمثله تلك المدرسة إن صح تسميتها بمدرسة هو أنها مصيدة لفكر ووجدان الجيل الذي لم يقع بعد فريسة لوهم مدرسة الصناعة، أو المدرسة البصرية ويبقى ابتذال ما بعد الحداثة مثلاً أمام أبصار هذا الجيل مثله مثل ما يهرب خلال نوادي الفيديو والسينما الخاصة من عروض تنخر في وجدان شبابنا وتهدم كل طاقاتنا.

سراب التقدم، إغراق التبعية: يقابل مظاهر الإفلاس المعماري في الغرب والذي لخصناه مظهرياً في إبتعاد المعماري عن مركز الأحداث والبطالة، وتذبذب المدارس المعمارية بين التبعية والإغراق في الفردية مظاهر مضادة في بلاد العالم النامي. وربما توحي بأن مشكلتنا منفصلة عن مشكلتهم، أو أننا لا نعاني مما يعانون ويمكن أن نلخص هذه المظاهر في ثلاثة سرابات.

أولاً: سراب فعالية المعماري في الوطن العربي:

ففي الوقت الذي ينعزل فيه المعماري عن مركز النشاط والتأثير في الغرب، يبدو المعماري هنا وبصورة سطحية في مركز الأحداث.. أو في قلب التغيير.. وهذا هو السراب الأول. إذ أنه في واقع الأمر لا أكثر من أداة.

ثانياً: سراب الانطلاقة العمرانية والعمالة الفائضة:

فيقابل بطالة المعماريين في الغرب نشاط مكثف ومجزى للمعماريين في الوطن العربي، كما كان في إيران- وكما يمكن أن يكون في أي بلد آخر وإنشغال المعماري، وارتفاع دخله في بلداننا هو السراب الثاني: إذ يصبح دخله إفلاساً للاقتصاد بصفة عامة..

ثالثاً: سراب الأعداد الكبيرة من طلاب العمارة ومهندسوها:

يقابل إنكماش مدارس العمارة بالغرب اتساعها بالبلاد النامية وارتفاع قيمة الطالب فيها – وهذا لا يعبر بأي حال عن مستوى الدراسة .. وهو السراب الثالث. إذاً تضخم مدارس العمارة يُعبِرَ عن إنهيار الفكر والتعليم فيها.

- باختصار فإن أزمة العمارة في الوطن العربي هي جزء من أزمة التبعية والتخلف التي نعانيها بصفة عامة والتي يمكن تلخيصها في ثلاثة أبعاد تقابل أبعادها الثلاثة في الغرب:

أ- تصدير النظرية الغربية رغم إفلاسها في الغرب إلى بلاد العالم الثاني والعالم العربي بالطبع.

ب- ترويج أساليب وطرق البناء التي ثبت فشلها في العالم الغربي اقتصادياً واجتماعياً.

?. تأكيد وإستمرار التعبية المعمارية بين الوطن العربي والغربي.

وهذه صورة من القاهرة ينقلها لنا د. عبدالحليم إبراهيم* في صدد حديثه عن أزمة العمارة في مصر:-

(تقف الأعمال المعمارية التي تغير وجه المدينة والقرية في كافة أنحاء مصر شاهداً على كل هذه التبعية: ويمكن أن ننظر إلى مبنيين: كايروا بلازا، ومبنى المكاتب والسكن الإداري الذي يرتفع بدون هوادة، وبدون حساب أمام حديقة الحيوان بالجيزة محطماً كل منطق، مستهزءاً بتاريخ الشارع وبجيرة عماراته، أو بخط العمران على شاطئ النيل ثم أهم من ذلك .. دافعاً بقانون العرض والطلب عرض الحائط خالقاً سوقاً خيالياً لعمالة فائقة المهارة، ومواداً بالغة الفخامة منتجاً مبنى لا يمكن لمصري شريف أن يسكنه، ولا يمكن لعمل شريف للاستثمار أن يستأجره ويعلم الله من يملكه.. ويبقى هذا البرج وغيره.. عشرات تتدفق اليوم في قلب القاهرة معلنة لحظة حاسمة في تدمير كيان هذه المدينة وعمارتها). هذا ما ذكره الأستاذ الفاضل عبدالحليم إبراهيم وهو محق في ذلك.

 

م.صبا: ماذا بشأن الممارسة المعمارية؟

د. هاشم: في مجال الممارسة: تقوم ثنائية الاستشاري والمكتب الأجنبي – كتعبير عن ضياع شرعية المعماري – بين كونه استشارياً ثم ارتكازه على اسم أجنبي يستجده من الشرعية في بلده.

 

محمد: وماذا بشأن المدارس المعمارية في الوطن العربي؟

د. هاشم: في مدارس العمارة: تقف أغلب مدارس العمارة عاجزة في وجه هذا الأمر ويتمثل هذا العجز في:

- انعدام تصور نظري كامل في أي من أقسام العمارة عن فهم حقيقة هذه العلاقة بين المركز والأطراف.

* احد اعمدة الهندسة المعمارية الكبار في مصر.

- إستطراد التبعية من خلال سياسة البعثات ومناهج التعليم.

- إستغراق أعضاء هيئة التدريس في الأعمال المهنية دون محاولة وقفة لمراجعة مواقفهم المهنية أو إنجازها.

وينعكس كل ذلك على مناهج المدرسة وعلاقة الطلاب بالأساتذة ونوعيات المناهج.

إن فهمنا لأبعاد محنة العمارة بالغرب يجب أن يحررنا من التبعية الفكرية والتطبيقية ويعيدنا إلى القدرة الحقيقية التي تكمن في مجتمعاتنا وتراثنا.

من هذا المنطلق أضع هنا تصوراً لما يمكن أن يشغل المعماريين العرب بقصد النظر جدياً إلى مشكلة التبعية في الفكر والممارسة المعمارية.

ضرورة بلورة فكر معماري نابع من ظروف وطنا العربي كاقليم نامي عالميته في انتمائه للبلاد النامية، وفي امكانية انقاذه من الإفلاس الفكري الذي يعم الغرب.. وعالم هذه العمارة هو القرية، والواحة، والمدينة العربية .

إيجاد فكر ينبع من تراثنا وعالميته، ويرتكز على محاور المعرفة التي رسمت تطور عمارتنا الأصلية وفيها يتبلور الدرس الحقيقي الذي يمكن أن يعطي للعالم ميلاداً لفكر معماري جديد.

ذلك الدرس- هو في إيجازه يقول أن العمارة هي بناء جماعي لجسد مجتمع حي .. فالعمارة هي تصميم وتشكيل لمجتمع وأن النظرية المعمارية هي في الواقع نظرية لبناء وتشكيل المجتمع الإنساني. من التراث، من عمارة الإسلام، ومن غدامس وغردايه وعمارة الاقباط ومن كل العمارات التي بنت جسد المجتمع خلال مبانيها يجب أن يستمد هذا الفكر أصوله.

 

م.صبا: فما هو الحل إذاً؟

د. هاشم: لابد من صياغة منهج علمي ينقل نظرة تصميم المجتمعات من مستوى الفكر إلى مستوى التطبيق والعمل.. وما يلزم ذلك من فهم لما يدخل في هذا المنهج من علوم ومعارف وما يستلزمه التطبيق من تدريس ورعاية. وتكوين مجموعات بحثية مهنية متخصصة تشترك في العديد من مشروعات الدولة والتي تؤثر على تكوين ونشأة المجتمعات الجديدة- أو التأثير على مجتمعات قائمة بقصد فهم كيفية الممارسة حالياً- ونقلها إلى مكان آخر للممارسة الفعالة، كما يجب وصل وتحرير التجارب الطليعة التي قامت في هذا المجال من أعمال الرواد مثل حسن فتحي، ورمسيس ويصا في مصر ومحمد مكية ورفعت الجادرجي من العراق وراسم بدران من الأردن، من قالبها الرمزي القومي إلى القالب الحقيقي لتصميم المجتمعات إلى جانب دراسة النماذج الحضارية التي تمثلت في تقاليد البناء والترميم في بلاد العالم النامي وصياغة الصالح منها وتشجيعه. وتدعيم العلاقات الفكرية والمهنية مع المنظمات والمؤسسات التي تعمل في نفس المجال في بلاد المنطقة وفي أفريقيا وآسيا.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1484 الاربعاء 11/08/2010)

 

 

 

في المثقف اليوم