حوارات عامة

في حوار مع المفكر العربي الكبير محمد أركون:

تحت عنوان "لقاء مع ممثلي العلم: الايمان والعقل وذكريات الجامعة"، ذكر المقولة التالية والمقتبسة عن حوار دار بين امبراطور بيزنطي ومثقف فارسي "أرني ما هو الجديد الذي أتى به محمد، وسوف تجد أشياء كلها شريرة وغير إنسانية. من مثله أمر بنشر الدين بالسيف". الأمر الذي أثار ردود فعل غاضبة في العالم الاسلامي. في هذا الحوار (اليزابيتا بيكي، صحيفة لاناثيون) يناقش محمد أركون حول علاقة اللوغوس (العقل) بالاسلام، وكذلك ردود الفعل التي أثيرت حول كلمة البابا بنديكت السادس عشر، كما يناقش علاقة الاسلام بالعنف.

 

ماذا كان رد فعلكم على كلمة البابا في ريجنسبرج؟

-من جهة، أعتقد أنه كان إيجابيا، انه أمر جيد أن يدخل البابا بسلطته في مناقشة عامة بشأن المسائل المتعلقة بالفكر اللاهوتي. الأمر الذي تم اهماله في مجتمعنا العلماني.

 

ولكن؟

- لكن من جهة أخرى، البابا في خطابه، أشار إلى رد الامبراطور البيزنطي مانويل الثاني باليولوجوس على أحد الفرس، وهو أمر مثير للجدل على قدر كبير، لأن الامبراطور كان في القسطنطينية في ذلك الوقت، والتي كانت تحت حصار الامبراطورية العثمانية. هذا الاقتباس لا قيمة له، لأن البابا استخدمه من دون أن يشير إلى سياقه التاريخي، وبالتالي لا يستطيع أن يبنى عليه أدلة بخصوص أن الاسلام لم تكن له علاقة مع اللوغوس (العقل) كما فعلت المسيحية. وهذا خطأ تاريخي، لا يمكن أن يرتكبه أي مؤرخ، لأن المرء يستطيع أن يقتبس عمن يشاء، ولكن دائما يجب عليه أن يضع المقولة في سياقها التاريخي.

 

أي تعليقات أخرى؟

-نعم، لا يمكنك بناء حجة من أجل التوصل إلى استنتاج غير مقبول من وجهة نظر تاريخية. لأن الاسلام منذ القرن السابع وحتى القرن الثالث عشر، مع ابن رشد، استخدم اللوغوس بنفس الطريقة التي استخدمتها المسيحية. الأمر المؤكد، مع ذلك، هو أنه بعد القرن الثالث عشر، الفكر الاسلامي هجر تدريجيا الفكر الفلسفي. ولكن فقط بعد القرن الثالث عشر، وليس قبله. لو كان البابا قد ذكر كل هذا، لما احتج عليه أحد. لكنه لم يقل ذلك: أصدر بيانا عاما قال فيه أن الاسلام لم يعط نفس القدر من الأهمية للوغوس كما فعلت المسيحية. وهو أمر غير صحيح.

 

ماذا عن ردود الفعل الغاضبة من العديد من المسلمين الذين ردوا على كلمات البابا؟

-لا أتفق مع ردود الفعل هذه، لأنها لم تكن مؤسسة على النقاش التاريخي، وعلى النقاش حول اللوغوس.

 

هل تعتقد أن البابا، بنقده الذاتي، قام بما يكفي من أجل الاعتذار؟

- في هذا إنني لست موافقا على الاطلاق. ارتكب خطأ كبيرا. لماذا استقبل سفراء الدول الاسلامية؟ السفراء ليس لهم أي علاقة لا من قريب ولا من بعيد بهذا النقاش، لأن الدولة ليست هي المسؤولة عن الايمان الاسلامي.

في الاسلام، ليس للدولة الحق في المشاركة بالنقاشات المتعلقة باللاهوت. لذلك كان خطأ كبيرا، ويدل على أن البابا لديه فهم خاطئ للإسلام. أنا أقول عادة أن الاسلام بروتستانتي لاهوتيا، وكاثوليكي سياسيا.

 

ماذا يعني ذلك؟

-البروتستانت في المسيحية، لديهم حرية دراسة وتأويل الكتابات المقدسة، الأمر ذاته بالنسبة للمسلمين. لذلك السفراء ليس لهم علاقة بمسائل اللاهوت. من جهة أخرى، الاسلام " كاثوليكي سياسيا "، بمعنى أن السلطة السياسية عمودية، وليست أفقية. المؤمنون يجب أن يطيعوا البابا، كما تطيع الرعية الملك أو الرئيس *.

 

ما هو رأيك من زيارة البابا الى تركيا بعد العديد من الاحتجاجات والجدل؟

-البابا يحاول إصلاح مالايمكن إصلاحه.

 

انه غير قابل للاصلاح؟

-لا. انه قابل للاصلاح فقط من خلال احداث تغيير في العقلية الكامنة وراء العلاقات بين الأديان. فقط الأكاديميون، المثقفون، يجب عليهم حل هذه المسائل، وليس السياسيون.

 

ما رأيك في علاقة الإسلام باستخدام العنف؟

-هذه مسألة كبيرة أيضا، ليس هناك دين لا يلجأ للعنف، لأن العنف مرتبط بالحقيقة، انه مرتبط بمفهوم "الدين الصحيح". كل دين يدافع عن احتكار كونه الدين الوحيد "الصحيح".

إذن، عندما ينادي احدها بذلك، فإنه يدخل العنف، لأنه ينفي كل الأديان الأخرى، ويفتح الباب على مصراعيه أمام دوامة المعارك. الحروب الصليبية. مثلا، في العصور الوسطى، كانت كذلك.

 

هل تعتقد أن هذا هو صدام الحضارات؟

نعم، في حال الاستمرار بتجاهل وجهة النظر التي أتحدث عنها.

 

________________________________

* أي أن أركون يقصد أن جوهر الاسلام بروتستانتي، لكن بفعل الظروف التاريخية، تدهور الاسلام إلى أن أصبح كاثوليكيا. كما كان قد عبر أركون عن ذلك في إحدى مقالاته في اللوموند " كل مؤمن مسلم يمكنه أن يعبر عن علاقته مع الله دون وسيط ". (المترجم)

ينشر بالتعاون مع فريق الترجمة في شبكة العلمانيين العرب

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1092  الاحد 28/06/2009)

 

 

في المثقف اليوم